تحسّن تصنيف الجزائر في تنافسية السياحة العالمية.. مؤشر إيجابي اعتبر الخبير أحمد حيدوسي، أستاذ العلوم الاقتصادية، أن السياحة الجزائرية ترتكز على مقومات طبيعية ضخمة ينبغي الاستمرار في تطويرها. وتوقع، في ظل الاهتمام الجاري بتنمية القطاع وجعله يتكامل مع باقي القطاعات الاقتصادية، أن يتحول إلى عصب حيوي في الاقتصاد الوطني. وراهن على مستقبل واعد للصناعة السياحية في الجزائر، لكن من خلال مضاعفة الجهود والانفتاح على استثمارات أكبر، تقوي هذه المنظومة وترفع من تنافسية أدائها. الشعب: ما هو تشخيصكم للمقومات السياحية والجهود المبذولة من أجل إرساء صناعة سياحية رائدة؟ الدكتور أحمد حيدوسي: أعتقد أن عملية التشخيص تتطلب دراسة شاملة ومعمقة للوضع الحالي والتحديات التي تواجهها صناعة السياحة في الجزائر. لكن، يمكن القول إن هناك مجهودات تبذل من أجل إرساء صناعة سياحية رائدة في الجزائر، في ظل تحسن تصنيف الجزائر في مجال التنافسية السياحية العالمية، رغم أن الترتيب لايزال بعيدا عن الإمكانات الحقيقية للجزائر، يضاف إلى ذلك تحسن الطاقة الاستيعابية في السنوات الأخيرة، من خلال إنشاء عدد كبير من الفنادق تم افتتاحها، والرفع من نسبة إسهام القطاع في الناتج الإجمالي إلى أكثر من 2,5٪، وتشمل تطوير المناطق السياحية، وتحسين البنية التحتية والخدمات السياحية، وتعزيز الترويج للسياحة في الجزائر، وهذا لن يتم إلا من خلال وضع تصور شامل لاستراتيجية شاملة لتطوير قطاع السياحة، أو ما يطلق عليه المخطط التوجيهي للسياحة، إذ يعتبر كخارطة طريق يعتمد عليه كل المختصين في القطاع للوصول إلى الأهداف الخمسة المرجوة، بجعل قطاع السياحة موردا إضافيا للخزينة العمومية، على غرار المورد الرئيسي المحروقات، بالإضافة إلى تهيئة الظروف من أجل انخراط جميع القطاعات في العملية السياحية، سواء الأشغال العمومية بإنجاز مشاريع ومعالم من الطراز العالمي، وقطاع الرياضة والثقافة عن طريق تنظيم تظاهرات دولية مثل الدروات الرياضية أو المهرجانات العالمية. تحسين البنية التحتية والخدمات ماهي السبل والاستراتجيات القادرة على إنجاح رهان الرفع من استقطاب السياح إلى رقم مزدوج؟ في الحقيقة، إنه رهان وتحدّ كبير لا يستهان به، فالوصول إلى رقم مزدوج، يعني الانتقال من رقم 2.7 مليون سائح قبل جائحة كورونا إلى أكثر من 10 ملايين كما هو معول عليه من خلال المخطط التوجيهي للسياحة آفاق 2030. وفي اعتقادي، يجب أولا المزيد من تحسين البنية التحتية والمواصلات والخدمات السياحية، وكذلك توفير مرافق وفنادق ومطاعم بجودة تستجيب لاحتياجات وتوقعات السياح من مختلف الأذواق والثقافات، ويتحقق ذلك من خلال الرفع من حجم الاستثمارات في القطاع. أما بخصوص المواصلات، فتتم بالتنسيق مع شركات النقل العالمية، يضاف إليها استغلال كل السبل للترويج للوجهة السياحية الجزائرية، كوسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين على المستوى الدولي، بالإضافة إلى السعي لإنشاء تكتلات دولية تدافع عن الجزائر في المحافل والتظاهرات الدولية وتحسن صورة الجزائر، عكس ما تفعله بعض الأطراف المعادية للجزائر، كونها تحاول دائما تسويق صورة سوداء عن الجزائر، وقد شاهدنا ذلك مؤخرا عندما زار بعض الناشطين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي وترويجهم لإمكانات السياحة في الجزائر، وتفاجأ المواطن العربي أن تلك الصور من الجزائر، هذا بالنسبة للسائح العربي الذي انبهر، فما بالك بالنسبة للسائح من باقي مناطق العالم، ومن الضروري أن تصله صورة حقيقية عن الجزائر، فالكثير منهم يندهش عندما يزورون الجزائر.. يندهشون عندما يجدون كل الخدمات متوفرة، وفوق كل هذا، شعب منفتح لديه تقاليد راسخة في الضيافة، ويلقى السائح بكل الترحيب. يجب العمل كذلك على تشجيع السياحة المحلية بجعل السائح المحلي يشعر بالفخر عند قضاء العطلة في بلده، على اعتبار أنه بالإضافة إلى إسهامه في اقتصاد بلده بتوفير مناصب عمل وخلق نشاط اقتصادي، فهو كذلك يسوق