منتجات طبيعية خالصة تقتحم الأسواق العالمية مشتقات التمور.. عائدات مضاعفة عرفت الصناعة التحويلية للتمور ومشتقاتها بالجزائر، قفزة نوعية في السنوات الأخيرة، نتج عنها بروز منتجات جديدة تستخدم كمادة أولية في الصناعات الغذائية وشبه الصيدلانية وحتى التجميلية، لتضاف إلى تلك الموروثة عن الأجداد من طحينة وعجينة التمر والرّب، ما يجعلها تحمل آفاقا واعدة في التخفيف من فاتورة الاستيراد للعديد من المواد، بل يمكنها أن تتحوّل مصدرا للعملة الصعبة؛ لأن أسعار المشتقات أغلى بثلاث مرات من سعر التمور في الأسواق الخارجية، وهو ما يفسر تحول كثير من الفلاحين المنتجين إلى هذا النوع من الصناعات، خاصة مع التسهيلات الأخيرة التي أقرّها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بهذه الشعبة. كشف المعرض الخاص بشعبة التمور ومشتقاتها، المختتمة فعالياته مؤخرا بغرفة التجارة والصناعة، عن التطور الكبير في الصناعات التحويلية، والقدرات الهائلة التي تتمتع بها الجزائر في هذا المجال، لتصبح مصدرا حقيقيا لكثير من المواد الأولية ذات القيمة الاقتصادية والمالية الهامة، وتحتاج إلى استغلال أمثل، خاصة وأن كثيرين لا يعرفون عنها أشياء كثيرة، حتى وإن اتّخذت الدولة عديد الإجراءات التحفيزية في هذا الحقل الصناعي، وهو ما كشفه الناشطون في هذا المجال من أصحاب المؤسسات والورشات ل «الشعب». «إينوفابالم».. أول مصنع لزيت نواة التمر أكد الباحث في مجال مشتقات التمور، عمر خنّاوي، القادم من قسنطينة، والمطور لتقنية جديدة في مجال استخراج زيت نواة التمر، أنه بعد 11 سنة من الأبحاث والدراسات، نجح في تأسيس شركة «إينوفابالم»، وتجسيد مصنع ببرج بوعريريج، مختص في إنتاج هذا النوع من الزيت الطبيعي الموجه لعدة الاستعمالات، والتي تشكل مادة أولية تدخل في صناعات منها الغذائية، شبه الصيدلانية ومواد التجميل. وبحسب خنّاوي، فإن زيت نواة التمر نباتي وطبيعي محض، يتمتع بخصائص ومؤشرات عالية الجودة تشبه، إلى حد كبير شجرة الأرغان والتين الشوكي، حيث يعتمد على مادة أولية وطنية تتمثل في نوى التمر المستخرج من دقلة نور بطولقة، وجمعها وفق مخطط عمل محدد، من خلال التنسيق مع عدة مصانع ببسكرة. ولأجل ذلك، فقد تم إنشاء محطة لتجميع النّوى بالولاية، كي يتم نقلها إلى المصنع ببرج بوعريريج، وإدخالها في مرحلة الإنتاج التي تسهر عليها قدرات جامعية شابة مكوّنة من كيميائيين وبيولوجيين، تم تكوينهم للتكيّف مع أسرار زيت التمر التي لم تكشف بعد عن جميع مزاياها. وأوضح المتحدث، أنه تم الانطلاق في المشروع منذ سنة ونصف. ومنذ ثلاث أشهر، تم الانطلاق في الإنتاج، وابتداء من شهر جانفي الجاري، سيتم البدء في تسويقه عبر الوطن. علما أن 90 بالمائة من الأهداف المسطرة، هي توجيه المنتوج نحو التصدير إلى العالم، وليس إفريقيا فقط، وذلك بعد دراسة للأسواق الخارجية؛ لأنها أولا زيت نادرة. كما أن «إينوفابالم» تمتلك آخر تقنية لاستخراج هذا النوع من الزيوت، بحكم حصولها على براءتي اختراع وابتكار. ويعد هذا المصنع النموذج الأول من نوعه في العالم، وليس في الجزائر فقط، وهو مزود بأحدث التكنولوجيات، ما يجعل منه مرجعا في هذا المجال، وسيتمكن من إنتاج 6 أطنان من زيت التمر في العام، وهي كمية معتبرة جدا لمستثمر بدأ بإمكاناته الخاصة، وفي مجال غير معروف ونادر. «سارل عمّتنا».. تقتحم إنتاج مادة «التيتانور» في نفس المجال، التقينا مسيّر شركة «سارل عمّتنا»، عبد المجيد خبزي، وهي عبارة هي شركة جزائرية تعتمد في إنتاجها على التمر من الصنف الرابع والخامس الذي ليس له فائدة مالية في السوق، من خلال التنسيق مع الفلاحين الذين يقومون بعملية فرز التمور. ويقول خبزي، إن استغلال بقايا التمر يتم عبر استخراج «الرُّبّ» وعسل مربى التمر، أما النواة فتستخرج منها زيوت تستعمل في التجميل، أو في صنع فحم منشط لتصفية المياه والمواد الغذائية، بحيث تشكل مادة أولية لمصانع التصفية، وما يتبقى يتم توجيهه للاستعمال كتغذية للأنعام. أما التمور الفاسدة المتساقطة على الأرض، أو المتواجدة بغرف التبريد، فيتم إدخالها للمصنع لاستخراج الحامض، بحيث يتم تخميرها وتقطيرها لاستخراج مادة «التيتانور» التي تستخدم كمادة أولية في الصناعة شبه الصيدلانية كالكحول الطبي، المعقمات، المطهرات وحتى استخدامها من طرف المخابر لإنجاز التحاليل، بينما تستعمل مخلفات العملية كسماد طبيعي للأرض. وأشار المتحدث، إلى أن عملية تصنيع مادة «التيتانور» كانت ممنوعة بالجزائر، ولكن – يواصل المتحدث – اليوم، وبفضل تدخل مباشر وشخصي من رئيس الجمهورية، تم إصدار قانون استيراد هذه المادة مع تصنيعها محليا. وأكد خبزي، أن التصنيع المحلي لهذه المادة يمكن الجزائر من تغطية الطلب الوطني بنسبة 70 بالمائة، في حين يمكن تغطية طلب المستشفيات بنسبة 100 بالمائة، مع استثناء مصانع العطور، ويمكن الذهاب نحو التصدير وبالتالي تخفيف فاتورة استيراد هاته المادة وجلب العملة الصعبة. إلى جانب ذلك، أشار المتحدث إلى أن هناك طلبيات كثيرة من الخارج على مشتقات التمر، على غرار تسجيل طلبية كبيرة نحو كندا على سكر ودبس التمر، كبديل عن السكر الأبيض، وسيتم الانطلاق في عملية التصدير، خاصة بعد فتح وزارة التجارة أبواب تصدير مشتقات التمور، حيث أكد الوزير أنه يمكن الوصول إلى 250 مليون دولار عام 2023. وأوضح المتحدث في هذا الإطار، أن هذا ممكن بالنظر إلى سعر بيع التمور التي تباع ب6 دولارات للكيلوغرام بالخارج، في حين أن مشتقاتها تباع بضعف الثمن وقد تصل إلى 20 دولارا، ما يعني وجود إمكانات واعدة في الصناعات التحويلية للتمور، باعتبار أن المادة الأولية متوفرة وإمكانية التصنيع متاحة، داعيا الى الاستفادة من الإعفاءات الجمركية المفروضة على التمور وتمديدها لتشمل هذه المشتقات لتشجيعها، ومنح إعفاءات أكبر نظرا للعائدات الكبيرة، خاصة وأن المؤسسة نجحت في تطوير تقنياتها بالجزائر، من خلال إطارات وطنية تركز وتعمل على جعل الابتكار أساس تقدمها. «تاليس».. تنافسية عالمية يوسف شعلان.. صاحب شركة «تاليس» لتحويل التمور بغرداية، والتي أسّسها مع زوجته التي تمتلك بطاقة الحرفي، ونجحا بورشتهما الصغيرة في تطوير وصنع مجموعة واسعة من الشكولاطة الفاخرة بمختلف الأذواق والأنواع، ويطمحان إلى تسويقها في السوق الوطنية، رغم أن شهرتها سبقتها إلى الخارج. بل ونجح الزّوجان في إنتاج الحلويات الكروية الشهيرة ب»فيريرو روشيه»، بطريقتهما الخاصة من خلال دمج التمر بالبندق. وبحسب شعلان، فإن منتجاته طبيعية 100% وخالية من المواد الحافظة، حيث يتم تصنيعها بالورشة حرفيا، بنسبة كبيرة، رغم دخول بعض الآلات البسيطة كقوالب الشكولاطة، مشيرا إلى أن البداية كانت بتصنيع دبس التمر، ومن ثم بدأ تطوير العمل من خلال تصنيع مواد أخرى كشكولاطة الطلي بدبس التمر والبندق، دون ملونات غذائية ولا حافظات، وكذا عسل التمر بالطريقة الباردة، ومشروب طاقوي «تاكرويت»، وهو مشروب تقليدي معروف بغرداية. وأوضح المتحدث، أن الإتقان والرغبة في تطوير هذا المجال، حفّزه لتصنيع الشكولاطة بخمسة أذواق.. بالقهوة، الشيح، القرفة، القرنفل وشجرة المورينغا التي تمثل شجرة الحياة، ولها فوائد صحية عديدة، وهي متوفرة بالولاية، وهو شخصيا يملك واحدة بمنزله. وبخصوص عدم معرفة المواطن لهذه المنتجات الطبيعية، أرجع المتحدث ذلك إلى أن المستهلك ما يزال متعلقا بالمنتجات الأوروبية، وما يزال يفتقد إلى ثقافة استهلاك المنتج الوطني، خاصة في هذا المجال، رغم أن إنتاج الشكولاطة في الجزائر كان معروفا ونشطا، لكن الممارسات السابقة قطعت العلاقة بين المستهلك الجزائري ومنتوجه الوطني؛ ولهذا تعوّد على أن كل ما يأتي من وراء البحار، يمثل الجودة، واليوم تباع هذه المنتجات بولايات الجنوب. يعمل شعلان حاليا على التعاقد مع أصحاب المساحات التجارية الكبرى لإيصال منتوجه إلى مدائن الشمال، على غرار الجزائر العاصمة، سواء بباب الزوار، أو ببئر خادم وقهوة شرقي ب»الواحة»، وهذا لتدارك ما حدث من عملية عكسية لتسويق منتوجه الذي هو معروف في أوروبا بينما هو مجهول بالجزائر، وذلك بسبب مشاركته الناجحة في صالون بسويسرا مع جمعية أحباء التمور «دقلتنا». وبالفعل، قد سجلنا ونحن بجناح المتحدث عدة طلبيات عبر الهاتف والواتساب، من إنجلترا وفنلندا والنرويج، إلى جانب صالون آسيهار بتمنراست، والأبواب المفتوحة ب»ألجكس». وبخصوص مساهمته في إنشاء مناصب الشغل، فاجأنا المتحدث باستراتيجية تشغيل ذات بعد اجتماعي، بحكم أن زوجته طبيبة نفسية، اقترحت عليه تشغيل فئة النساء، خاصة اللواتي تعشن ظروفا صعبة، أو من يكنّ في حاجة ماسّة للعمل، على غرار الأرامل