قال وزير الخارجية الروسي “لافروف" بشأن الأزمة السورية أنّ تسويتها لا تتم إلاّ بالطرق السياسية وحدها، ومؤكّدا على ضرورة وقف أعمال العنف ودخول كافة الأطراف في حوار دون شروط مسبقة ممّا يسمح بالخروج من الأزمة بأقل الخسائر. غير أنّ تعنّت الأطراف وتشجيع المعارضة ودعمها من طرف الغرب وبعض العرب زاد في استفحال الأزمة ومدّد في عمرها، وهو الشيء الذي أفشل مهمة كوفي عنان ويهدّد بفشل مهمة الابراهيمي من بعده، فرغم المبادرات الهادفة إلى وقف القتال ومنها مبادرة تهدئة عيد الأضحى المبارك وامكانية استمرارها لأيام أخرى لم تتحقق. وكانت زيارة الابراهيمي لعدة بلدان لها علاقة بالملف السوري، ومن شأنها تعزيز التسوية السورية نذكر منها زيارته يوم 29 أكتوبر إلى روسيا والتي لاقت دعما لمسعاه. أمّا كلينتون فقد أكّدت أنّ بلادها تؤيّد دعوة وقف إطلاق النار داعية إلى الانتقال السياسي، مجدّدة تأكيدها دعم المعارضة السورية من خلال تقديم المساعدة ، والتدريب إلى جانب العمل مباشرة مع المجالس المحلية داخل سوريا لتتمكّن من معرفة ما يتعيّن عليهم القيام به لخدمة شعبهم في المناطق التي أصبحوا يسيطرون عليها، وبذلك فهي تشجّع طرفا على حساب طرف آخر وتدعو للانفصال، من جهتها فرنسا تنصب سفيرا لسوريا من المجلس الانتقالي المعارض بالخارج، وكذا دولة قطر التي سعت كي تمنح للمعارضة عضوية الجامعة العربية. إنّ الاقتتال بين الاخوة الأعداء لا يخدم إلاّ أعداء سوريا، ثم ماذا يعني سقوط المئات بل الآلاف من القتلى والجرحى وإسقاط الطائرات وتهديم المساكن والبنى التحتية وقصف محيط المطار؟ ليس ذلك تهديم للذات وللقدرات الوطنية السورية من أجل ماذا؟ من أجل الوصول إلى الحكم وأيّ حكم أمام هذا الدمار والخراب؟ وكانت اللجنة الوزارية العربية المكلّفة بالملف السوري برئاسة وزير خارجية قطر وبحضور الابراهيمي قد أولت عناية فائقة بالمعارضة، والتي دعاها النظام السوري إلى اعتماد الحوار والتفاوض لحل الأزمة من دون تدخل عسكري خارجي لحماية مصلحة سورية وحقن دماء السوريين، إلاّ أنّها أصرّت على ذهاب رأس النظام (بشار الأسد)، كما أنّ المعارضة لمّحت لقبولها نشر قوات حفظ السلام بسوريا شرط رحيل الأسد بعد أن أنهت اجتماعها بمصر، والذي دام ثلاثة أيام وأجّل فيه الاعلان عن تشكيل الحكومة إلى منتصف ديسمبر. وأمام هذا التعنّت من الجانبين، استمر القتال بين أبناء البلد الواحد، يحصد مزيدا من الضحايا ويؤدي إلى أزمة إنسانية، حيث أعلن رئيس مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في الأممالمتحدة أنّ عدد الأشخاص الذين سيحتاجون للمساعدة الانسانية داخل سوريا سيرتفع إلى أزيد من 4 ملايين مع مطلع السنة، وسيواصل ارتفاع هذا العدد بسبب المواجهات التي تزداد شراسة بين القوات النظامية والمعارضة المسلحة، بالاضافة إلى الآلاف من اللاّجئين بكل من تركيا، الأردن، لبنان والعراق. وضع مأساوي للاجئين ارتفع عدد اللاجئين السوريين إلى البلدان الأربعة المجاورة مع تصاعد وتيرة العنف، فقد أفاد مسؤول في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأردن أنّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سيحل غدا الخميس بالأردن ليلتقي مع مسؤوليه ويزور مخيّم الزعتري للاجئين السوريين، ويتباحث معهم حول التحديات التي تواجه المملكة جراء استضافة أعداد كبيرة من الفارين من جحيم الحرب وتأثير ذلك على وضعها الاقتصادي. وكان المتحدث باسم الأممالمتحدة فرحان حق قد صرّح يوم 30 نوفمبر، أنّ بان كي مون سيتوجه إلى الأردن وتركيا ليقف على مأساة مخيمات اللاجئين الذين يتوقع ارتفاع عددهم بينما أعلنت مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين أنّ عدد اللاجئين السوريين بلبنان قد تخطّى 135 ألف لاجئ، منهم 102369 مسجلين و32623 على اتصال بالمفوضية لتسجيلهم. والتسجيل اليومي للاجئين يبلغ 1300 لاجئ، وقد تمّ خلال شهر نوفمبر تسجيل 25 ألف لاجئ بلبنان. أمّا النازحون من ريف أدلب إلى الحدود التركية والذي يتجاوز 13 ألف، فهم يعانون الويلات بمخيم يفتقر للغذاء والدواء والماء الشروب، ومياه الأمطار تغمر خيمهم مع انتشار الأمراض رغم وجود لجان لتوزيع المساعدات وتوحيد الجهات الاغاثية. إنّ القتال بين السوريين أدّى إلى سقوط أكثر من 40 ألف قتيل، رغم أنّ الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة يدعو لوقف إطلاق النار ويلزم كل الأطراف بذلك كي يكون وقفا مستداما لجميع أعمال العنف وفقا لقراري مجلس الأمن 2042، 2043 لعام 2012. غير أنّ استمرار العنف قد يفتح المجال واسعا للتدخل الدولي، وقد تكون البداية من تركيا!! لاسيما بعد التهديد بنشر الصواريخ بحدودها مع سوريا، فهل يتعقّل السوريون ويتنازلون عن أنانيتهم ومصالحهم الذاتية دفاعا على سوريا وشعبها؟ نأمل ذلك.