يستعد التونسيون منذ بدايات شعبان لاستقبال رمضان، بإعادة دهن جدران المنازل وتجهيز المؤونة وتوضيب أواني الطبخ، وتعد بعض العائلات العدة لإحياء مناسباتها الاجتماعية، ومنها عقد الخطوبات وختان الأطفال وتبادل الزيارات بين الأهل والأصدقاء. لكن مع توديع شهر الصيام، يقدم الزوج لزوجته ما يسمى لدى البعض ب»حق الملح» وهو هدية وتحية مقابل شهر من تعبها في المطبخ، فالملح هناك يقصد منه نجاحها في الطبخ وهي صائمة لوجبات شهية دون خلل في تقديرات الملح. وتنتشر رائحة رمضان في أزقة وحارات تونس بعبق البخور والأناشيد والأغاني العتيقة التي تتحدث عن مميزات الشهر، وتركيز الرجال والنساء على ارتداء الملابس التقليدية، فيما ترتفع أصوات الباعة في الأسواق والساحات للتعريف بالسلع والتغني بجودتها الرفيعة وأسعارها الزهيدة. وتتعدد أطباق رمضان في تونس، ويصبح «البريك» ركناً أساسياً من أركانها، فيما يبقى الكسكسي سيد المائدة، ولا تخلو المائدة من حلويات رمضان وفي مقدمتها «الزلابية والمخارق» والتي تشتهر بها مدينة باجة، و»المقروط» الذي اشتهرت به القيروان، ومع الحلويات الأصيلة التي تعرف بها صفاقس، فيما يحلو السهر مع تلك الحلويات والشاي الأخضر بالنعناع والذي يقدم مع الصنوبر أو اللوز. ويحظى رمضان بطقوس خاصة ومناخات مختلفة عن بقية أشهر العام، حيث تعم الحركة في المدن ليلاً، وتتلألأ أنوار المساجد، وتنتشر روائح البخور في البيوت العتيقة، وتنشط المقاهي والأسواق في الليل، وتتزين البيوت، وتنظّم عشرات المهرجانات والتي يجتمع فيها الفنانون والشعراء ورجال المسرح ليقدموا عروضهم التي تتلاءم وطبيعة الشهر المبارك. وإلى جوانب المديح النبوي والأذكار الدينية والأهازيج الصوفية، يحاول التونسيون استعادة الذاكرة من خلال عروض «الفداوي» وهو الحكواتي الذي يروي قصصاً عن الزير سالم وسيف بن ذي يزن والسيد علي ورأس الغول وتغريبة بني هلال وغيرها في أجواء توحي بالعراقة والأصالة والثراء الثقافي والحضاري. وعادة ما يتم الاحتفاء بليلة النصف من رمضان بالتركيز على إعداد وجبة الكسكسي مع لحم الضأن، وبتوزيع أطباق منها للفقراء من الأهل والجيران، وتبادل بعضها مع الأقارب.