والمطلقات اللواتي ينشطن بالورشة موقع الانتاج، ثم الجامعيات اللواتي يعملن على استقبال الزبائن بالمحل أو إدارة جناح المؤسسة في المعارض التي تنظم بولاية غرداية. «ذهب الزيبان».. تمرة بدون نواة أما مسعود خرف الله، صاحب مؤسسة ذهب الزيبان للتمور ومشتقاتها ب «طولقة «، فقد اختار الاستثمار في مجال الصناعة التحويلية، رغم أنه في الأصل فلاّح، وورث هذا النشاط أبا عن جد، ومع الوقت طوره وانتقل إلى التعليب والتوضيب. وأكد خرف الله، أنه توجه نحو الصناعات التحولية لمشتقات التمور بالطرق العصرية المعروفة بشكل حرفي أكثر وتفكير اقتصادي، فبعدما كان استخراج الرّب وعسل وعجينة التمر يتم يدويا، أصبح هذا النشاط صناعة تحويلية يستغل فيها المادة الأولية المتوفرة بكمية كبيرة، وهي طبيعية خالصة، لتبرز منتوجات جديدة، منها العسل الذي يستخرج من عجينة التمر، وكذا الصابون، الفازلين، الكحل، أما نواة التمر فيستخرج منها القهوة والخل. ولم يغفل محدثنا الإشارة إلى الاستثمار في المنتوجات التي ورثها عن الأجداد، كطحينة التمر الحلوة، المعروفة لدى الجزائريين ب»الروينة»، وهي مزيج بين القمح والتمر من نوع «القرباعي» نظرا لقيمته الغذائية العالية من الفيتامينات خاصة الكاليسيوم، مشيرا إلى أن التمور الجافة هي الأحسن، وهو ما يجهله كثيرون، فهو البديل للسكر الأبيض بامتياز. وحول عدم معرفة المواطن بالمنتوجات الجديدة، أوضح صاحب مؤسسة ذهب الزيبان أن التقصير تتحمله عدة جهات، خاصة وسائل الاعلام، والجهات المنظمة لهذه الشعبة؛ لهذا فإن المهرجانات والصالونات تشكل فرصة مهمة للتعريف بها، مؤكدا أن التمور الجزائرية أصبحت أكلة قارة لأطفال الحضانة حاليا بالسويد، بينما لا يستفيد منها المواطن الجزائري، وذلك بسبب اكتسابه لعادات استهلاكية سيئة، وتخليه عن عادات الأجداد الغذائية السليمة التي كانت تعتمد على ما تنتجه الأرض مباشرة. وبخصوص الأسعار، أكد خرف الله أن الأمر تتحكم فيه المضاربة، ولكن إنتاج التمر أصبح مكلفا، خاصة وأن استخدام المكننة مستحيل لحد الساعة، وذلك نظرا لخصوصية النخلة، سيما في فترة تلقيح النخيل، إلى جانب غلاء التغليف الذي تضاعفت أسعاره ثلاث مرات منذ السنة الفارطة، والذي لا يرقى لينافس النماذج القادمة من الخارج. وفيما يتعلق بالتصدير، ثمن المتحدث قرارات رئيس الجمهورية المتعلقة ببعث الشركة الوطنية للنقل البحري التي ستتولى تسهيل تصدير التمور، موضحا انه قام بعدة عمليات تصدير إلى عدة دول كموريتانيا، فرنسا، الإمارات العربية المتحدة، وفي 2019 أوكرانيا، مشيرا إلى أن الطلب على التمور المعالجة مرتفع حاليا، ويقصد بها التمور دون نوى، وعليها طلبيات مسجلة من كندا والولايات المتحدةالأمريكية، بحيث يتم جلب تمور وادي ريغ، تقرت، إلى وحدات الإنتاجية ببسكرة لغسلها وطبخها بالبخار حتى يتم مطابقتها مع المعايير العالمية.