أكد الرئيس الأول للمحكمة العليا، عبد الرشيد طبي، أن المراحل الأولى من الانتخابات التشريعية، التي جرت السبت الفارط، «أثبتت مدى نجاعة» الأسس التي وضعها المشرع الجزائري لضمان عملية انتخابية نزيهة. في مداخلة له عن بُعد، خلال اجتماع القاهرة الخامس رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والمحاكم العليا والمجالس الدستورية الإفريقية، تمحورت حول موضوع «العدالة الانتخابية: شفافية العملية الانتخابية ونزاهتها»، تطرق الرئيس الأول للمحكمة العليا إلى الاستحقاقات التشريعية التي نظمتها الجزائر مؤخرا والتي أكد أن مراحلها الأولى «أثبتت مدى نجاعة القواعد والأسس التي تم سنّها لضمان عملية انتخابية نزيهة». وبعد أن أشار إلى أن هذه التشريعيات، التي تعتبر أول انتخابات تجري في ظل الدستور المعدل والقانون الجديد للانتخابات، قد خضعت لجملة من المبادئ المتمثلة في «الشفافية والنزاهة» و»تكافؤ الفرص» و»ضمان المنافسة السياسية الشريفة» وكذا «المناصفة بين الرجل والمرأة»، ذكر طبي بكون الانتخابات النزيهة «مؤشرا هاما على التحول الديمقراطي للدول»، بصفتها «وسيلة الوصول للسلطة وآلية المشاركة السياسية». وفي معرض حديثه عن أهم الضمانات الدستورية والقانونية التي تم تدعيمها بمقتضى التعديل الدستوري الأخير (دستور 2020) والقانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات (مارس 2021)، توقف الرئيس الأول للمحكمة العليا عند السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي تعد «الضمانة الدستورية للعملية الانتخابية»، والتي تضطلع بمهمة التحضير لكافة أنواع الانتخابات وعمليات الاستفتاء وكذا تنظيمها، مع الإشراف على جميع المراحل التي يمر بها الاقتراع. وتجسيدا لمبدإ الرقابة القضائية وحماية العملية الانتخابية وضمانا لنزاهتها، لفت السيد طبي إلى أن قانون الانتخابات فتح المجال أمام القضاء الإداري لممارسة الرقابة على قرارات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في انتخاب أعضاء المجالس الشعبية (الاستحقاقات التشريعية والمحلية)، في حال رفض الترشيحات، وذلك من خلال الطعن فيها أمام المحاكم الإدارية. أما في مجال الرقابة الدستورية، فقد منح القانون للمترشحين والأحزاب المشاركة في هذه الاستحقاقات، الحق في الطعن في النتائج المؤقتة أمام المحكمة الدستورية (المجلس الدستوري حاليا) وهي الهيئة التي أوكلت لها مهمة ضبط النتائج النهائية للانتخابات، يذكر ذات المسؤول. وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، رتب القانون عقوبات جزائية لضمان حماية العملية الانتخابية من كافة أشكال التلاعب والتزوير ومما يؤثر على سلامة ونتيجة الانتخابات أو يمس بإرادة الناخبين وتوجهاتهم. وتصبّ كل هذه الضمانات، المندرجة في إطار الرقابة الإدارية والتنظيمية والقضائية والدستورية، في خانة «تكريس مبادئ الديمقراطية والمساواة وتمكين المواطنين من المشاركة في تسيير شؤونهم والتعبير عن قناعاتهم وخياراتهم بكامل الحرية والاستقلالية»، يقول ذات المسؤول. كما تأتي إحاطة العملية الانتخابية بهذه الضمانات «إدراكا من المشرع بحساسية العملية الانتخابية وأهميتها»، يتابع الرئيس الأول للمحكمة العليا، الذي ذكر بأن المبادئ الديمقراطية تقتضي أن الشعب هو مصدر كل سلطة. وقد استوجب ذلك، يضيف السيد