التدقيق الداخلي بالمؤسسات الاقتصادية.. إجراء يكبح التجاوزات استهل رئيس الجمهورية ديباجة التزاماته 54، خلال حملته الانتخابية، بالحديث عن جزائر جديدة تستجيب لتطلعات الشعب، حيث تضمنت النقطة الأولى من ذات الديباجة، اعتماد دستور يؤسس لفصل حقيقي بين السلطات، وإعادة صياغة الإطار القانوني للانتخابات بشكل يحدد بدقة الشروط والمعايير المحتم توفرها في المترشح على المستوى المحلي أو المركزي، أهمها الكفاءة. كما تعهد بحظر التواطؤ بين المال الفاسد والسياسة من خلال الأحكام الجزائية، إضافة إلى الفصل بين المال والسياسة ومحاربة الفساد والمحسوبية والمحاباة، وجعل الكفاءة معيارا أساسيا في الاختيار والتعيين في وظائف الدولة، مع المساءلة والمحاسبة أمام هيئات المراقبة.. هي التزامات تضمنتها الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته في خطة عمل 2023-2027، ستعمل على تجسيد فعلي لما جاء في التزامات رئيس الجمهورية في تحقيق دولة الحق والقانون، وتفعيل جميع الآليات والميكانيزمات في الحرب على الفساد وحماية المال العام. اعتبر الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي، الاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، مسعى حقيقيا لتحقيق الأمن الوطني لارتباطه بالمقدرات والمكتسبات الوطنية، يسعى إلى استرداد الأموال العامة المنهوبة، المهربة إلى خارج الوطن بكل الآليات، حيث أيدت العديد من دول العالم التي تم إيداع هذه الأموال ببنوكها، التعاون مع الجزائر وإيجاد الآليات القانونية من أجل استردادها. وأكد تيغرسي استحالة توفير مناخ سياسي واقتصادي، في ظل وجود منظومة وطنية تعاني الفساد، وهذا ما فصل فيه رئيس الجمهورية صراحة، حين أقر بإبعاد العملية السياسية عن عالم المال والأعمال، وهذا ما تم فعلا من خلال إعادة صياغة الإطار القانوني للانتخابات، وتحديد المعايير والشروط المطلوبة للترشح على المستويين المحلي والمركزي، القائمة أساسا على الكفاءة والنزاهة لا غير، من أجل إجهاض الفساد الاجتماعي الذي حال دون تكريس منظومة اجتماعية عادلة مرافقة للطبقات المتوسطة، ما يفرض – بالضرورة - تطهيرا معمقا وجذريا للمنظومة الاجتماعية.
تطهير المنظومة الاقتصادية.. أرضية صلبة للبناء الاقتصادي بالمقابل، ثمن الخبير الاقتصادي، حرص رئيس الجمهورية على تطهير المنظومة الاقتصادية والمؤسسات المالية وإخضاعها إلى حوكمة حقيقية لتحقيق النزاهة والشفافية، إضافة إلى وضع منظومة قانونية وهياكل مرافقة لمسار التطهير المؤسساتي الذي باشر به رئيس الجمهورية منذ إعلانه الحرب على الفساد، خلال حملته الانتخابية وبعد تنصيبه رئيسا للبلاد، على غرار السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته التي قامت بتسطير وعرض الاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، المرتكزة على إرساء دولة الحق والقانون وتكريس مبادئ الحكم الرشد وأخلقة الحياة العامة وترقية أسس الديمقراطية التشاركية من أجل استعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، وتحسين صورة الجزائر على المستوى الدولي. المجتمع المدني والإعلام الوطني.. فاعلان أساسيان وتطرق تيغرسي إلى العديد من النقاط التي تأسست عليها الاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد، أولها رؤية مستقبلية من خلال برنامج محدد ما بين 2023-2027، الهدف منه خلق مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي مناهض للفساد، تكرس من خلاله مبادئ الشفافية، إضافة إلى وضع منظومة قانونية ومؤسساتية فعالة ومؤهلة. في هذا الإطار، وضعت السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، مخطط عمل يهدف إلى تعزيز الشفافية في القطاع الاقتصادي، وتحسين بيئة الأعمال، وهو ما تعكف عليه الجزائر من خلال جملة القوانين والتعديلات التنظيمية المطروحة على مستوى البرلمان، سواء تلك التي تمت المصادقة عليها مثل قانون الاستثمار وقانون النقد والصرف أو قانون العقار، وتشجيع مشاركة المجتمع المدني والإعلام الوطني، إضافة إلى دعم قدرات أجهزة الرقابة في مكافحة الفساد، كما تتطلع الجزائر إلى استرداد الموجودات. المعاملات الرقمية.. صدّ السّوق الموازية أما فيما يخص تشجيع الدفع الالكتروني في المعاملات