الخبير إسعد: مشروع الفوسفات المدمج يكتسي أهمية بالغة تعوّل الحكومة على مشروعين هيكليين هامين، إلى جانب مشروع تطوير واستغلال منجم غار جبيلات، لتكون كلها مجتمعة، المحرك الأساسي لقطاع المناجم، وهي مشروع الفوسفات المدمج الذي يشرك أربع ولايات وهي تبسة، سوق أهراس، عنابة وسكيدة، والذي ينتظر أن ينتج 3 ملايين طن في السنة من مادة الفوسفات، إضافة إلى مشروع استغلال الرصاص والزنك في وادي أميزور بولاية بجاية الذي ينتظر أن ينتج نحو 170 ألف طن سنوياً من الزنك و30 ألف طن من الرصاص سنوياً. يحظى مشروع استغلال وتحويل الفوسفات بأهمية بالغة، نظراً لحجم المخزونات الهائلة التي تحتوي عليها هذه الحقول والمقدرة ب 6 ملايير طن من مادة الفوسفات. وبحسب بيان السياسة العامة للحكومة، يجري حاليا إعداد الدراسات ذات الصلة بعد إنشاء الشركة المسماة « الشركة الجزائرية الصينية للأسمدة « في مارس 2022، والتي ستتكفل بمهمة التخطيط وإنجاز الدراسات المتعلقة بالمشروع المقرر أن ينتج 3 ملايين طن في السنة من مادة الفوسفات، حيث تقدر الاستثمارات بمبلغ 4 ملايير دولار أمريكي، ومن المتوقع حسب التقديرات أن ينشأ المشروع 9.000 منصب شغل مباشر. من ناحية الحجم، يعد مشروع استخراج واستغلال الفوسفات أكبر ضخامة من مشروع غار جبيلات، لتوسطه أربع ولايات، بحيث يتمركز المنجم في ولاية تبسة، في حين سيتم إنشاء مصنعين بمنطقة «وادي الكبريت» بولاية سوق اهراس، الأول خاص بحمض السولفيريك والثاني بحمض الفوسفوريك، (وهما حمضان يستعملان في صناعة الأسمدة)، أما عملية إنتاج الأسمدة المستخلصة من الفوسفات وحمضي السولفيريك والفوسفوريك فستتم بمصنع «أسميدال» بولاية عنابة وكذا بحجر السود بولاية سكيكدة. وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور مولود اسعد وهو أستاذ محاضر في الجيولوجيا المنجمية بجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا، أن مشروع الفوسفات المدمج سيوظف قدرات الولايات الثلاث المذكورة، حيث سيستخرج الفوسفات من مكمن تبسة بالقرب من مدينة بئر العاتر، ليتم بعدها تحويله في القواعد الصناعية التابعة لولاية سوق اهراس وسككيدة وكذا عنابة التي ستشهد إنشاء قواعد تخزين في الميناء لتسهيل عملية التصدير فيما بعد. ويؤكد اسعد مولود أن مكمن الفوسفات بولاية تبسة يعتبر الأكبر في الجزائر، وهو متواجد بالتحديد في جبل «عنق» القريب من بئر العاتر، وهو جبل كبير يحتوي على خمسة مكامن، وهي منجم «كاف سنون» (حيز الاستغلال حالياً)، إضافة إلى «جبل عنق شمال، بلاد الحدبة، جميجمة ووادي بطيطة». ويشير ذات المتحدث، أن الدراسات المنجزة في 2016 توضح أن احتياطات الفوسفات في منجم «كاف سنون» تقدر ب317 مليون طن، ويستخرج منه حالياً نحو 1.6 مليون طن من الفوسفات، 1 مليون طن منها موجهة للتصدير كمادة خام، فيما ينتظر التوجه إلى تصدير الفوسفات كمواد محولة بعد استكمال أشغال المشروع المدمج، الذي سيمكن من رفع عائدات التصدير. وكمثال على ذلك يؤكد الدكتور اسعد أن سعر الفوسفات الخام في السوق الدولية المسجل في أفريل 2022 كان في حدود 250 دولار للطن الواحد، فيما بلغ سعر الأسمدة الفوسفاتية DAP، 920 دولار للطن، أي ما يمثل قرابة أربعة أضعاف سعر المادة الخام. من جهة أخرى، تقدر احتياطات الفوسفات بمنجم بلاد الحدبة ب 889 مليون طن، أي ما يمثل قرابة ثلاثة أضعاف احتياطات منجم «كاف سنون»، وينتظر أن تصل كميات الإنتاج فيه إلى 20 مليون طن سنوياً. وعلاوة على بعده الاقتصادي، يكتسي مشروع الفوسفات المدمج بحسب الباحث في علم المناجم أهمية إستراتيجية كبيرة، نظراً لارتباطه الوثيق بالأمن الغذائي، إذ يعتبر المادة الأساسية المنتجة للأسمدة الزراعية، وسيمكن المشروع الجزائر من توفير الأسمدة