كُلّما تقدمنا تكنولوجيا فقدنا جزءا من كينونتنا، شيئا من تقاليدنا، بعضا من فضاءات التواصل التقليدية، كثيرا من الأحاسيس الحقيقة، التي مسحها النقرُ على لوحة المفاتيح لصالح "جامات"، تنحَرُ لحظات لا تقدر بثمن مع من نحب.. «لديه خمسة آلاف صديق في فايسبوك، ولا يزور والديه"، فعلا، وصلنا إلى ما حذّر منه الفكاهي حميد عاشوري، الذي عادة ما يدافع عن "روح العائلة" والجماعة، في إطلالاته الإعلامية، في رمضان وغيره.. «عدل" ومشاريع السكن، التي تتناسل بشكل كبير ولا تقلص من العجز المستديم في السكن، تَسحبُ منّا روائح وعالم الدويرة (..والدار الكبيرة و«القصر" وما شابه)، الجامعة للأسرة والمحافظة على بقايا تقاليد وحرف.. وتدفعنا الى مزيد من العزلة عن الآخر والقريب، بحجة "الحق في الحياة الخاصة".. عمل الزوجة والزوج، في آنٍ واحد، يُسقط حق الطفل في الرعاية المُقرّبة، ويُجبره على أن يكون سجينا ثماني ساعات في روضة أطفال، تعلمه قبول "الآخر"، الذي هو والده أو والدته، بعدما صارت المربية أكثر حضورا من اللذين كانا سببا في قدومه إلى الدنيا.. «الحقوق" تزحف بأنانية كبيرة نحو فضاءات لا تبدو ملائمة لها، وتزاحم "الواجبات" في المساحة المخصصة لها، في زمن لا الحقوق سُقّفَت، وانتهت أطماعها في حد معيّن، ولا الواجبات نُفذت كما ينبغي، في البيت والشارع والمصنع، والجامعة، وحتى في ملاعب كرة القدم! وإن استمر هذا الزحف على معاقل وممارسات "الزمن الجميل" والمتعارف عليه في جزائر تتغير بسرعات مختلفة، وفي مواضع مختلفة، سنكون أمام حالة "تصحر" خاص، قد لا ننتبه لحدوثها في حينها، ولكننا سنكتشف يوما ما ضياع حلقة ربط أخرى، تحييد أسلوب تعامل جماعي، مثلما حصل مع ساعي البريد الذي لم يعد رصيفه يجيب برسالة من مغترب، أو حصيلة تلميذ فصلية، او حوالة بريدية، تزرع البسمة في يد مرتجفة تنتظرها بفارغ الصبر، خصوصا إذا كانت من النوع القادم من وراء البحار..