اهتمام الجزائر برفع مستوى الشراكة في مجال صناعة الأدوية ينم عن رغبة حقيقية في تطوير هذا القطاع لتقليص التبعية نحو الخارج، التي ما فتئت تتنامى من سنة الى أخرى، رغم الجهود المبذولة من أجل انتاج الدواء محليا وتخفيض فاتورة الاستيراد التي أصبحت تنهك ميزانية الدولة. وقد يكون من المفارقات التي تبقى مبهمة أنه كلما تسارعت الخطوات في اتجاه تشجيع ربط شراكة مع دول أجنبية للمساهمة في انتاج الدواء محليا، إلا وتتسارع خطى من جهة أخرى لدفع البلد نحو مزيد من اللجوء الى الخارج واستيراد كميات هائلة من الدواء بعد افتعال ما بات يعرف بندرة الدواء، خاصة في مواسم معينة، استغلت لفرض منطق مافيا الدواء. الأرقام الصادرة عن الجمارك الجزائرية تؤكد أن السنة الجارية عرفت وتيرة استيراد المواد الصيدلانية زيادة مستمرة بلغت 82 . 1 مليار دولار في نهاية أكتوبرالماضي، مقابل 1.51 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي وبزيادة تقدر بنسبة تتجاوز 20 ٪ إجمالا، وأما عن الأدوية المستوردة، فتكاد تحطم الرقم القياسي بارتفاع ناهزت نسبته 50 ٪ بحيث ارتفعت الكمية المستوردة الى حوالي 8 ، 28 ألف طن من خلال العشرة الأشهر الأولى من هذه السنة مقابل 23 . 19 ألف طن خلال نفس الفترة من السنة الماضية. أما عن قيمة الأدوية الموجهة مباشرة للاستهلاك أو كما تعرف بالاستهلاك الإنساني، فقد أخذت حصة الأسد من فاتورة الاستيراد بحوالي95 ٪ أي 73 . 1 مليار دولار من اجمالي الاستيراد المقدر ب 82 . 1 مليار الى غاية أكتوبر الماضي مقابل 44 . 1 مليار دولار العام الفارط وبزيادة تقدر نسبتها بأكثر من 20 ٪ ومن حيث هيكلة واردات المواد الصيدلانية وبالنظر الى أخذها حصة الأسد من القيمة الاجمالية للاستيراد إحتلت الأدوية ذات الاستعمال الانساني، المرتبة الأولى من حيث الكمية ببلوغها مستوى ناهز 27 ألف طن مقابل 17.7 ألف طن وبزيادة نسبتها 52 ٪ ، بينما جاءت المواد شبه الصيدلانية في المرتبة الثانية بعيدا عن الأولى بكمية استيراد ارتفاع من 1.1 ألف طن الى1.36 ألف طن وبنسبة زيادة تجاوزت بقليل 40 ٪ وبقيمة مالية ارتفعت بنسبة 31.5 ٪ عن العام الماضي أي من 5 . 48 مليون الى63.5 مليون دولار بينما احتلت الأدوية الموجهة للاستعمال الحيواني المرتبة الثالثة بزيادة تقدر ب 15.7 ٪ ، انتقلت قيمتها من 18.5 مليون الى21.4 مليون دولار خلال نفس فترة الدراسة. ارتفاع انتاج الدواء في الجزائر خاصة من طرف القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العمومي ساهم الى حد ما في تلبية احتياجات الطلب الداخلي، لكنه لم يتمكن من قلب معادلة سيطرة الاستيراد على السوق الوطنية الخاصة بالأدوية التي ناهزت 2.9 مليار دولار، منها 1.85 مليار قيمة الاستيراد و1.05 مليار قيمة الانتاج المحلي، لتصل نسبة تغطية الطلب المحلي من الانتاج الوطني ب 36 ٪ في سنة 2011 ومرشحة لأن تتراجع في غضون السنة الجارية 2012 بعد ارتفاع قيمة الاستيراد على نحو ملموس في حين أن الهدف الذي سطرته الحكومة لتلبية الحاجيات انطلاق من الانتاج المحلي يصل نسبته 70 ٪ في آفاق2014. ولهذا الغرض، فقد فتحت الجزائر الباب واسعا أمام المخابر الأجنبية وكبريات الشركات العاملة في الصناعة الصيدلانية من أجل تحقيق الهدف ومضاعفة مساهمة الانتاج المحلي من الأدوية. من خلال ربط شراكة متنوعة مع عدة دول عربية وغربية على غرار الأردن والكويت وفرنسا وبريطانيا وأمريكا الشمالية واللاتينية، حيث فتحت منذ فترة عدة ورشات عمل لإستقدام شركاء على غرار المشروع الاستثماري الجزائري البريطاني المقدر قيمته ب 60 مليون دولار لإنشاء شركة مختلطة بين مؤسسة بيوفارم واسترازينيكا، سيتم تجسيدها خلال الزيارة المرتقبة لوفد عن المجتمع الدولي الى الجزائر. وبحكم الارتباط الوثيق مع المخابر الفرنسية، فإن هذه الأخيرة مرشحة لأن تتدعم مكانتها في السوق المحلية بفضل مشروع المجمع الصيدلاني »سانوفي« في الجزائر الذي يسير بوتيرة حسنة حسب وزير الصحة عبد العزيز زياري، وهدفه المساهمة في دعم الانتاج المحلي، لتقليص فاتورة الاستيراد. تحدي ضبط استيراد الدواء، يبقى الهدف الأساسي من تنويع التعامل مع الشركاء في الصناعة الصيدلانية لتكسير الاحتكار الذي فرض على القطاع لسنوات طويلة واستفادت منه قلة من المضاربين والمنتفعين وأصحاب المصالح على حساب ترقية الانتاج الوطني، خاصة وأن الوفرة المالية ساهمت قبل سنوات في تعطيل وضع سياسة وطنية لانتاج الدواء محليا، كما أن أصحاب النفوذ لم »يقصروا« أبدا في ربط سوق الاستهلاك الداخلية مع مخابر دولية معينة، لكسر أية محاولة لرفع مستوى وأداء الانتاج الوطني أوتنويع التعامل ليشمل دولا لا مكان لها في دائرة الاحتكار والنفوذ، وخاصة على مستوى الوطن العربي الذي ارتفعت استثماراته الى حوالي380 مليون دولار، وتأتي في المقدمة مملكة الأردن تليها كل من الامارات ومصر وتونس وغيرها... ومن جهتها تسعى صيدال، المجمع العمومي الوحيد في مجال الصناعة الصيدلانية الى رفع التحدي من خلال تجسيد برنامج اعادة الإنعاش الذي انطلق العام الماضي قد يسمح لها في السنوات القليلة القادمة بتحقيق هدف تقليص التبعية والاعتماد على تلبية الاحتياجات، انطلاقا من الانتاج الوطني.