التجارية، وتقليص اللجوء إلى السيولة، فقد أشار المتحدث إلى المخاطر المنجرة عن التعامل المباشر بالسيولة التي عانى منها الاقتصاد الوطني طويلا، وساهم في إنعاش السوق الموازية وتوسيع رقعتها. فرغم الجهود المبذولة من طرف السلطات العمومية - يقول تيغرسي - إلا أننا لم نرتق إلى تطبيق شامل في جميع الشعب الاقتصادية، مما سيمكن من تكريس الشفافية وتعميم التعامل الرقمي للمعاملات التجارية. وشدد تيغرسي على ضرورة التسريع في عملية تعميم الدفع الالكتروني من أجل تقليص بؤرة الفساد، وتوسيع زاوية مراقبة المال العام، ووضع كل المعاملات التجارية التي تتم عبر البنوك والمؤسسات المالية تحت المجهر، مما يتطلب المزيد من الجهود لتطوير المنظومة الرقمية وتعزيز التجارة الإلكترونية. فتح المجال أمام القطاع الخاص أما فيما يخص تطوير آليات التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص، فيتوقع تيغرسي أن يتم طرح مشروع متعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، للمناقشة على مستوى البرلمان، مع بداية السنة البرلمانية الجديدة، من أجل إعطاء فرصة للقطاع الخاص للمساهمة في رأسمال الشركات العمومية ودعمها ماليا ومنحها أكثر حركية، خاصة في ظل توفر هذه الأخيرة على جميع الإمكانات الإستراتيجية والتجهيزية. ويرى تيغرسي أن الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص، سوف تفتح مجالا أوسع للمبادرة وتقديم حلول اقتصادية أكثر فعالية. وفي الشق المتعلق بآليات تعزيز تنافسية المؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، يرى تيغرسي أنه من الضروري توفير المرافقة والمتابعة وتفعيل تصور نموذج المؤسسات الناشئة على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، ثمن المتحدث المجهودات التي بذلتها الدولة من أجل تحقيق هذا المبتغى، والأشواط التي قطعتها في مجال حياكة نسيج اقتصادي كثيف تكونه المؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، حيث تمكنت الجزائر من افتكاك المرتبة الأولى إفريقيا من حيث عدد المؤسسات الناشئة، إلا أن تحقيق هذا الطموح الإقليمي - يوضح تيغرسي - يبقى محدودا، بالنظر إلى رأس المال البشري والثروة الشبانية التي تمتلكها الجزائر، خاصة وأن الكفاءات الجزائرية وقدرتها على الإبداع والابتكار قد تخطت الحدود الإقليمية، لتتألق عالميا في عدة مسابقات لرواد الأعمال، أين تحصلت المشاريع المبتكرة الجزائرية على المراتب الأولى، مبرهنة على قدرتها في تقديم الحلول المبتكرة والنماذج الاقتصادية التي من شأنها تقديم الإضافة للاقتصاد الوطني. وذكر المتحدث، أن السلطات العمومية كانت قد سطرت بلوغ مليون مؤسسة ناشئة في المرحلة القادمة، مما يستلزم، إجباريا، تبسيط الإجراءات المرافقة لخلق المؤسسات الناشئة، الأمر الذي عكفت الدولة على تحقيقه، على غرار خلق جهاز على مستوى الجامعات لمنح وسم "المؤسسة الناشئة"، يقوم بدراسة المشاريع المبتكرة، ليقوم بتحويل الملفات مباشرة إلى الوكالة الوطنية لدعم المقاولاتية، من أجل المرافقة المالية. محاربة تبييض الأموال.. مجهود دولي مشترك وأوصى تيغرسي في الشق المتعلق بتعزيز منظومة وطنية لمحاربة تبييض الأموال وتكييفها مع المعايير الدولية الممول بها، بالاقتداء بالتجارب الدولية في مجال الوقاية من تبييض الأموال، وعقد اتفاقيات دولية للتعاون المشترك، سواء على المستوى الإفريقي أو على مستوى الأممالمتحدة، من أجل مكافحة هذه الجريمة، وتوفير الحماية القانونية للمبلغين عنها. إجراء لابد أن يكون مدعوما انطلاقا من الخلية الأولى لمصادر الأموال، وذلك بتعزيز النزاهة داخل المؤسسات الاقتصادية، ويكون ذلك - بحسب تيغرسي- باعتماد نظام إدارة مكافحة الفساد داخل المؤسسة الاقتصادية، والتحلي بروح المسؤولية، إلى جانب التركيز على التكوين الجاد لأعوان مكافحة الفساد، والتكثيف من عمليات التدقيق الداخلي على مستوى المؤسسات الاقتصادية، والسهر على احتوائه لأدق التفاصيل، خاصة ما تعلق بالمناقصات العمومية ودفاتر الشروط، مع العمل على امتثال المؤسسات الاقتصادية للمعايير الدولية المتعلقة بالمسؤولية المجتمعية. وأكد تيغرسي ضرورة الإسراع في وضع آليات مجلس المنافسة، ومنحه صلاحيات أوسع لمرافقة وحماية المنتوج الوطني على المستوى العالمي.