هذا الضباب خلف نافذة حديدية تعجّ بالأسلاك الرفيعة والغليظة في آن واحد، يذكرني برشفة شاي في الصباح مع الوطن المخبأ خلف الغيم. وطني الذي لا أرى منه سوى سماء منزوعة من الصفاء، منزوعة من الكمال، كأن الأسلاك الشائكة شيء مقدس في قاموس لعنة احتلالهم. لا شيء هنا يوحي بأنني في وطني، رغم أن الوطن ذاته يحتضن السجن الذي أقبع فيه الآن. بارعون هم في تغيير ملامح البلاد، يروّضون السماء على النكران، ويدعون الوطن على حفلة تنكّرية، الأطباق فيها وجبة شهية من جلود أبنائه، ومعاناتهم، كيف للوطن أن يتحمّل كل هذا؟ كيف لنا أن نتحمّل كل هذه الخيبة والنكران؟ كيف لنا أن نحرم الضوء من أن يسرق نفسه لقلوبنا التي باتت ظلاما دامسا، يحلم بلمعة من نور على تلة من تلال الوطن؟ الوطن الضائع خلف الغيم.. أيتها السماء الشائكة فكي رداء الأسر ذاك، فكي قيدك بنفسك وارمي بنا في أحضان الوطن الحزين.. أيتها السماء الشائكة، أمطري علينا نورا مضاعفا، أمطري علينا حرية حمراء وأملا لا يضيع ولا يخيب..