تطبيقا لتوجيهات رئيس الجمهورية، المُتعلّقة ب "زيادة دعم إنتاج المواد الإستراتيجية، مُراجعة النّصوص التنظيمية التي تهدف إلى عصرنة الإنتاج، تطهير العقار الفلاحي وكذا وضع إطار خاص بتحفيز الاستثمار الفلاحي المُهيكل"، جاء المُخطط الاستراتيجي لتنمية إنتاج الحُبوب في الجزائر، أكتوبر 2023-2028، ليكون الانطلاقة القوية لتنمية هذه الشّعبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي فيها، باعتبارها أكثر منتوج غذائي استراتيجي مستورد، أشرفت لجنة متنوعة القطاعات على إعداده للوقوف على أسباب عدم استقرار إنتاج الحُبوب خُصوصا القمح اللين ووضع الحلول. ومن أجل ثورة زراعية حقيقية للوصول إلى الأمن الغذائي، أكّدت اجتماعات مجلس الوزراء "مضاعفة المجهودات لزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية خاصة القمح، ورفع نسبة إنتاجه في الهكتار الواحد إلى 30 قنطارا"، بهدف تحقيق اكتفاء ذاتي في هذه المادة الإستراتيجية، في أقرب وقت، على اعتبار أنّ كل الظُّروف مُهيّأة لبُلُوغ الهدف أكثر وأكثر، والرهان على هذا المخطّط الاستراتيجي لتنمية إنتاج الحُبوب في الجزائر، الرامي لتوفير كلّ الظّروف الكفيلة بتحقيقه، إذ يُعّدُ أحد ركائز التنمية الاقتصادية الشاملة للبلاد في إطار المُخطط الوطني للتنمية الفلاحية في أفق 2030. وأكّد الرئيس تبون في ذات الصدد على "الأهمية التي تكتسيها الحبوب في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد"، مُضيفا: "أشعر أنّنا لسنا بعيدين جدا عن تحقيق استقلالنا الغذائي..تبقى خُطوات فقط ونُحققُهُ بيقين وليس بشكل مُرغم..سنصلُ إلى الاكتفاء الذاتي في أُفق 2024-2025"، لافتا إلى أنّ "استقلالية القرار السياسي للدُول مرهُون بضمان أمنها الغذائي"، أي أنّهُ لا يُمكن لأي دولة أن تكُون مُستقلة حقا إلاّ إذا أنتجت قَمْحَهَا. ومعلُوم أنّ الجزائر تستوردُ الجُزء الأكبر من احتياجاتها السنوية من القمح، ممّا يُعد أبرز عائق أمام اكتمال أمنها الغذائي، ويرى خُبراء ومُختصّون شاركوا في ندوة "الشعب"، أنّ الحلّ يكمُن في استغلال الصحراء الجزائرية، التي بفضلها قفزت مُؤشّرات البلاد للأمن الغذائي في إنتاج الحُبوب إلى المراتب الأولى إفريقيا حسب المُؤشرات العالمية. وفي هذا الصّدد، أكّد وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الحفيظ هني، على هامش الجلسات الوطنية للفلاحة، المنظمة تحت شعار "الفلاحة: من أجل أمن غذائي مُستدام" شهر فيفري 2023، أنّ مُستوى جمع مادة الحُبوب مبنيُ على مُشاركة الفلاحين وإيداعهم لمحاصيلهم الزراعية لدى الديوان الوطني للحُبوب، والسعي للرفع من مساحات الحُبوب وتوسيعها لتصل إلى 1 مليون هكتار في الصحراء، آفاق 2030، باعتبارها رمزًا للأمن الغذائي، الذي يُعدُّ رمزًا للسيادة الوطنية، وأبرز الأهداف الأساسية للتنمية الريفية، مُشكّلَة بذلك قيمة اقتصادية مُضافة للبلاد. وقد سمحت هذه الإجراءات حسب الوزير الأول (خلال افتتاح الطبعة 21 للصالون الدولي للفلاحة وتربية المواشي والصناعة الغذائية، ماي 2023)، بتقليص الواردات والمساهمة في تنويع مداخيل البلاد عن طريق التصدير، حيث فاقت قيمة الإنتاج الفلاحي 4500 مليار دج، ما يُعادل 33 مليار دولار، خلال 2022، بزيادة 38 % مُقارنة ب 2021 إذ بلغت 3500 مليار دج، بالموازاة مع ارتفاع نسبة تغطية الاحتياجات الغذائية من الإنتاج الوطني إلى 75 %. كما ساهمت قرارات الرئيس تعويض المزارعين المتضرّرين في مجال الحُبوب من الجفاف من ميزانية وزارة الفلاحة أو من الصُندوق الوطني للكوارث الفلاحية، إضافة إلى إعادة جدولة دُيونهم وتأجيل دفعها بالتنسيق مع البنوك المُموّلة، ومنح البذور والأسمدة دون شروط لكلّ المهنيين، مع إلزامية وإجبارية تقيّد المستثمرات والفلاحين بالمخططات الفلاحية الوطنية والولائية، ضمن رؤية استشرافية دقيقة للأمن الغذائي لمواجهة التحوّلات المعاصرة في تحقيق نتائج ميدانية جيدة. كما يُعتبر انتخاب الجزائر بالإجماع لتولي رئاسة المجلس الدولي للحبوب 2024، حسب بيان لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية، مكسبًا كبيرا للجزائر الجديدة في مجال تسيير هذه الشعبة الحيوية، يسمح بتعزيز مكانتها دوليا من خلال تمكينها من نظرة استشرافية فيما يخص إنتاج واستيراد وتصدير الحبوب في مرحلة تتميز بظروف اقتصادية وجيو-سياسية استثنائية، إضافة إلى استفادتها من تجارب وخبرات الدول الرّائدة في هذا المجال. الجزائر مصنّفة الأولى إفريقيا في الغذاء سارعت الجزائر في خضم الأزمة الغذائية التي يشهدها العالم، لاسيما وارتفاع أسعار الحُبوب في السوق الدولية، نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على اقتصاد دُول العالم لاتخاذ إجراءات واتّباع آليات، حرصا منها على تحقيق أمنها الغذائي في شُعبة الحُبوب كأوّل خُطوة، وتحلية مياه البحر في أمنها المائي، إذ أنّ الجزائر مُصنفة الأولى إفريقيا في الغذاء، تُقدّر حاجياتها سنويا من الحُبوب ب 09 ملايين طن، في حين تنتج حاليا 03 ملايين، ما دفع بالسلطات العليا إلى التأسيس ل "زراعة بطابع علمي معاصر". لقد تمّ تسطير خارطة عمل إستراتيجية، حسب ما أكده الوزير الأول، السيد أيمن بن عبد الرحمان، خلال افتتاح منتدى حول: "الأمن الغذائي من خلال تطوير إنتاج القمح الصلب في الجزائر"، شهر مارس الماضي، مبنية على تطوير الزراعة خاصة الصحراوية، واعتماد سياسات أكثر نجاعة لتطوير الزراعات الإستراتيجية؛ للرفع من مردُودية إنتاج الحبوب خاصة القمح الصلب، وتكثيف الشراكة الخارجية لبلوغ متوسط إنتاج وطني يتراوح ما بين 45 إلى 50 قنطارا للهكتار؛ مع التركيز على استغلال الإمكانات التكنولوجية الحديثة في إنتاج الحبوب؛ إضافة إلى تكثيف مُختلف أنواع الدعم للقطاع الفلاحي، وتمكين الفلاحين من الحصول على المدخلات والعتاد الفلاحي ضمانا لزيادة الإنتاج، فضلا عن التحكم في التكاليف؛ وأخيرًا توسيع طاقة التخزين الاستراتيجي للحبوب على المُستوى الوطني. يشكّل تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب قناعة راسخة خصّها برنامج الحكومة بأهمية، سيما تكثيف الإنتاج من أجل تحقيق إنتاجية أفضل، تشجيع زيادة العرض المحلي وتقليص استيراد المُنتجات الفلاحية والزراعات الإستراتيجية؛ ترقية الاستثمار الخاص من خلال تسهيل الولوج إلى العقار الفلاحي والقضاء على البيروقراطية؛ تنمية العقار الفلاحي عبر ترقية الاستثمار في الجنوب؛ وعصرنة الفلاحة بإدراج الابتكار والرقمنة ونظم اليقظة والرقابة. وقصد ضمان هذا المسار التّصاعدي، فإنّ خُطّة عمل زيادة إنتاج الحبوب، حسب الوزير الأول، في كلمته (تحوز "الشعب" على نسخة منها)، تعتمد على تحديد الخيارات الزراعية على مستوى جميع القطع الفلاحية؛ إعادة توجيه الأراضي الفلاحية ذات الإنتاج الضعيف إلى الزراعات الاستراتيجية الأخرى، تأطير برنامج التنمية في مناطق الهضاب العُليا والجنوب؛ إضافة إلى التسريع من وتيرة منح العقار الفلاحي ضمن برنامج الاستصلاح عن طريق الامتياز، وهو دور ديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية والديوان الوطني للأراضي الفلاحية؛ مع وضع نظم الري الذكية عن طريق البحث عن بدائل لترشيد استهلاك المياه، مع إضافة مساحة سقي إضافية تقدّر ب 800 ألف هكتار في آفاق 2025 لتقليص مساحة الأراضي البُور، وذلك قصد توسيع المساحة المزروعة. وقصد حثّ الفلاحين على زيادة الإنتاج والمساهمة في تجسيد الأمن الغذائي، والحفاظ على المياه الجوفية بالجنُوب، حرصت الحكومة ضمن توجيهات السيد الرئيس، على مواصلة دعم إنتاج الحبوب وزيادة التحفيزات، برفع نسبة دعم الأسمدة من 20 % إلى 50 %؛ الترخيص بموجب قانون المالية لسنة 2023، باستيراد خُطوط ومُعدات الإنتاج المستعملة لأقل من 05 سنوات، وكذا المُعدّات والعتاد الفلاحي لأقل من 7 سنوات، بالإضافة إلى إعفاء الجرارات المُخصّصة حصريا للاستعمال الفلاحي من الرسم المُترتب عن بيع المركبات الجديدة؛ ربط 30 ألف مستثمرة فلاحية بالكهرباء، بكُلفة قدرها 84 مليار دينار، على أن يتم الانتهاء من ربط جميع المستثمرات قبل نهاية السنة الجارية 2023. المؤسّسات النّاشئة واقتصاد المعرفة..