طبي، وضع إجراءات تضمن انتخابات حرة ونزيهة، قبل انطلاقها (من خلال التحضير لها وإعداد قوائم الناخبين والمترشحين)، وأثناء إجرائها (من خلال التصويت، الفرز وإعلان النتائج) وكذا بعد الانتهاء منها، بتكريس حق الطعن ومعالجة الشكاوى. الحوكمة الإلكترونية أبرز الرئيس الأول للمحكمة العليا، عبد الرشيد طبي، الجهود التي تبذلها الجزائر في مجال تبني وسائل الحوكمة الالكترونية والإسراع في تعميمها، «لاسيما في الآونة الأخيرة، بسبب الضرورة الملحة التي فرضتها جائحة كورونا». أوضح طبي، أن العالم «يشهد تطورا سريعا ومتواصلا نحو تبني وسائل الحكومة الإلكترونية من قبل مختلف المؤسسات وعصرية أساليب الحياة بغرض تسهيلها باستعمال تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة في تسيير جميع مناحي الحياة اليومية للدولة والمواطنين على حد سواء وتعميمها على مختلف القطاعات والمجالات». وتابع قائلا، إن الجزائر «سعت منذ سنوات إلى مسايرة هذا التطور والإسراع في تعميمه في الآونة الأخيرة، نظرا للحاجة الملحة التي فرضتها الظروف المعيشة، لاسيما بعد ما شهدته من تفشي جانحة كورونا، على غرار باقي بلدان العالم»، لافتا إلى أنه «من مظاهر هذا الاهتمام قيام رئيس الجمهورية، لأول مرة، في إطار تعديل حكومي، بتعيين وزير مكلف بالرقمنة والإحصائيات». وفي ذات السياق، أشار طبي إلى أن مشروع المحكمة العليا الإلكترونية «يعدّ أحد الآليات المسطرة لتنفيذ إصلاح العدالة في شقه المتعلق بعصرنة القطاع، والرامي الى التقاضي الإلكتروني». كما تطرق طبي في مداخلته، إلى الحوكمة القانونية لوسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدا أنه «مع التزايد المستمر لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات، كان لزاما ضبط هذه الأخيرة»، معتبرا ذلك «إحدى المعارك الجديدة الناتجة عن استغلال هذه المنصات وتحويلها لأدوات سياسية وإبعادها عن دورها الاجتماعي الأصلي»، لافتا بالمناسبة إلى أن «الكثير منها أضحى وسيلة لنقل الشائعات والأخبار المغلوطة والأحداث الملفقة». وبخصوص القواعد القانونية الضابطة لهذه المنصات، ذكر طبي بالإطار القانوني في الجزائر المتعلق بهذا الجانب، على غرار القانون رقم 04/09 المؤرخ في 2009/08/05 المتضمن القواعد الخاصة بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، والذي حدد «التزامات مقدمي الخدمات کمساعدة السلطات المكلفة بالتحريات القضائية وحفظ المعطيات التي تسمح بالتعرف على مستعملي الخدمة أو بالتعرف على المرسل أو المرسل إليه وكذا عناوين المواقع المطلع عليها». كما أنشأ القانون المذكور هيئة وطنية تسمى «الهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها»، تتمثل مهمتها الأساسية في «تنشيط وتنسيق عمليات الوقاية من هذه الجرائم ومساعدة السلطات القضائية الضبطية والقضائية في التحريات، تجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب وفي تعقيب له حول موضوع «مكافحة الإرهاب تحت رقابة القضاء»، أكد طبي أن الجزائر «كانت أكثر الدول تضررا من الإرهاب ودفعت ثمنا غاليا في مكافحته لإنقاذ الدولة الوطنية، كما واجهت بمفردها هذه الظاهرة لمدة حوالي عشر سنوات»، لافتا الى أن العالم «لم ينتبه إلى مأساتنا إلا بعد أحداث سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية».