تتعرّض الإبل بالجنوب الغربي إلى محاولات استنزاف، من مافيا التهريب، حيث يتم إخراجها من التراب الوطني بطرق ملتوية وعبر صفقات مشبوهة إلى دول الجوار، وتعود محملة بأطنان من السموم، لإغراق المنطقة في مستنقع المخدرات والأفيون، في وقت تبقي عيون المصالح الأمنية المشتركة ساهرة، لحماية الثروة الحيوانية الوطنية، وإحباط عمليات تهريبها أو مقايضتها بالسموم القاتلة. تشكّل الإبل بولاية تندوف مصدر عيش العديد من الأسر، ومكوّن أساسي في المطبخ التندوفي، ناهيك عن كونها مدعاةٌ للتباهي والافتخار في المجتمع، فمكانة الفرد في القبيلة، محكومةٌ بالعديد من المعايير من بينها عدد رؤوس الإبل والمواشي التي يمتلك، تضاف إليها معايير أخرى نسبية إلى حد كبير، فالإبل بولاية تندوف عنصر أساسي في الثقافة المحلية، تحظى باهتمام كبير، ويتم التعامل معها كرمز للمنطقة، وتُقدّم مع المهر كهدية، وكنوع من تعظيم شأن العروس وأهلها، وتعبيراً عن مكانتهم لدى أهل العريس. تحصي مديرية المصالح الفلاحية بولاية تندوف، حوالي 69 ألف رأس من الإبل عبر كامل الولاية، بمعدل حوالي رأس من الإبل لكل مواطن، وبالرغم من العدد المعتبر من رؤوس الإبل، إلا أنها شهدت في الفترة الأخيرة اختفاءها من أسواق بيع المواشي، وارتفاع مفاجئ في أسعار لحومها بشكل غير مسبوق، لتُثار أسئلة عديدة حول السبب، وعن الهدف من بلوغ الولاية 69 ألف رأس من الإبل دون أن تستفيد منها السوق المحلية. حاولت «الشعب ويكاند» فك حيثيات القضية، والبحث عن سبب ارتفاع أسعار لحوم الإبل بالولاية، وعن دور الموردين بولايتي أدرار وتمنراست وبعض المهربين في ندرة الإبل بالمنطقة، ضمن تحقيق ميداني نكشف من خلاله عمليات تهريب دولية. خطّة إجرامية تستهدف الثّروة الحيوانية تشتهر ولاية تندوف بطابعها الرعوي الذي يعتمد بالأساس على تربية المواشي، وتحصي مديرية المصالح الفلاحية بالولاية حوالي 150 ألف رأس من الغنم و 69 ألف رأس من الإبل موزعة على حوالي 06 مليون هكتار هي مناطق طبيعية للرعي. تضم الإبل 250 سلالة معروفة منتشرة حول العالم، والتي تختلف من الناحية الجسمانية و الجينية بالرغم من تشابهها في العديد من الصفات، وتستوطن ولاية تندوف، والمناطق المجاروة سلالتين من الإبل تعرفان باسم «الرقيبي» و»آفتوح» حسب ما أوضحه الأستاذ لصنامي كمال في مذكرته لنيل شهادة الماجستير الصادرة بتاريخ 08 نوفمبر 1986 والتي تحصلت «الشعب» على نسخة منها. أجرى الدكتور برنارد فاي الباحث في مجال الإبل دراسة ميدانية سنة 1997، قام خلالها بمسح شامل لمواصفات الإبل من إثيوبيا إلى موريتانيا، وقد خلصت الدراسة إلى التأكيد على ما جاء في مذكرة لصنامي من مواصفات الإبل، وعن مدى تحمل وقوة سلالة «الرقيبي» ومقدرتها على المشي لمسافات بعيدة وتحمّلها للأثقال، وهو ما يفسّر ازدياد الطلب عليها من أباطرة المخدرات المغاربة، سواء بشرائها عن طريق صفقات مشبوهة، أو سرقتها من ملاّكها الحقيقيين على الجانب الجزائري من الحدود، ضمن عمليات تهريب واستنزاف للثروة الحيوانية الوطنية. جريمة دولية أم ظاهرة اجتماعية؟ يوضّح الدكتور مقبل يوسف، المسؤول عن وحدة قاعدية بمصالح البيطرة بتندوف أن سكان الولاية يستهلكون ما بين 20 إلى 27 رأس من الإبل يومياً يتم نحرها على مستوى المذبح البلدي، دون احتساب رؤوس الإبل التي يتم نحرها من طرف المواطنين في مناسباتهم الخاصة، وقد يصل الاستهلاك السنوي من الإبل بولاية تندوف إلى حوالي 07 آلاف رأس سنوياً ينتهي بها المطاف على موائد سكان المنطقة، لتتربع ولاية تندوف حسب الإحصائيات الرسمية على عرش الولايات الأكثر استهلاكاً للحوم على المستوى الوطني. أشار مقبل يوسف الباحث في مجال الإبل، إلى أن المنطقة تعتمد بشكل كبير على رؤوس الإبل التي يتم جلبها من ولاية أدرار بمعدل من 3 إلى 6 شاحنات مقطورة أسبوعياً، بسبب كونها أقل