- نحن نعيش زمن العنصرية البنيوية تُعدُّ قضايا الترجمة في البلاد العربية من أكثر الميادين التي تحظى باهتمام الباحثين والمثقفين نظراً لأهميتها ودورها في حوار الثّقافات والحضارات، ولكن يغفل عن طبيعة هذا العمل ومنعطفاته المختلفة في نقل الأعمال الأدبية والعلمية إلى اللغة العربية ومنها. في هذا الحوار يتحدث الكاتب والمترجم عبدالله الحيمر عن بداياته مع الترجمة، ويوضّح رؤيته واختياراته للترجمة وعوالمها. كما يتطرّق لواقع الترجمة في العالم العربي. عبد الله الحيمر كاتب وناقد ومترجم، من أهم مؤلفاته باللغة العربية: السينما العربية وصراع الهويّة بالقدس، ميلاد تراجيديا الروح: نيتشه وموديلياني، إضافة إلى جملة من الكتب باللغة الفرنسية. - الشعب ويكاند: كيف تحدّد مشروعك بالترجمة ؟ -- المترجم عبد الله الحيمر: هناك مقولة في كتاب الدكتور طه حسين (مستقبل الثقافة في مصر): «في حياتنا العقلية تقصير معيب يصيبنا منه كثير من الخزي، كما يصيبنا كثير من الجهل، وما يستتبعه الجهل من شر، ولا بد من إصلاحه إن كنا نريد أن ننصح لأنفسنا ونعيش عيشة الأمم الراقية، وإن كنّا نريد أن ننصح للعلم نفسه ونشارك في ترقيته وتنميته، وإن كنّا نريد أن ننصح للشعب فنخرجه من الجهل إلى المعرفة، ومن الخمول والجمود إلى النشاط والإنتاج، ومظهر هذا التقصير المخزي إهمالنا الشنيع للترجمة والنقل عن اللغات الأوروبية الحية، فما أكثر الآثار العلمية والفنية والأدبية التي تنعم بها الإنسانية الراقية وما أشد جهلنا بهذه الآثار وغفلتنا عنها!». الاكثر كبير على ميلي للترجمة وأنا بالجامعة، كانت بداياتي شخصية وحرة، لم تكن وراءها مؤسّسة من أي نوع. بدأت بترجمة مقالات من الفرنسية للعربية في كل مجالات الأدبية والعلمية حتى وصلت إلى حوالي 100 مقال مترجم بالعديد من المجلات العربية وخمس كتب مترجمة تحت الطبع. في مشروعي، أبحث عن الأعمال التي لم يسبق أن انكشف عليها القارئ العربي..أعملُ على انتقاء أعمال أدبيّة تزيد من الذائقة الأدبية والجمالية للقارئ العربي، ومن واقع تجربتي كمترجم، أترجم حسب قناعاتي، بمعنى أنّها رسالة انسانية، مضمونها قيم ثقافية وحضارية. والكتاب الذي أترجمه لابد أن يتناول موضوعا هو محل اهتمام القارئ بالمعنيين العام والمتخصص لأننا في الأخير لن نغامر في ترجمة كتاب لن يقرأه أحد. أما بالنسبة إلى طريقتي بالترجمة، فتبدأ أولا بترجمة الكتاب دفعة واحدة، ثم أبدأ بالمراجعة لكل فصول الكتاب. وأقارن النص المترجم بالنص الأصلي، وبالأخير أقوم بقراءته كقارئ عربي. - قمت مؤخّرا بترجمة كتاب عن الرّوائية الأمريكية طوني موريسون، ما هي الأسباب التي دفعتك إلى ترجمة هذا الكتاب، وتسليط الضوء على حالة استثنائية جدّا في الادب الأمريكي المعاصر؟ -- إنّ جدوى الترجمة في هذا الوقت، له عدة معان، أولا لأنّها مشروع حضاري وحاجة ثقافية عربية. لقد اخترت ترجمة حوارات الروائية الافرو امريكية طوني موريسون، بهذه الظرفية التي يمر بها العالم الآن لأنّ لها التباسات بحاضر العنصرية بأمريكا أولا وفي بعض الدول الأخرى. نحن نعيش زمن العنصرية البنيوية جسداً وروحا بأمريكا، كحقيقة مادية مجسدة يعيشها يومياً المهاجرون والأقليات بالعالم الجديد. في زمن أصبحت فيه العنصرية متجذّرة وبنيوية بالعالم، تصبح الترجمة والآداب عموما لحظة للإنتصار جدارة القيم الإنسانية، ورفض القيم البغيضة إنسانيا، كالعبودية والعنصرية والإرهاب واضطهاد الحريات العامة. أقوم عن طريق الترجمة، باستحلاب معاني النص من مساحة ثقافية مأزومة، نحو مساحة إنسانية أرحب، مبنية على ما هو مشترك في الثقافات الإنسانية، من قيم الحرية والمساواة الاخلاقية والعدالة العرقية، وكذلك مساحة من القراء بالوطن العربي. - كيف تقيّم الترجمة في الوطن العربي بين الرّكود والتحديات؟ -- حينما نتكلّم عن واقع الترجمة بالوطن العربي، لابد من إيضاح فكرة واقع الترجمة أولا بالمشهد الثقافي العربي، ونظرة الى احصائيات مؤسسات عربية وأجنبية، تقول إن سكان العالم العربي حوالي 300 نسمة، ولا يترجمون سنويا سوى حوالي 475 كتابا أو أكثر، في حين تترجم إسبانيا البالغ عدد سكانها 38 مليون (التي يجمعنا معها تاريخ أندلسي مشترك) نسمة أكثر من 10 آلاف كتاب سنويا. ويحظى كل مليون إسباني في العام 920 كتابا، فإنّ متوسط عدد الكتب المترجمة في العالم العربي لا يتعدى حوالي 4.4 كتاب أو أكثر لكل مليون مواطن سنويا. إنّ أمّتُنا العربيةُ بحاجة ماسَّة إلى أن تلامس نور دار الحكمة من جديد بعصرنا الحالي، أن ترعى شؤون مهنة الترجمة والعاملين فيها. واعتبار الترجمة المستدامة بعدا أساسيا من أبعاد التنمية الشاملة المنشودة، وأداة أساسية لدخول مجتمع المعرفة والمشاركة الفاعلة في العولمة وركنا أساسيا من أركان الأمن القومي. وأن تجعل المؤسّسات الثقافية العربية من قضية ترجمة من اللغة العربية واللغات الأجنبية الأخرى والقضايا المرتبطة بها في صدارة أولوياتها. - بنظرك ما هي المشاكل التي تعاني منها الترجمة في الوطن العربي؟ -- إنّ مشكلات التي تعاني منها حركة الترجمة في الوطن العربي، متعددة وصعب حصرها في إطار معين. وأبرز تلك الأسباب غياب القرار السياسي، وغياب الرؤية الإستراتيجية حول وظيفة الترجمة، وقلّة المؤسسات، إلاّ أن سبل النهضة ممكنة، ويمكن أن نوجزها في تبني خطة إستراتيجية شاملة، واعتماد العمل المؤسساتي، وتنسيق الجهود الترجمية وتسهيل انتقال الكتاب المترجم في الوطن العربي، والاعتناء بإعداد المترجمين في المعاهد وكليات الترجمة. وضرورة أن تشمل الترجمة مجالات في غاية الأهمية، وعدم الاقتصار على الآداب، والترجمة من لغات أخرى مباشرة، غير الإنجليزية والفرنسية، والدفاع عن حقوق المترجم والناشر والجهات المعنية، ومحاربة ظاهرة القرصنة من الناشرين والمترجمين بالوطن العربي. - ما هو دور الترجمة في انمحاء سوء فهم الثقافة العربية والاسلامية عند الغرب؟ -- لقد ابتلينا مؤخرا بظاهرة الإرهاب (11 سبتمبر وما تلاه من صعود لظاهرة الإرهاب)، وبالدواعش بالعراق وسوريا وبظاهرة الإسلاموفوبيا، وأصبح ينظر للعرب والمسلمين بنظرة ملتبسة من قيم ثقافتنا. ومن هنا جاء الدور الطلائعي الذي يقع على عاتق الترجمة، لتبديد سوء الفهم الحاصل حاليا بين ثقافات دول ضفتي البحر المتوسط، وهو الذي يهمنا كجنوبيين بمنطقة المغرب العربي، وكذلك بالثقافات العالم المتاخمة لنا الاخرى. فالترجمة العربية اليوم مطالبة جنبا مع الدبلوماسية الثقافية بإعادة تصحيح سوء الفهم، وذلك من خلال نقل الإنتاج الحضاري والثقافي والإبداعي العربي نحو الاخر. يقول المفكر الايطالي ايكو : «إنّ الترجمة هي لغة أوروبا»، لذلك فالترجمة سلاح معرفي بأيدينا، للتعريف بسماحة الإسلام ورسالته العالَمية، ورسالةٌ ثقافتنا العربية الانسانية، فتكشف آنذاك صورتنا الحضارية المشرقة للثقافة الغربية المعاصرة.