يُشرع، اليوم، في صبّ منحة البطالة لأكثر من نصف مليون عاطل عن العمل، وهو «شبه راتب» يمنح لكل بطال مسجل في المنصة الرقمية للوكالة الوطنية للتشغيل، وتسقط في حال استفادة المعني من منصب عمل، أو رفضه الالتحاق بوظيفة، ويترجم هذا القرار إرادة الدولة في دعم ومرافقة شريحة البطالين طالبي الشغل، بدون دخل وذلك سعيا منها لضمان أساسيات العيش الكريم لهؤلاء من خلال تأمين دخل يكفل تغطية حد أدنى من احتياجاتهم خلال مرحلة بحثهم عن منصب شغل. بدخول منحة البطالة، حيز التنفيذ، تكون الجزائر أول بلد عربي، يسن هذا الإجراء، لفائدة شريحة واسعة من الشباب طالبي الشغل، في انتظار إيجاد مناصب عمل قارة، وليس غريبا على بلد متمسك بسياسته الاجتماعية منذ الاستقلال، مثلما نص عليه بيان أول نوفمبر، الاستمرار في تقديم الدعم بمختلف أشكاله للمواطنين، لحفظ الحياة الكريمة، وتقليل مستويات الفقر. قرار شجاع يتّفق خبراء في الاقتصاد على أنّ سنّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منحة خاصة بالعاطلين عن العمل «قرار شجاع»، وجاء في وقت مناسب، حيث يمر العالم بظرف صعب، نتيجة استمرار تداعيات الأزمة الصحية العالمية، وما سببته من ركود شبه تام بسبب إغلاق العديد من المصانع والمؤسسات، قابله ارتفاع في سعر السلع والمنتجات في الأسواق الدولية وزيادة تكاليف الغذاء، وبالرغم من تضرر الجزائر كغيرها من دول العالم بهذا الوضع، إلا أن الدولة أبقت يدها ممدودة لهذه الفئة وقررت دعمها، ليس «بقرار ارتجالي» مثلما قال رئيس الجمهورية في أحد تصريحاته، ولكن ب «قرار مدروس»، تم احتسابه في قانون المالية لسنة 2022، حيث تم تخصيص 142 مليار دينار كميزانية، لتغطية نفقات هذه العلاوة، الممنوحة للشباب الباحث عن العمل، حسب ما أعلنه المدير العام للميزانية بوزارة المالية عبد العزيز فايد لوسائل الإعلام. وتدخل هذه المنحة في إطار التكفل الاجتماعي للدولة بمواطنيها، وهو إنجاز يحسب للجزائر التي تتجه بخطوات عملاقة نحو الرقي، والتقدم لصالح المواطن. ويصنّف البطالون في الجزائر إلى ثلاثة أصناف، الأول خليط بين الشباب والكهول تتكفل بهم وزارة التضامن الوطني، أما الصنف الثاني هم الشباب الذين ينتظرون الإدماج والصنف الثالث هم البطالون الذين سيستفيدون من منحة البطالة، التي ستكون شبه راتب بمبلغ 13 ألف دينار بداية من اليوم لصون كرامتهم. أثر إيجابي حتى الذين ينظرون إلى القرار، من زاوية الجزء الفارغ للكأس المملوء، يقرّون بأهمية هذا الإجراء، فبغض النظر عما إذا كانت قيمة المنحة تكفي لتغطية نفقات واحتياجات الفرد أو عائلته، في حال كان رب أسرة، أو لا، فيكفي أنّها تقلل من آثار وحدّة البطالة، ولو بشكل يسير، فبين من يملك دخلا بسيطا في نهاية الشهر، ومن لا يملك، فرق كبير، وإذا كان ينظر إليها على أنها ستشجّع على الخمول وعدم النشاط، يمكن أن تكون حافزا للتدريب والتكوين في مهن مطلوبة وكذلك انطلاقة لمشروع صغير، مع الوقت يتطور ويتحول إلى نشاط تجاري أو صناعي قائم بذاته، وتوجد تجارب ناجحة لشباب ولجوا عالم الأعمال ب 5000 دينار، وطوّروا صناعات تحويلية بصفر دينار، ومن النفايات أيضا. ويعتقد أستاذ الاقتصاد إسحاق خرشي في تصريحه ل «الشعب»، أنّ الأثر الاقتصادي لهذه المنحة ايجابي أكثر منه سلبي، لأنه نظريا ندفع الأموال لفئة معينة من الشباب دون أن يكون له مقابل في الإنتاج، وبالتالي نشجّع الطلب أكثر ولا يوجد إنتاج، وفي الناحية الاقتصادية هذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ولكن في الجزائر لا يؤدي إلى ذلك، لأن السوق الموازي ينتج، ويغطي الفارق بين المنحة المقدمة للشباب والإنتاجية المطلوبة من الشباب وغير موجودة. وأضاف أنّ منحة البطالة ستساهم كذلك في رفع الطلب على المنتجات، في وقت الاقتصاد العالمي والجزائري سجل تراجعا على الطلب بسبب ارتفاع الأسعار، فتخصيص مبلغ محدد للشباب يشجع على الاستهلاك الذي يحرك العجلة الاقتصادية، إذ يرفع الشراء من تجار التجزئة الطلباتا وهذا يحرك الإنتاج بالمصانع، وبالتالي يفتح الباب لتوظيف يد عاملة أخرى، ودفع ضرائب أخرى للخزينة العمومية. أما من الناحية الاجتماعية، فيرى خرشي، أن منحة البطالة مصدر دخل مهم للأفراد، وهي عملية اقتصادية ولكنها حدث اجتماعي كبير بالنسبة للشباب الذين يتهافتون عليها، خاصة وأن صرفها جاء تزامنا بأسبوع قبل حلول رمضان، وهذا ما سيوفر دخلا يضمن كرامة هؤلاء الأفراد. من ناحية أخرىا ستوفر منحة البطالة يقول خرشي «مستقبلا فرص عمل للأفراد، فهي مؤقتة بينما يجد الفرد منصب عمل، وكأنها أداة من أدوات التي توفر مناصب عمل مستقبلا، حيث أن استحداث المنحة تزامن وإطلاق مشاريع صناعية ستوفر حوالي 75 ألف منصب شغل جديد، وبالتالي سيكون فيه توفير مناصب عمل، وهذا أفضل من المنحة، ثم أن منحة البطالة توقيتها مناسب فالعديد من الأفراد فقدوا وظائفهم خاصة في فترة الجائحة، وهذا يدل على اهتمام الدولة بالمواطن، والتمسك بالطابع الاجتماعي للدولة».