ثمناً من نظيرتها المحلية، وتوقف الجزارون عن نحر الإبل المحلية منذ سنة 1999 بموجب بروتوكول اتفاق بين الجزارين والمورّدين، وبحكم ظروف معينة سادت في تلك الفترة التزم بموجبها الجزارون بتقليص أيام النحر إلى أربعة أيام في الأسبوع بدل النحر يومياً، ويلجأ الموردون إلى استيراد الإبل من مالي، النيجر وحتى تشاد وجنوب السودان. ويرى الباحث مقبل أنّ فتح باب الاستثمار لإنشاء مذابح للخواص في ولايتي أدرار و تمنراست، أثّرت على حركة الإبل باتجاه ولاية تندوف، ذلك أن الموردين في هذه الولايات باتوا يفضّلون الاستثمار في الأبقار، ويسعون للحصول عليها من الدول المجاورة لانخفاض تكلفة نقلها واتساع هامش الربح فيها، ما يفتح الباب على مصراعيه لعودة الجزارين إلى نحر السلالة المحلية لتغطية العجز الحاصل، خاصة وأن أسعار لحومها قفزت في فترة وجيزة إلى معدلات غير مسبوقة. الإبل مقابل الحشيش «الشعب ويكاند» تتبعت خيوط القضية، والنتيجة معلومات صادمة تَكشف لأول مرة ضلوع لوبيات محلية في عمليات التهريب، حسب ما كشفه مسؤول أمني رفيع المستوى، فضّل عدم ذكر اسمه، مؤكّدا بأن هؤلاء يقومون بتوفير الطلبيات لأباطرة المخدرات في البلد الجار الغربي وتنسيق عملية البيع والشراء من المورّد إلى تاجر المخدرات داخل هذا البلد. وأكد شهود عيان ل «الشعب ويكاند»، أنّ الإبل التي يتم تهريبها إلى البلد الجار عبر التضاريس الوعرة، حيث يقوم مسؤولون أمنيون تأمين قوافل الإبل التي تعبر عبر منطقة «كمكم» على الحدود، أو التستر على جرائم سرقة الإبل بمنطقة بوطبيقة وتبلبالة وواد الدورة بولاية بني عباس، والتي يتورط فيها سكان المناطق من الجانب الاخر على الحدود، بتخطيط وتنسيق من بارونات المخدرات. السلالة المحلية من الإبل التي يتم تهريبها إلى البلد الجار الغربي، تتم مقايضتها بكميات ضخمة من الحشيش، وفي غير أوقات حصاده، يتم شراء الإبل بأوراق نقدية مزورة بهدف إغراق السوق الوطنية بها، حيث يصل سعر الناقة رفقة مولودها على سبيل المثال إلى 50 مليون سنتيم، ما يمثل ضعفي سعرها في الجزائر، فالسلالة المحلية من الإبل قادرة على السير لمسافات طويلة وهي محملة بأطنان من المخدرات، ولها المقدرة على مجابهة الظروف المناخية والتضاريس الوعرة للمنطقة. لجوء تجار المخدرات إلى الاستعانة بالإبل من أجل تهريب بضاعتهم إلى الجزائر، يعود إلى تشديد المراقبة على مستوى الحدود من طرف قوى الأمن الجزائرية، بالإضافة إلى تكثيف جبهة البوليساريو لدوريات المراقبة على طول جدار العار منذ خرق دولة الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار وعودة المنطقة إلى أتون الحرب، كلها عوامل صعّبت من مهمة سيارات الدفع الرباعي ونجاعتها في إتمام مهامها و الوصول بحمولتها إلى بر الأمان، لتتحول الإبل إلى منقذ لتجارتهم (التهريب)، ساعدهم في ذلك غريزتها الطبيعية التي تملي عليها العودة إلى موطنها الأصلي، فتدخل إلى هناك مهرّبة، و تخرج منه محمّلةً بالسموم، تقودها غريزتها ، لتترك بعد إتمام مهمتها لتواجه الموت جوعاً وعطشاً وقد أنهكها التعب. يرى الدكتور يوسف مقبل بصفته أحد الباحثين المهتمين بمجال الإبل، أن محاربة ظاهرة تهريب الإبل المحلية لا يمكن لها أن تتحقق دون تجسيد برامج جادة تساعد على استقرار الموالين وإنشاء مستثمرات فلاحية شاسعة من شأنها توفير الماء والكلأ والمسافة الكافية للإبل حتى تتجول بحرية، فهي حيوانات لا يمكن حصرها في حظائر كالأبقار والأغنام، مضيفاً بأن المصالح الوصية لم تدّخر جهداً من أجل المحافظة على الثروة الحيوانية خاصة الإبل، غير أن هذه الجهود تبقى منقوصة إذا لم تتم بالتشاور مع أهل الاختصاص والحوار مع الموالين للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف، ويحافظ على السلالات المحلية من الإبل التي قد تضيع بين سندان التهريب ومطرقة النحر الجائر.