من بين الشّواهد التي بقيت شامخة إلى يومنا هذا، مسجد «عقبة بن نافع» بمدينة «سيدي عقبة» ببسكرة، وهو المسجد الذي عشقه العلامة «ابن خلدون»، وقال فيه «إنّه أشرف مزار في بقاع الأرض لما توفر فيه من عدد الشهداء والصحابة التابعين»، وبحسب الدراسات التاريخية فإنّ مسجد «عقبة بن نافع» يعد «ثالث أقدم المساجد بشمال إفريقيا» بعد مسجد القيروان في تونس ومسجد «أبو المهاجر دينار» في مدينة «ميلة» الجزائرية. اختار أهل المدينة أن يكون اسم المسجد لأحد أبرز قادة الفتح الإسلامي وفاتح أفريقيا منذ القرن 41 الهجري وهو «الفهري عقبة بن نافع»، الذي استشهد عام 63 هجري (682 ميلادي) برفقة «المهاجر أبو دينار» مع 300 من خيرة جيشه، في معركة «ممس» مع أتباع الروم الوثنيين، ليدفن الشهيد عقبة بن نافع بمكان استشهاده. ويعد المسجد من التحف المعمارية النادرة بطراز الهندسة الإسلامية الراقية، فهو يشبه إلى حد كبير المساجد التاريخية الشهيرة في العالم والقصور الأندلسية الفخمة. كان المسجد في بداياته يتكون من قاعة صلاة صغيرة مشكلة من أقواس بُنيت بشجر «العرعار» وخشب النخيل المدعومة بحجر ومواد أخرى مثل الكلس الجيري والطوب. وخضع المسجد لعدد من الترميمات بدءًا من القرن 14 الهجري، وأوّل ما تمّ ترميمه المحراب ثم الصومعة وخلفية المسجد، ووضعت في أسقفه فوانيس عتيقة، ثم جاءت عمليات تزيين المسجد، حيث صبغ المحراب والقبو باللونين الأخضر والأحمر، وبقي المنبر ذات الباب الخشبي منحوتاً بأشكال هندسية متقنة. وتظهر قاعة الصلاة بشكل غير منظم، ويبلغ طولها 23 متراً وعرضها 22 متراً، أما عرض البلاطة الواحدة فيصل إلى 2.40 متراً، أما مئذنة المسجد ورغم أنها من أقدم المآذن، إلا أنها بقيت محافظة على تماسكها، وهي من أنماط المآذن الهرمية ذات القاعدة المربعة، ويبلغ ارتفاعها 16 متراً، وتتكون من طابق واحد ارتفاعه 14 متراً. أما باب مسجد عقبة بن نافع، فهو تحفة فنية متقنة أيضا بأشكال «أرابيسكية»، ومصنوع من خشب «السدر» ومرصع بدبابيس برونزية، إذ يبلغ عرضه 1.4 متر وارتفاعه 2.7 متر وسمكه 40 سم، وذكرت دراسات تاريخية جزائرية أنّ الباب جاء هدية من أمير القيروان «عبد المعز بن باديس الصنهاجي»، ومن المعالم التي تؤكد قوة الهندسة المعمارية الإسلامية توجد نوافذ المسجد، التي زُينت بأشكال ومنمنمات فاخرة. كما يوجد بالمسجد غرف قديمة خصصت قديما لإقامة الطلبة القادمين من مناطق بعيدة ومجاورة، من بينها الأوراس وقسنطينة في الجزائر ومن تونس، حيث كان المسجد قبلة للطلبة الذين يتعلمون القرآن الكريم وعلوم الشريعة على الطريقة المالكية.