إذا كانت مظاهرات الحادي عشر من ديسمبر عام 1960 قد شكّلت منعطفا حاسما في مسار الثورة الجزائرية، وساهمت في تدويل القضية الجزائرية؛ فإن جريدة «الشعب» التي تزامن تأسيسها مع تلك المظاهرات قد شكلت بداية مرحلة جديدة في تسليط الضوء على القضية الجزائرية اعلاميا وساهمت بشكل كبير في التأثير على الرأي العام المحلي والدولي، مما اكسبها المزيد من الحضور والمصداقية؛ فغدت «أم الجرائد» الوطنية. ولأن التاريخ المعاصر لم يسجل، ولن يسجل، بأن الجزائر قد خذلتنا يوما، أو تخلت عن دعمنا ذات مرة، أو أنها تراجعت عن اسناد شعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة تحت تأثير الضغوطات الخارجية؛ فإن فلسطين كانت حاضرة دوما في عقول وقلوب ووجدان الجزائريين كل الجزائريين. وما زالت الجزائر، بكل اطيافها ومؤسساتها، وفية لفلسطين وشعبها. كما ولا زالت مقولة رئيسها السابق «هواري بومدين» التي اطلقها منذ ما يزيد عن نصف قرن: «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة» تصدح في آذاننا وآذان كل الفلسطينيين، في الوطن والشتات، سيفونية الارتباط التاريخي. لانها لم تكن مجرد مقولة عابرة من رئيس غادر سدة الحكم وفارق الحياة، إنما كانت صرخة صادقة، توارثتها الأجيال الجزائرية، ورددتها الألسن الجزائرية وتبناها الرؤساء المتعاقبين للجزائر الشقيقة. فالعشق لفلسطين من سماتهم؛ والوفاء لفلسطين من طبعهم، والاخلاص لقضايا الفلسطينيين جزء من سلوكهم ونهجهم. لذا فلا غرابة في ان تجد التميز في الحب و العطاء والالتزام تجاه فلسطين من الجزائر والجزائريين؛ وان التقيت يوما بجزائري وعرف انك فلسطيني؛ فإنك ستلقى ترحاب واستقبال قد لا تشاهده في مكان آخر في هذا الكون. كما وليس من المستهجن ان يسجل الاعلام الجزائري نموذجا رائعا وتجربة فريدة في دعم واسناد قضية الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني. فهذا جزء من عشقهم ووفائهم للمقاومين الفلسطينيين. وحينما نتحدث عن التجربة الاعلامية المتميزة في الجزائر؛ دعما واسنادا للاسرى والقدس، فلابد وأن نعترف بالفضل لجريدة «الشعب» ومديرها العام ورئيس التحرير السابق «عز الدين بوكردوس» رحمة الله عليه، التي أسست تلك التجربة، عبر اصدار ملحق اسبوعي مخصص للأسرى والقدس. كان ذلك في الأول من كانون الثاني/يناير عام 2011، حيث صدور العدد الأول من الملحق تزامنا مع احتفالات الفلسطينيين في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وشكل هذا الاصدار ترجمة فعلية للقرار الذي اتخذته ادارة الجريدة قبلها بأيام، مما منح قضية القدس والاسرى مساحة أكبر على صفحاتها ومن ثم غدى الأمر ظاهرة تسود كافة الصحف الجزائرية. وهنا نتقدم بفائق الشكر والتقدير الى صحيفة «الشعب» وكافة الصحف الجزائرية التي باتت اليوم تخصص مساحات كبيرة وواسعة على صفحاتها لقضيتي القدس والاسرى. واليوم ونحن نقف إلى جانبكم ونحتفي معكم لاحياء الذكرى الستين لتأسيس جريدة «الشعب»، لا يسعنا إلا أن نتقدم لكم ولكل العاملين في الجريدة بخالص التهاني والتبريكات، وفائق الشكر والتقدير على ما بذلتموه وتبذلوه من اجل قضية الأسرى. وهنا يشرفني كذلك ان انقل لكم تحيات الاسرى في سجون الاحتلال الصهيوني وعوائلهم وتهانيهم الحارة لكم في احتفاليتكم الستينية لتاسيس جريدة الشعب. فهم يتابعون كل ما ينشر على صفحاتكم ويقدرون عاليا وقفتكم لجانب قضيتهم، ويتحدثون بفخر عن التجربة الاعلامية في الجزائرة التي بداتها «الشعب» قبل اكثر من عشر سنوات؛ لتعم اليوم كافة الصحف الجزائرية. وفي الختام؛ اسمحوا لي ان احيي اخونا وصديقنا الرائع «خالد عز الدين» مسؤول ملف الاسرى في سفارة دولة فلسطينبالجزائر، على دوره الفاعل في ايصال صوتنا وصوت الاسرى لكم، وخلق قناة للتواصل الدائم معكم، ومساهمته الفاعلة في التأسيس للتجربة والعمل على تطويرها وديمومتها، حتى غدت قضية الاسرى حاضرة وبشكل يومي في الصحف الجزائرية. هنيئا لجريدة «الشعب» في الذكرى الستينية لتأسيسها، وهنيئا لنا بالجزائر الشقيقة وشعبها العظيم واعلامها الصادق والوفي. دمتم ودام وفاءكم لفلسطين وشعبها وقضيتها العادلة. *عبد الناصر فروانة، أسير سابق ومختص بشؤون الأسرى والمحررين وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين وعضو لجنة ادارة الهيئة في قطاع غزة.