لصورة حسنة عن الجزائر، فالسائح الأجنبي عندما يرى السياح المحليين يختارون وجهة بلدهم، يتشجع كثيرا لقضاء عطله بالجزائر. يجب تعزيز التعاون مع الدول الصديقة في مجال السياحة كذلك، فالجزائر لها علاقات ممتازة مع كثير من الدول، وقد شاهدنا ذلك في كل زيارات رئيس الجمهورية إلى الخارج، سواء إلى الخليج العربي أو إلى أوروبا كإيطاليا والبرتغال مؤخراً، لذلك يجب استغلال هذه العلاقات، سواء للترويج للوجهة الجزائرية أو الاستفادة من التجارب والخبرات الموجودة. الطلب يحفز المستثمرين للتدفق بقوة كم نحتاج من استثمارات محلية وأجنبية، من أجل توفير الهياكل والمنتجعات وتطوير الخدمات في هذا المجال؟ في اعتقادي.. حجم وعدد الاستثمارات المطلوبة في القطاع السياحي تتحدد بعدة عوامل؛ أولا حجم ونوعية البنية التحتية والمرافق السياحية المطلوبة حسب خصوصية كل منطقة سياحية. ثانيا، أكيد أن نجاح عملية الترويج للوجهة السياحية الجزائرية، تفضي إلى خلق طلب على المنتج السياحي المحلي، لذلك أحد أهم محددات الاستثمار في الاقتصاد بصفة عامة، تتوقف على معادلتي العرض والطلب، فالطلب المتزايد يحفز المستثمرين على الدخول بقوة إلى هذا المجال المربح، ولأنه من غير الممكن أن يقوم المستثمر الخاص ببناء فندق من مصاف خمس نجوم ليبقى شاغرا طوال السنة، فنجاح الترويج للوجهة الجزائرية يشجع القطاع الخاص على الانخراط في الاستثمار السياحي، ويشجع، في الوقت نفسه، القطاع البنكي، سواء المحلي أو الأجنبي، على تمويل الاستثمارات. وبشكل عام، يمكن القول إن الجزائر مازالت بحاجة إلى استثمارات كبيرة في قطاع السياحة من أجل تحقيق أهدافها، بما يتناسب مع جاذبيتها وتنوع مقوماتها. ولأن قطاع السياحة قادر على الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق عدد كبير من فرص عمل تصل إلى أكثر من 1.5 مليون، وجلب مداخيل من النقد الأجنبي يمكن أن تصل إلى ملايير الدولارات، كما حددها المخطط التوجيهي وهذا بالوصول إلى طاقة استيعابية تصل إلى 300 ألف سرير آفاق 2030 وإنجاز أكثر من 1800 فندق بمختلف الأصناف. - إلى أي مدى يمكن التعويل على السياحة كقطاع يطرح القيمة المضافة في المرحلة المقبلة؟ يمكن التعويل على السياحة كقطاع يخلق قيمة مضافة في المرحلة المقبلة، بل ويكون مفتاحا من مفاتيح الإقلاع الاقتصادي، شرط أن تتوفر الظروف المناسبة لتطوير هذا القطاع وزيادة إسهامه في الاقتصاد الوطني. فإذا نظرنا على المستوى العالمي، نجد أن قطاع السياحة يعتبر من الأنشطة الاقتصادية التي تسهم في ضخ الدخل والثروة والتشغيل والتنمية المحلية، إذا ما تم استغلالها بشكل جيد. فبحسب المنظمة العالمية للسياحة، تسهم السياحة بحوالي 10٪ من الناتج الإجمالي، و30٪ من صادرات الخدمات، كما توفر 1/10 من كل الوظائف، فهذه المؤشرات قوية ومعبرة عن أهمية القطاع السياحي في المستقبل بالنسبة للعالم وللجزائر. أما في حالة الجزائر، فإن قطاع السياحة يشكل حوالي 2,5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، و3,5٪ من صادرات الخدمات، و1,8٪ من اليد العاملة.. هذه المؤشرات تعكس أن قطاع السياحة في الجزائر لم يصل بعد إلى مستوى طموحاته وإمكاناته، خصوصًا إذا ما تم مقارنته ببعض الدول التي تمتلك نفس الإمكانات التي تمتلكها الجزائر أو أقل حتى من الجزائر، لكنها تحقق أرقاما وأداء أفضل. في الأخير، يمكن القول إن قطاع السياحة في الجزائر يمكن أن يمثل فرصة هامة لخلق قيمة مضافة في المرحلة المقبلة، خاصة مع رغبة الحكومة في تنويع مصادر الدخل خارج قطاع المحروقات، وتخفيف اعتمادية الاقتصاد على هذا القطاع، فالسياحة تستطيع أن تسهم في دعم قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعة والخدمات، من خلال زيادة الطلب على منتجاتها وخدماتها. كذلك تستطيع أن تسهم في حفظ التراث والثقافة والبيئة، من خلال الترويج لها والحفاظ عليها. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع أن تسهم في تعزيز التفاهم والتبادل بين الشعوب والثقافات.