في غفلة من زمن الانحدار ولدت، فرضت ميلادها الحاحيّة الحاجة وضرورات المرحلة، ودون مزيد وقوف على حدود المسافات المصطنعة، لارتقاب معجزة تعيد للأسرى هيبة تاريخ قد تعمد بالكرامة وكبرياء الثائرين، فكانت بذرة لفكرة سقيت من دفق العنفوان المتدفق من وجدان شعب قد تغنى بالنصر ونبضت به قلوب المنتفضين، من لَدّن أول تكبير ولّد ثورة في وجه أسراب الغزاة الطامعين. مع خروج الأسرى الستة أبطال نفق الحرية كانت البداية، حينها ساء وجه الكيان الصهيوني لجيشه وأمنه وتفوقه، وسقطت هيبة قلاعها المحصنة ببضعة ملاعق وقطع حديدية، وإرادة حفرت في عمق المستحيل لتعانق حرية استقبلتهم شمسها ستة ايام كانت كافية لتؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الشعب والقضية وأحرار الدنيا عنوانها: بالعزم نجني الانتصار، فقد تصدّع جدار الكيان الصهيوني الحديدي أمام بضعة أسرى تجردوا من أي سلاح نوعي في مواجهة جيش، لكنهم لم يعدموا الارادة والعناد، لتصاب حينها مصلحة السجون بحالة من الهوس والعسف، وتنبري في ابتداع جملة من العقوبات الجماعية على مقاس الجملة ودون تفرقة وتمييز، طالت حتى ساعة الشمس وزيارة الأهل وهامش اختيار البرش، وما تبقى من كرامة العيش بين رطوبة الجدران. انتفض الأسرى من مؤبد قيدهم، وقيود فُرقتهم واتحدوا !! متمردين على مسار اللا معقول الذي فرضته لعنة الانقسام، واستطاعوا دون عناءٍ تحييد خلافاتهم التي برع السجان في أذكائها، والتوحد كصف واحد في خط المواجهة معلنين أن لا حياة دون شرط الكرامة، ولا كرامة دون شرط الوحدة، وكانت معركتهم التي لم تبدأ!! اذ تم ردُّ هجمة مصلحة السجون التي اربكها هذا التوحد، ليس هذا وحسب، فقد تمّ استعادة بعض الحقوق التي سلبت قبلا، والأهم أن كل ذلك قد تمّ دون دفع ثمن أو دخول مواجهة، فقط بالاستعداد العالي والجهوزية المرتبطة بإيمان يقيني بأن الكتف لا يسنده الا الكتف، وبأنه تأبى العِصيُّ اذا اجتمعن تكسراً واذاً افترقن تَكسّرت احادا، وهو ما الزم مصلحة السجون ومن ورائها صانع القرار في الكيان كف اليد عنهم، خشية انعكاس الحالة على الشارع. وهكذا.. ازيح الستار عن "لجنة الطوارئ الوطنية"، الممثلة لجميع الفصائل، ونصّبت كمرجعية عليا للحركة الوطنية الاسيرة، التي أعياها شتات العناوين وكثرة الاجتهادات، وضياع البوصلة والهدف منذ اكثر من عقدين، اخذت فيهما السجون نصيبها من التيه والعمى والضعف، الذي جرأ الاحتلال على الأطباق على إرث الاسرى المُخضّب بالدم، والمنجزات التي راكمتها مطحنة الأمعاء الخاوية التي اقتاتت على آلاف الكيلوغرامات من اللحم الحي لأسرى شعب يرفض أن يموت. امتحنت صلابتها مرات، فكانت في جميعها ترد للسجان عن غيه وتماديه على حقوق الأسرى إذا ما أشهروا امامه سلاحهم الامضى وسيفهم الضارب، الوحدة!! كلمة لها مئة مخيال والف تجلّ، ومليون صورة، ومعنى واحد وحيد يقول إن شئتم: لا يفل الحديد الا الحديد، فالوحدة بإجماع التجارب واستنطاق الماضي وكثرة المواقف، وقول الحكماء زيادة غلى ذلك، لا يملك العدد امامها الا ان يكسر أنف غطرسته بيده، ويعيد الحق مرغما والنصر يعلو الرقاب ويزجرُ. واليوم.. وبعد أقل من عامين على وجود لجنة الطوارئ الوطنية العليا للحركة الوطنية الأسيرة، وبعد أكثر من ثلاث جولات مع مصلحة السجون كادت تطيح بكثير من منجزات الأسرى، كان النصر في جميعها جليا، والنجاح فيها موسوم بعد توفيق الله لصالح لجنة الطوارئ، اصبح لازماً حراسة شعلتها من أن تطفئها رياح الخذلان، أو يحاصر مسارها اصحاب الرماح المكسورة، والأبواق المأجورة.