لقد لخّصت عبارة دافيد بن - غوريون، أول رئيس وزراء للاحتلال: "إنّ الوضع في فلسطين سيُسوّى بالقوّة العسكرية" أهم المنطلقات الاستراتيجية لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال ومستوطنيه، وتنفيذ برامجهم التوسّعية في فلسطين والمنطقة العربية، فكانت المجازر المنظمة ضدّ أهالي القرى والمدن الفلسطينية من جانب العصابات اليهودية المسلّحة، وجيش الاحتلال فيما بعد، من أبرز العناوين لتوجّهات هذه المنظمة، بغرض حمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل من أرضهم وإحلال اليهود مكانهم. وطوال أكثر من 75 عاماً من الاحتلال للأراضي الفلسطينية، كان سجلّه مليئاً بمجازر وحشية ارتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني، إلى درجة أنّ الأخيرة التي ارتُكبت بعد قصف الجيش مستشفى "المعمداني" في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزّة، والتي وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من 500 شهيد، لا تظهر سوى كحلقة صغيرة من مسلسل المجازر المستمرة منذ مايقرب من 90 يوماً من الحرب الهمجية التي أودت بحياة عشرات آلاف الفلسطينيين المدنيين العزّل، ومئات آلاف الإصابات، وملايين المشرّدين بلا مأوى وأغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال. كان زئيف جابوتنسكي أول زعيم مهم يقرّ بأنّ الفلسطينيين شعب، وأنّه لا يتوقّع منهم التخلي طوعا عن حقّهم القومي في تقريرالمصير. لهذا كان يرى أنّه من غير المجدي في تلك المرحلة المبكّرة من المشروع الصهيوني فتح حوار معهم، ولا مفر من تنفيذ البرنامج الصهيوني من طرف واحد وبالقوّة. وانطلقت رؤية جابوتنسكي لهذه القضية من ضرورة تنفيذ المشروع الصهيوني خلف جدار من حديد يعجز السكان العرب المحليون عن هدمه. غير أنّ نموذج جابوتنسكي لم يعارض فتح حوار مع الفلسطينيين في مراحل تاليه. بل على العكس كان يؤمن أنّه وبعد أن يشجّ الفلسطينيون رؤوسهم بلا جدوى في هذا الجدار سيقرّون مع الوقت بأنّهم في وضع دائم من الضعف، وعندها يحين أوان تدشين مفاوضات معهم حول وضعهم وحقوقهم القومية في فلسطين، لا يمكن فهم سياسات الصهاينة، والعقيدة السياسية لنتنياهو المجدّده لعقيدة جابوتنسكى مؤسّس الصهيونية التحريفية فيما يتعلّق بضمّ الأراضى الفلسطينيىة والعربية وموقفه من التسوية السياسية، وبناء المستوطنات ورفض فكرة الدولة الفلسطينية إلا من خلال العودة لقراءة سياسة الجدار الحديدى والتي يحاول نتياهو تطبيقها على الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ العُزّل. بعد مرور زهاء ثلاثة أشهر على بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، ما زال الاحتلال غير قادر على تقديم صورة نصر ولو مزعومًا في القطاع؛ رغم ما اقترفه فيه من مجازر وجرائم حرب، كما أنّ هذه الأخيرة لم تستطع إجبار سكان القطاع على الهجرة؛ ما أفشل حتى اللحظة مشروع التهجير. صمود شعبي وعسكري للمقاومة يحمل الكثير من الدلالات ويضع على الجميع مسؤوليات محدّدة.