للفلاحين الجزائريين بأسعار تمكنهم من رفع إنتاجهم وزيادة المساحات المزروعة، إضافة إلى اقتحام سوق الأسمدة العالمية، وهي سوق «إستراتيجية» وتستدعي سياسة تسويقية مدروسة وناجعة، تماما كما أوصى به رئيس الجمهورية في عديد تدخلاته يؤكد المتحدث. استغلال مخزونات الزنك والرصاص على غرار الحديد والفوسفات، يعول قطاع المناجم في مخطط إنعاشه على استغلال منجم الزنك والرصاص الواقع في وادي أميزور بولاية بجاية، غير أن هذا المشروع الهام، سيكون صعب التجسيد مقارنة مع مشروعي استغلال الحديد وحقول الفوسفات، نظرا ًلعوامل تقنية تعود أساساً لتواجد جزء من مكمن المنجم في باطن الأرض، ما يستدعي توفر وسائل تكنولوجية خاصة لاستغلاله، وتفوق مخزونات منجم وادي أميزور من مادتي الزنك والرصاص 50 مليون طن، وهو أكبر مخزون في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وكانت وزارة الطاقة قد أعلنت نهاية شهر مارس انطلاق مشروع المنجم، بإنتاج سنوي يقدر ب170 ألف طن من مركزات الزنك سنوياً، و30 ألف طن من مركزات الرصاص سنوياً، باستثمار قدره 328 مليون دولار أمريكي، مع توفير أزيد من 700 منصب عمل مباشر. وبحسب ما ورد في بيان السياسة العامة للحكومة، فقد تم استرجاع 16% من أسهم الشريك الأجنبي الأسترالي «تيرامين»، لصالح الشركات التابعة لمجمع مناجم الجزائر، وعليه ستتكون الشركة من المؤسسة الوطنية للمنتجات المنجمية غير الحديدية والمواد النافعة والديوان الوطني للبحث الجيولوجي والمنجمي بنسبة 51 من المئة والشركة «تيرامين» بنسبة 49 من المئة، وبالتالي أصبح الطرف الجزائري يملك أغلبية الأسهم، وهو ما يضمن له مراقبة الشركة. وبالحديث عن مكمن الزنك والرصاص بوادي أميزور، يؤكد مولود اسعد الأستاذ المحاضر في الجيولوجيا المنجمية، أن المكمن الذي يتوفر على احتياطي إجمالي يقدر بنحو 53 مليون، من نوع بركاني وليس رسوبي، وهو من المكامن القليلة في العالم ذات الطبيعة البركانية التي تفوق احتياطاتها 50 مليون طن، ما يجعله فريداً من حيث الحجم والطبيعة، وبحسب الدراسات المنجزة فإن الاحتياطي القابل للاستخراج يقدر ب 34 مليون طن من إجمالي الاحتياطات المستكشفة، وينتظر إنتاج نحو 170 ألف طن سنوياً من الزنك، ليفوق بذلك حجم الإنتاج المسجل في منجم خرزة يوسف الواقع بعين آزال في ولاية سطيف، الذي يوفر ما بين 30 إلى 40 ألف طن، إضافة إلى 30 ألف طن من الرصاص سنوياً. ويوضح الدكتور اسعد أن للزنك عدة استعمالات، أولها غلفنة الحديد، وهي عملية طلاء الحديد بطبقة خفيفة من الزنك لمنعه من التآكل، إذ يحمي الزنك الحديد من التفاعل مع أكسجين الهواء وعليه يحميه من الصدأ، كما يستعمل في صناعة البطاريات والتلحيم وصناعة مواد الطلاء، كما يكتسي أهمية كبيرة في السوق الدولية، حيث يستعمل في العديد من الصناعات الميكانيكية والطاقوية والتكنولوجية، ومنه فإن استغلال وتحويل الزنك بالجزائر، سيمكن من دعم الصناعة الوطنية وكذا دعم نشاط التصدير خارج المحروقات. وبحسب وزارة الطاقة والمناجم، ينتظر أن ترافق الجامعة الجزائرية بمختصين وخبراء ومخبريين كل هذه المشاريع، وهذا بعد توقيع وزارتي الطاقة والمناجم والتعليم العالي والبحث العلمي على اتفاقية تهدف لإشراك إطارات وباحثي الجامعة، للاستفادة من معارفهم وتجاربهم العلمية خلال مراحل التجسيد. وعلى هذا الأساس سيتم ضم مجموعة من المختصين والمخبريّين الجامعيين التابعين لجامعة عبد الرحمان ميرة بولاية بجاية إلى فرق المراقبة الخاصة بمشروع استغلال منجم وادي أميزور، إضافة إلى إشراك مختصين من جامعتي وهران وتندوف في مشروع استغلال منجم حديد غار جبيلات، وكذا إشراك معهد المناجم بولاية عنابة في عمليات التنقيب واستغلال حقول الفوسفات بولايات سوق أهراس، تبسةوعنابة.