الحياة الحديثة تسرق منا الإحساس بالزمن، ومعه ينسحب الواقع من يومياتنا بنسب متفاوتة، حسب الأجيال، لصالح «حياة خيالية» ليس فيها طعم الماضي، هوياتيا واجتماعيا، على الأقل.. تكبر أجيال على «خيال كارتوني» لا علاقة له بالواقع، بل يزرع فيها أمراض العصر من الانطوائية إلى التوحد، والعنف الذي يظهر في مراحل عمرية لاحقة، يكون التعاطي معها صعبا، مثلما يكون من الصعب إدماج فرد لم يعرف الجماعة، أسريا وعاطفيا، من جديد في مجتمع يتحول شيئا فشيئا نحو الحياة الأمريكية، التي كانت مجرد «تفلسيف» في الثمانينيات، مقارنة بتأثير السينما الأمريكية في الجزائريين، وخصوصا مسلسل «دلاس» الانفتاحي. كم يقضي طفل (يوضع في روضة، من 8 إلى 10 ساعات، وينام 8 ساعات، على الأقل) مع والديه؟ وما الذي يتعلمه في غيابهما؟ سؤال مقلق، لكنه واقع يقول لنا من زاوية أخرى، إن الجزائري يقبل العيش على الطريقة الأمريكية، التي تُجبرك على ترك تربية الطفل للآخرين، وتعلمك أن تتزوج ب «الكريدي»، وتشتري السيارة بقرض يرهن الذمة لخمس سنوات قادمة، وتعيش حياة البدو الرحل.. في المدينة، بشقة تُكترى كل عام، في مكان مغاير! تأثير التكنولوجيا الزاحف على تفاصيل الحياة، يزيد يوميا بطريقة تقربنا من «الفيكشن»، الذي رأيناه على شاشات السينما والتلفزيون، وهو تأثير يتعاظم ويقول لنا إن التحام شركات عالمية في مشروع ميتا، الذي يتجاوز الدول والكارتلات المالية التقليدية، سيؤدي الى تنميط أكبر وأسرع للحياة، بما ينزع الخصوصية عن كثير من الشعوب، التي «تأكل أمريكيا» و»تلبس صينيا» وتفكر بطريقة لا تبتعد عن تصور «الجندي العالمي»، وهي فكرة طرحت من باب الخيال السينمائي، لكن دلائل كثيرة توحي أن التشابه بين الشعوب يزداد ويتكثف في المستهلكات وردود الفعل في سلوكيات معينة، وفي طريقة العيش وفي التعامل التجاري والاقتصادي، وحتى في التعاطي مع السياسة.. السير نحو المستقبل لا يعني الاحتفاظ بالماضي والحاضر، ليس بالضرورة، على المستوى الفردي، حتى وإن أمكن ذلك بالأرشفة، طالما ان سرعة الانتقال تكنولوجيا نحو المستقبل لا تقبل نقل «كل شيء».. خصوصا متعة الإحساس بخصوصية ما، وبزمن مختلف عن الآتي، الذي تنصهر فيه أجناس وألوان بشرية في صيغ حياة أخرى، يُبشر بها المولعون بأفلام الخيال من الآن