بعد مضيّ أكثر من مائة يومٍ على العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزّة الذي قتل فيه وأصاب واعتقل أكثر من مائة ألف فلسطيني، وشطب عائلاتٍ بأكملها، ويَتَّمَ آلاف الأطفال وحرمهم من أمهاتهم وآبائهم، وحرم آلاف الأسر من أطفالهم وأولادهم، وارتكب بحقّهم أبشع المجازر وأفظع المذابح وأعتى حروب الإبادة البشرية، ودمّر أكثر من 80% من مباني ومساكن القطاع، وقصف البنى التحتية وعطّل الخدمات العامة، وحرث الشوارع وقلب الطرق وحرق البساتين والأشجار، وأحال الحياة في القطاع إلى جحيمٍ لا يطاق، بعد أن دمّر كلّ مقوّمات البقاء وأسّس العيش والحياة فيه. أصبح الفلسطيني الصامد على أرضه، المتمسّك بحقّه، والثابت على مواقفه، المحتسب تضحياته، والصابر على معاناته، المحتضن للمقاومة والحافظ لها، هو صاحب الكلمة الأولى كما اليد الطولى في قطاع غزّة، وربما في المنطقة كلّها عموماً، وهو يستطيع بصبره وصموده وثباته وإصراره، أن يفرض على العدوّ الصهيوني شروطه، وأن يملي على حلفائه ما يريد، فله بعد الله سبحانه وتعالى كامل الفضل في احتضان المقاومة ورعايتها، والصبر معها والتضحية في سبيلها، وعدم الشكوى منها أو التذمّر بسببها، لتكون باطمئنانها إليه وثقتها فيه، قادرة على الثبات في وجه العدوّ وصدّه، وإلحاق الضرر به وإيلامه، والنيل منه وإفشاله. استناداً إلى ما سبق، فإنّ الشعب الفلسطيني قادرٌ على توجيه العديد من الرسائل للعدو الصهيوني وحلفائه، علّه يسمع ويفهم، ويعي ويتدبّر، ويحاسب نفسه ويتراجع، رغم غروره وغبائه، وغطرسته وكبريائه، وسفاهة قادته وفساد حكومته، واعتقاده أنّه يستطيع من خلال القوّة المفرطة، والدعم الأمريكي والغربي اللاّمحدود، تحقيق الأهداف التي أعلن، وتنفيذ المخطّطات التي أعدّها وجهّزها، وفرض البرامج والسياسات التي يظنّ أنّه قد آن أوانها وتهيّأت الظروف الدولية والإقليمية لها. أما رسالته الأولى إلى حكومة العدوّ وجيشه، أنّه باقٍ في أرضه، ثابتٌ في قطاعه، ولن يغادره ولن يرحل منه، ولن يقبل بالعروض ولن تضعفه المغريات، ولن يستجيب للوعود أو يصدّق الأماني، فكما لم تخفه الطائرات والغارات، ولم تقتلعه العواصف والأنواء، ولم يفت في عضده القتل والقصف، والدمار والعدوان، فإنّ العروض الدولية والمخطّطات المسمومة لن تنطلي عليه، ولن تدفعه للهجرة والرحيل، أو النزوح واللّجوء، مهما أمعن العدو في عدوانه، أو فتح الغرب أبوابه وأبدى ترحابه، أو أرسل سفنه وفتح خزائنه. أما رسالته الثانية المباشرة الصريحة، والحازمة القويّة، أنّه أودع مقاومته كلمته ونقل إليها وصيته، ألا تفرط في الأسرى والمعتقلين الصهاينة، وألا تقبل بأيّ صيغة تبادلٍ للأسرى مع العدو إلا بقبوله بشروطها، والتي تبدأ بوقف العدوان وإنهاء العمليات الحربية، وتتّسع لتشمل كلّ الملفات الأخرى، كالمباشرة في إعادة الإعمار، ورفع الحصار، والسماح بإدخال المؤن والمساعدات ومختلف المواد والسلع، سواء كانت محروقات أو مواد أولية للمصانع والمعامل، وألا توافق على أيّ تبادلٍ مجزوءٍ مقابل هدنٍ ملغومة وتسهيلاتٍ مغبونة، وأن تبقى مصرّة على موافقها، ومتمسّكة بشروطها، وألا تخضع للضغوط أيّاً كانت، إلا أن تستجيب حكومة العدوّ لشروطها، وتلبّي كلّ مطالبها لتستعيد أسراها أحياءً، أو تصرّ وتعاند، وترفض وتعارض فتستلم بعد أداء الثمن ودفع البدل أسراها صوراً ووثائق وهوياتٍ وبطاقاتٍ. وثالث رسائل فلسطينيي قطاع غزّة إلى العدوّ الصهيوني، أنّك عبثاً تحاول إعادة مستوطنيك إلى بلدات الغلاف ومستوطناتهم، فهم الذين أخرجتهم المقاومة بقوّة سلاحها وشدّة بأسها، لن يعودوا إليها ولا إلى بيوتهم وأعمالهم إلا بإذن المقاومة وموافقتها، وهي لن تسمح لهم بالعودة إليها أبداً ما لم تتحقق شروط شعبها ويهنأ أهلها، ويتمكّنوا من العيش الكريم الآمن الحر على أرضهم، فلا عدوان يشنّ عليهم، ولا حصار يفرض عليهم، ولا قيود تكبّلهم أو شروط تضيّق عليهم. يخطئ العدو الصهيوني إذا حاول الاستخفاف بالشعب الفلسطيني وتهوين قدراته، أو ظنّ أنّه يستطيع أن يكسر أو يلوي عنقه، وأنّه سيتمكّن بالقوّة العسكرية والضغوط الدولية والحصار المطبق والتشديد المقعد من تغيير مواقفه وتليين عريكته، وإجباره على القبول بما يعرضه عليهم. ويخطئ أكثر إن ظنّ أنّ رسائل الشعب الفلسطيني التي يبثها ويحاول تعميمها خاوية، وأنّها ليست إلا ذرّاً للرّماد في العيون، ومحاولةً يائسة للنّجاة، وأنّهم غير جادّين فيها، وغير متمسّكين بها، إلا أنّ الشعب الفلسطيني الذي قدم ما لا يقوى على احتماله أحد، جادٌ في رسائله، وواثقٌ من قدرته، وهو على يقينٍ من أنّ العدو سيخسر أكثر إن لم يصغِ إليه ويستجيب له، ويقرأ رسائله ويقبل بشروطه، وينتهز الفرصة ويكسب الوقت قبل ضياعها وفوات أوانها.