توجد عراقيل وغياب تشجيع الفنان حطم الإبداع حافظ على طابع شعبي خاص به، استلهمه من التراث الصحراوي المحلي الأصيل لمدينة الألف قبة وقبة، احتل به مكانة مرموقة في محافل الأغنية الشعبية محليا ووطنيا وعالميا، فسطع نجمه في عالم نجوم الفن الكبار، كما اقتحم عالم التمثيل منذ بداية ثمانينات القرن العشرين، ودوّن اسما من ذهب في الفيلم السينمائي «العاصفة» العالمي سنة 1982، للمخرج الكبير محمد الأخضر حامينا، الذي شارك في مهرجان «كان» السينمائي الدولي الفرنسي. في هذا الحوار نقترب من الممثل والمغني الشعبي «محمد محبوب»، صاحب الصوت الجميل واللحن الشجي، الذي صال وجال في مهرجانات وطنية ودولية وكان سفيرا للأغنية الشعبية الصحراوية، كما شارك على مدار العقود الماضية في أفراح وأحاسيس أجيال بأكملها بأسلوبه ونسقه الشعبي في الأداء. وقد كُرّم من طرف الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد رحمه الله، ولا يزال عطاؤه الفني مستمرا في فضاء الإبداع، ويقدم أفضل وأجود الأغاني والبصمات الفنية التي ستبقى حيّة للأبد في أوساط الأجيال المتلاحقة في وادي سوف والجنوب الكبير وكل ربوع الجزائر. «الشعب ويكاند»: بداية من هو محمد محبوب ومتى كانت البدايات الأولى مع الغناء الشعبي والتمثيل السينمائي؟ «محمد محبوب»: أنا من مواليد مدينة الألف قبة وقبة مدينة الوادي، انخرطت في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية في عمر 8 سنوات سنة 1975، وكنت أصغر قائد كشافة في الوادي آنذاك، حيث بدأت بترديد الأناشيد الوطنية وبعض من الأغاني التونسية، نظرا لقرب المسافة مع الجارة تونس التي يتشابه موروثها الثقافي والفني في منطقتها الجنوبية مع المورث السوفي. وفي سنة 1977، التحقت بصفوف الإتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، وكان في وقتها فرقة موسيقية تتكون من 30 إلى 35 فردا تغني في الحفلات والأعراس يترأسها صالح قدوري، كنت حينها كشاب هاوي أغني معهم بعض الأغاني التونسية التي فجرت موهبتي وأبانت عن لمسة صوتية وأسلوب خاص ميّزني وذلك حتى عام 1979، لألتحق بفرقة الأمل بقيادة إبراهيم بليمة، وفي أواخر السنة نفسها ذهبت للمشاركة في مسابقة ألحان وشباب في مدينة بسكرة وقبلت من طرف اللجنة بعد تقديم مقطع صوتي لأغنية شعبية محلية، حيث كانت التجربة الأولى إعلاميا، وفي 4 جويلية 1980 كنت الوحيد من الجنوب الشرقي ممثلا للأغنية الشعبية ولأول مرة في التلفزيون العمومي، عزفت الأغنية السوفية بالآلات الحديثة، وكان يترأس الفرقة المرحوم عبد لله كريو، إذ شاركت بأغنية من التراث المغاربي لأنها كانت رائجة في بلدان المغرب العربي الجزائروتونس وليبيا والمغرب في ذلك الحين، وهي أغنية و «الله يا غلية»، نلت بها إعجاب اللجنة والجمهور وتحصلت على الجائزة الأولى من بين 21 مترشحا مشاركا في برنامج ألحان وشباب على المستوى الوطني. وفي عام 1981 بعد مسابقة ألحان وشباب الوطنية، شاركت في أول حصة كبيرة في الوادي فيها عدة فنانين بعنوان موزاييك باشتراك التلفزيون الجزائري وقناة تلفزيونية فرنسية، تصوير محطة قسنطينة الجهوية، وإخراج وإعداد المخرج الكبير محمد حازورلي. - كيف ترى واقع الغناء الشعبي بالوادي والجنوب عموما اليوم، وماذا عن تلحين أغانيك؟ فيما يخصّ الأغنية الشعبية وأحوالها، للأسف هي على وشكّ الاندثار لعدة أسباب منها الأنانية وانعدام التشجيع، على سبيل المثال عند تسجيل أغنية في الأستوديو وإعدادها نتكبد مصاريف على عاتقنا، ناهيك عن صعوبة الإبداع في الميدان وتحضير وتلحين وتهذيب الأغاني، وقد شجعني في بداية مراحلي الفنية من العاصمة الأستاذ والإعلامي والشاعر الكبير عبد الرزاق جبالي، الذي كتب لي بعض الأغاني، وكذلك الأستاذ الشاعر علي سوفية، الذي لحن لي عدة أغاني من بينها الأغاني المعروفة «الدالا دالا»، وأغنية «رباني ترابك يا سوف»، ولو أن هذه الأغاني ليست مكتوبة لي خصيصا لكن أنا غنيتها وكان هناك عدة فنانين آخرين غنوها. أما تلحين الأغاني فقد لحّن لي المرحوم معطي بشير، وإبراهيم بليمة، وبيري مسعود، أما عن كلمات الأغاني الوطنية كان من بين الشعراء ابو هنا الذي قدّم لي كلمات أغنية «الصلح خير» و»تحيا الجزائر» تلحين فؤاد ومان، ومؤخرا أغنية «راجع يا جزائر» كلمات سوفية علي، وتلحين خالد محبوب وتوزيع موسيقي للمبدع التونسي نعمان الشعري. - ما هي أبرز أعمالك الفنية التمثيلية والأغاني التي أصدرتها وأخذت صدى وطنيا وعربيا؟ بخصوص الأغنية التي عملت لي اسما هي أغنية «هاك دلالي» المعروفة سنة 1996 تصوير التلفزيون الجزائري، قام بتهذيب كلماتها سوفية علي، والآن الأغنية الرائجة يوميا في الأوساط المحلية والوطنية «واد سوف يا زينة» ديو خالد محبوب، كلمات مهدي غمام، وتلحين خالد محبوب، وتوزيع الموسيقي للمبدع التونسي نعمان الشعري. كما أصدرت أغنية وطنية فيديو كليب عن المصالحة الوطنية سنة 2005، وأغاني وطنية أخرى عن المنتخب الوطني سنة 2010، مثل أغنية تحيا الجزائر، كلمات أبو هنا وتلحين فؤاد ومان، وفي سنة 2014، أصدرت أغنية سيري يالخضرة لنفس المؤلف والملحن. أما عن تجربتي في التمثيل السينمائي كانت أول تجربة لي في فيلم «العاصفة» سنة 1982، للمخرج الكبير الأخضر حامينا، كما كان لي تجربة تلفزيونية في الحلقات الأولى لمسلسل «جحا» بطولة الفنان حكيم دكار بداية الألفية الجديدة، وتجربة صغيرة في فيلم بعنوان «حرب لطيفة» للمخرجة أمينة كسار. وقد التقيت السنوات الماضية بعدة فنانين عالميين، من بينهم عربيا وائل جسار في مهرجان اللوس الذي نظم بوادي سوف، أما الجزائريين فهم كثر على سبيل المثال الفنان خالد، الشاب مامي، والممثلين مثل الممثل القدير عثمان عريوات، وصالح أوقروت، وغيرهم من الفنانين والمبدعين داخل وخارج الوطن. ^ حدثنا عن تجربتك الفنية الدولية منذ ثمانينيات القرن الماضي؟ ^^ في سنة 1982، بما أني كنت لا أزال في صفوف الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، كانت لي أول مشاركة دولية في مهرجان البحر الأبيض المتوسط في اسبانيا مدينة فالنسيا. وفي سنة 1983، شاركت في برنامج منوعات بعنوان رحلة إلي الوادي إنتاج محطة قسنطينة الجهوية، إخراج المخرج المرحوم لحبيب فوغالي، وبعدها حصة تلفزيونية في مدينة سكيكدة عنوانها سنين من بعد، إخراج محمد حازورلي. تلك البدايات، أما خلال السنوات الماضية شاركت في مهرجانات وطنية وعربية كثيرة أبرزها كان في دولة تونس الشقيقة التي نتشابه