السّكوت أحيانا، عن حماقة أفضل من مجاراتها بالكلام في موضوع فيه مجاهيل كثيرة، مثل حكاية أسعار البطاطا، التي قد تعود علينا العام المقبل بما نكره.. الضّغط على الكلمات في مواقع التواصل الاجتماعي بلغ منتهاه، من متدخّلين يذُمّون، برصاص إنشائي ولُعابي، «محتكرو البطاطا»، ولا يعرفون من هم على وجه التّحديد، ولا يعرفون خطورة التركيز على «الأسعار» في إخافة مستثمرين وفلاحين، متى ارتبط الخوف ب «السّعر المرتفع»، وارتبطت القراءات غير السّليمة ب «الفلاح»، الذي يخزّن الفائض، ليس من باب المضاربة، بل للحفاظ على منتوج من الفساد والبوار، وتقليل الخسائر. أوّل من يتعرّض للخسائر هو الفلاح وليس المستهلك والمضارب، كون كلفة «زريعة البطاطا» وصلت مليوني سنتيم، وسمادها مليونا ونصف المليون للقنطار الواحد، وتخزين الفائض ما لا يقل عن 300 مليون سنتيم شهريا.. سهلٌ جدّا إصدار فتوى عن عالم فيه مجاهيل، بلغة الرياضيات، لكن من الصّعب فهم تأثير «فتاوى» مجنونة على مستقبل شعبة البطاطا في سوق، لم تستطع ضبط سعر هذه المادة، وهي سوق لم يعد فيها ذلك الفلاح، الذي يفرغ بضاعته في وادٍ، حتى لا تنزل الأسعار عن السّقف المحدّد، وليس تفريغها في أي مكان، والغاية من ذلك رفع الأسعار أكثر، مثلما يفعل منتجو القمح الأمريكي.. ما يحدث من ضغط على الفلاح، وهو غير قادر على بذرها العام المقبل، متى نزف جيبه موسمين متتاليين، قد يؤول إلى انسحابه من دورة الإنتاج، وعندها يخلو الجو لمن دخلوا «لعبة البطاطا»، وهم يتوفّرون على مال كثير، وعيونهم على مزيد من الاحتكار، ولا يفكّرون حتى في التّصدير، بعدما رفضت أوكرانيا وكندا بطاطا مشبّعة بالكيماويات أنتجوها هم.. انسحاب منتجي البطاطا، من الفلاحين العاديين، يلوح في الأفق، على الأقل في المناطق التقليدية لإنتاجها مثل معسكر، الشلف وعين الدفلى، لا ينبئ بخير على استقرار الشعبة، وعلى استقرار جزء من عالم السّلاح الأخضر.. سعر البطاطا في نهاية المطاف (حتى وإن بلغ 150 دينار للكلغ) ليس مضاربة فقط، تنتهي بانتهاء الكمية المخزّنة، بل يتبعُه خلل في دورة الإنتاج، في زمن لا يرحم من لا ينتج ما يأكل ويلبس..