مجال استثمار واعد تواصل الحكومة تنفيذا لتوجيهات الرئيس، جُهودها في تحقيق الأمن الغذائي والمائي، ميدانيًا عبر دعوة المُؤسّسات الناشئة للاستثمار في مجال الفلاحة والموارد المائية، وتأدية دور فعّال في الأمن الغذائي والمائي للبلاد، عن طريق الابتكار في عصرنة طرائق الاستثمار الفلاحي، وابتكار تجهيزات خاصة بالري والموارد المائية، بهدف التقليل من فاتورة الواردات في هذه المجالات، وكذا تعزيز قدرات الإنتاج الفلاحي وتحسينه. ويرى الخبير المائي غرناوط، أنّ المُؤسسات الناشئة بمقدورها تقديم "الكثير" في هذا المجال، تزامنا والدعم الذي تُقدّمهُ الدولة لحثّ الشباب على إيجاد حلول مُبتكرة، وتقديم التسهيلات والدعم والمُرافقة الدائمة للشباب الراغب في الاستثمار الفلاحي؛ تسخير تقنيات تكنولوجيا الإعلام والاتصال للحصول على قيمة مُضافة لعصرنة القطاع الفلاحي، بما يسمحُ باستحداث مناصب الشُغل. وقد شجّعت الحُكومة تنفيذا لتوجهات الرئيس القطاع الخاص، أيضا، للمُساهمة في مشاريع الزراعة وتحلية مياه البحر وإنجاز السُّدود، سعيًا منها لتطوير الفلاحة والموارد المائية وتشجيع الاستثمار فيهما، وهي ميكانيزمات عملية كفيلة بضمان الاكتفاء الذاتي المُستدام غذائيا ومائيا. معركة تخضير الصّحراء...تجارب ناجحة تستحق التّقليد في أقاصي الصّحراء الجزائرية الكبرى، بعيدا عن العالم، قرّر مجموعة من المُستثمرين والفلاحين الجزائريين، فسح الطريق نحو المُستقبل وتحويل المستحيل إلى ممكن، حيث صنعوا بسواعدهم الحياة وسط آلاف الكيلومترات من الرمال تذرُوها الرياح، بعد أن استصلحوها لتتحوّل مُحيطات أوفران لصاحبها أوصيف الطاهر بولاية تيميمون، حُقول الإخوة تواتي بأدرار، مُحيط البكرات للمُستثمر علاّم زكريا بولاية المنيعة، ومحيط الفلاح باديس كابوية، إلى رمال خضراء ومراكز زراعية دولية مُستدامة، بعد نجاحهم في معركة تخضير الصحراء. حقّقت المحيطات الفلاحية المُتواجدة بالصحراء الكُبرى نجاحا قياسيًا في إنتاج شعبة الحُبوب، تتراوح ما بين 70 و80 قنطارا للهكتار الواحد، ما ساهم في تخفيض واردات الجزائر من هذه المادة الحيوية، في ظل توفر الموارد المائية الضرورية، إضافة إلى مرافقة الدولة وتشجيعها على الاستثمار في الزراعة الصحراوية، كخيار استراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي. وتُمثّل وفرة المياه الجوفية مصدرًا رئيسيا لسقي الأحواض الفلاحية الكُبرى الموجُودة بكُل من ولايات الوادي، المغير، المنيعة، بسكرة، تيميمون، ورقلة، أدرار وغيرها ما دفع بالدولة إلى تطوير أحواض فلاحية جديدة. وقصد التغلب على بعض المشاكل التي تُواجه الفلاحين والمستثمرين، يُرتقب أن يتم إعادة النظر في النُصوص التطبيقية لقانون التوجيه الفلاحي رقم 08-16، المُؤرخ في أوت 2008، كونُهُ يفرضُ على الفلاحين والمُستثمرين تأمين كل المسار الفلاحي في جانبه التقني للمستثمرة الفلاحية في حال الاستفادة من دعم الدولة، حسب ما أفاد به بعض الفلاحين والمستثمرين الذين تحدّثنا إليهم في هذا الخصوص. إنّ التّدابير الاحترازية التي اتخذتها الجزائر الجديدة، سمحت بفضل توجيهات الرئيس تبون وتنفيذا لتعليماته، عبر تجنّد جميع القطاعات والدوائر الوزارية بتخفيف آثار تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني وسط سياق دولي صعب يُميّزه الرُّكود الاقتصادي، حيث نُثمّن الإنجازات الهامة التي حقّقتها الدولة مُنذ انتخابه، الرّامية إلى تجسيد أمن غذائي ومائي مستدام.