معها كثيرا في الموروث الشعبي الفني والثقافي، كما كنت أول فنان جزائري يقيم حفلا غنائيا في المملكة العربية السعودية سنة 1997 في أحد الحفلات الخاصة للجالية الجزائرية متمثل في حفل زواج، وقدمت فيها أفضل أغاني التراث الشعبي الصحراوي الذي نال الإعجاب والإحترام. وفي 2007 شاركت في مهرجان طرابلس عاصمة الثقافة العربية في دولة ليبيا الشقيقة، قدمت فيها عروض شعبية من الموروث الشعبي الجزائري، خاصة الأغاني السوفية التي تشابهت في روح نسقها مع الأغاني الليبية التي بدورها تحمل تقريبا نفس صفات الأغنية التونسية مع اختلاف أغاني النجع الصحراوي الذي يأخذ نسق المواويل الشعرية، وغيرها من المشاركات في المحافل الدولية الوطنية التي تطيل الكلام للحديث عنها. - هل تأثّر فعلا الغناء الشعبي بالموسيقى الحديثة وما يتبعها من عصرنة في تقنيات الآلات والمؤثرات الصوتية؟ تأثير الآلات العصرية على الأغنية الشعبية الأصيلة ليس وليد هذه اللحظة أو السنوات الماضية، فأول من أعطى كلمات أغنية شعبية بالطريقة الحديثة في حدود سنة 1969 هو الأستاذ عبد الرزاق جبالي للفنانة فاتن لأغنية بعنوان «نهار المشاء مقواه يا اوخياني» لكن للأسف إعلاميا لم تروج، وهذا هو نفس المشكل الذي نعاني منه إلى يومنا هذا. عندما نتحدث عن تأثير الآلات الحديثة، يأخذنا ذلك إلى الكلام عن المؤثرات الصوتية التي فرضت نفسها في كل الأغاني العصرية، وأعطت أصواتا أخرى غير صوت المغني، وهو ما لا يتلائم مع الأغنية الشعبية الأصيلة القائمة على الشعر أو الأمثال الشعبية وحتى كلمات مرتبة، لأن الأغنية الشعبية من شروطها الوضوح ووصول المعاني والعبارات المؤثرة للجمهور، وليس أصوات صاخبة في بعض الأحيان يضمحل فيها صوت المغني الحقيقي. - بين الفن والسياسية، أي الرؤساء الجزائريين التقيت بهم وماذا دار بينكما، وكيف تقيّم مجال الثقافة والفن على مدار العقود الماضية؟ أما عن السياسة فلست سياسيا، أنا ولائي للوطن فقط، أما الرؤساء الذين التقيت معهم، منهم الرئيس السابق المرحوم الشاذلي بن جديد في سنة 1988، وكان ذلك خلال حفل تكريم جمع عدة وجوه فنية وممثلين ومخرجين على المستوى الوطني، ولقاء مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سنة 2004، خلال زيارة له إلى ولاية الوادي، أما الرئيس الحالي عبد المجيد تبون التقيت معه عدة مرات عندما كان وزيرا. وبخصوص العراقيل التي واجهتها حدث ولا حرج، هناك عدة عراقيل لا تزال إلى يومنا هذا، مثلا في العيد الوطني للفنان نفس الوجوه كل سنة تكرّم على حساب الفنان والمبدع الحقيقي، مع غياب تشجيع الفنان ومرافقته ليقدّم أفضل ما لديه من إبداع وما تجود في حنجرته، خاصة في مجال الفن والغناء الشعبي الذي يعتبر أحد روافد السياحة المحلية والوطنية. ^ كلمة أخيرة ^^ كل الشكر لجريدة «الشعب» العريقة التي أتاحت لي هذه الفرصة ولجميع قرائها، وشكرا لكل محبي محمد محبوب متمنيا أن أكون عند حسن ظنهم في أعمالي الفنية القادمة، كما أنتهز هذه السانحة لأشكر الجمعية الثقافية الألفية الثالثة التي يترأسها الممثل والمخرج سيدي علي بن سالم على التكريم الذي حظيت به منذ أشهر قليلة، وذلك بمساهمة المسرح الوطني محي الدين بشطارزي وحقوق المؤلف.