تشكّل العديد من المهن الحرة غير المقنّنة سواء منها المتخصصة في مجال الصناعات التقليدية والحرف أو المرتبطة أساسا بميدان البناء عودة مجددة إلى النشاط، حيث شهدت على مستوى ولاية بومرداس عملية إعادة بعث جديدة كشفت عنه درجة الاقبال على هذا النوع من الحرف، سواء من حيث طريقة التوظيف بالنسبة للأدوات من منحوتات أو غيرها المستعملة لتزيين ديكور البيوت، أو فيما يخص طريقة البناء واختيار الأشكال الهندسية داخل وخارج المنزل، بعدما أصبح البناؤون المحترفون ومحترفو الجبس والصباغة المتخصصون من العملات النادرة التي يكثر عليها الطلب على الرغم من الكلفة الباهضة التي يفرضونها على الزبائن. ومن أكثر الحرف الصناعية في مجال زخرفة البيوت وتزيينها هي حرفة الجبس، التي ازداد عليها الطلب في السنوات الأخيرة ببومرداس ليس فقط بالنسبة لأصحاب مؤسسات البناء والمقاولين الذين تكاثروا في المدة الاخيرة إلى أضعاف نتيجة تطور النشاط الذي عرفه قطاع البناء بالولاية بعد زلزال 21 ماي 2003، حيث احتل القطاع المرتبة الأولى في ميدان الاستثمار المحلي بنسبة 5 ، 41 بالمائة حسب مدير الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار ببومرداس السيد محمد بن عبد السلام من أصل 400 ملف استثمار تمت الموافقة عليه لحد الآن. وقد اخترنا لهذا الموضوع حرفة الجبس التي تتطلب الكثير من الدقة والاحترافية في نقش الأشكال الفنية المختلفة والأيات القرآنية، وهي عملية ليست سهلة حسب السيد “أحميدة م« من منطقة اعفير، أحد محترفي هذه المهنة إضافة ألى الصباغة حيث أكد بقوله أنّ حرفة الجبس ازداد عليها الطلب كثيرا في السنوات الأخيرة بفضل الانتعاش الذي عرفه قطاع البناء سواء لدى المقاولين الذين استفادوا من عشرات المشاريع السكنية التي تتطلب أحيانا السرعة في الانجاز احتراما لمدة الانجاز، أو لدى الخواص من المواطنين الذين ينجزون سكنات فردية وبالخصوص هنا ببلدية أعفير يقول محدثنا حيث استفاد أغلب الشباب من استفادات في اطار البناء الريفي. وعن طبيعة المهنة وخصوصياتها أكد مصدرنا بالقول أنّ حرف الجبس صعبة كثيرا نتيجة التركيز والدقة في إعداد اللوحات الفنية التي يقبل عليها أصحاب الفيلات الفخمة، بالاضافة إلى المخاطر الصحية الناجمة عن الغبار والروائح المنبعثة عن مادة الجبس وتركيبتها الكيماوية، أما عن الأجرة الشهرية لدى أصحاب هذه المهن فلم تعد بحسب محدثنا كالسابق مرتبطة بنهاية الشهر، بل على حسب نوعية المشروع أو الشقة، وأحيانا يتم استعمال قياس المتر ويترواح ما بين 400 دج لبعض الرتوشات البسيطة، ويصل إلى 4000 دينار للمتر الواحد وأكثر بالنسبة للوحات المركبة التي تزيّن قاعات الضيوف وغيرها من التحف الفنية الأخرى التي تاخذ وقتا أطول في إنجازها. هذا وعلى الرغم من الاقبال المتزايد على هذا النوع من الحرف اليدوية وبالخصوص هنا بولاية بومرداس بعد زلزال 2003 التي عرفت أيضا موجة دخول حتى اليد العاملة المغربية المشهورة في مجال النحت وصناعة الجبس، التي أثّرت في بعض المناطق على اليد العاملة المحلية إلاّ أنّ أنّها تبقى من المهن النادرة التي تتطلب مؤهلات عالية ليست موجودة لدى أغلب محترفي هذه المهنة، وبالتالي سبب قلة الحرفيين في هذا المجال إلى حدوث نوع من الندرة تدفع بالزبائن إلى الانتظار لأيام حسب الجدول الزمني، وأحيانا لا يتحقق نتيجة الاغراءات والتحفيزات التي يدفعها أصحاب المال على حساب المواطنين العاديين. كما كشف اتصالنا مع بعض محترفي صناعة الجبس أنّ الغالبية منهم يفضّلون العمل لدى الخواص بالنظر إلى الإجر المرتفع المحدد بعدد الساعات والحجم الكلي للمشروع بعيدا عن كل سقف أو معيار قانوني يحدد، وكل ذلك على حساب بعض الحقوق المهضومة بالنسبة لهذه الفئة كغيرها من الفئات الأخرى، منها التأمين الاجتماعي والتقاعد ماعدا القلة منهم الذي يحظون بالتغطية على مستوى وكالة كاسنوس. بالمقابل تعيش بعض المهن والحرف اليدوية بما فيها المهددة بالاندثار خاصة صناعة الجلود، الزرابي والسلل حالة من الركود نتيجة قلة الدعم، غياب قنوات ووسائل الاشهار واليات التسويق والتوزيع، وهي من أهم الانشغالات التي رفعها المشاركون في الصالون المحلي للتشغيل ومساعدة الشباب على إنشاء مؤسسات مصغرة الذي احتضنته دار الثقافة رشيد ميموني ببومرداس الأسبوع الماضي تحت إشراف وكالة تسيير القرض المصغر “انجام"، التي استطاعت سنة 2012 تمويل أكثر من 300 مؤسسة مصغرة، النسبة الأكبر منها خدماتية ما عدا بعض المؤسسات المختصة في ميدان النسيج والطرز التي بادرت اليها المرأة الماكثة بالبيت. وعليه في الأخير يمكن القول أنّ المهن الحرة والحرف تختلف قيمتها المادية والمعنوية باختلاف أهميتها ودرجة الاقبال عليها من طرف الزبائن، حيث تلعب المنافسة دورا رئيسيا في ازدهار أو تراجع درجة الاقبال على هذا النوع من الحرف ومنتوجها التقليدي.