الجزائر.. إمكانات هائلة لضمان توفير المياه لجميع المواطنين    دور جزائري هام في ترقية الأمن الغذائي بإفريقيا    عنابة- قالمة- عنابة..مرحلة حاسمة لتحديد صاحب القميص الأصفر    وزارة الاتصال تعلن 2 جوان آخر أجل لإيداع الملفات    التوقيع على اتفاقية شراكة في مجال التكفل الطبي    المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    قالت التي حققها قطاع التعليم العالي خلال السنوات الأخيرة: تنظيمات طلابية تشيد بالنقلة النوعية للجامعة قاطرة للتنمية    مانشستر سيتي يتوّج باللّقب للموسم الرابع على التوالي    اسكندر جميل عثماني في سباق 100م (ت13) باليابان    حجز 25 ألف قرصا مهلوسا وتوقيف مسبوقا قضائيا    نحو إصدار مؤلف جديد يجمع موروث سكان "الوريدة"    في المنتدى العالمي 10 للماء ببالي الاندونيسية،دربال: الجزائر سخرت إمكانيات هائلة لمواجهة شح المياه    مخطط عملياتي..طائرات «درون» ومروحيات لصائفة بلا نيران    الرئيس تبون يعزي الشعب الإيراني في وفاة الرئيس رئيسي    الجيش الصحراوي مستمر في كفاحه البطولي حتى دحر الغزاة    حُجّاجنا الميامين.. كونوا خير سفراء لوطنكم    رقمنة و تكنولوجيات الإعلام و الإتصال: الطبعة الثانية لصالون "كونستانتيك" قريبا بقسنطينة    تحت شعار معلومة دقيقة تنمية مستدامة : انطلاق القافلة المكلفة بعملية الإحصاء العام للفلاحة بقسنطينة    المحافظة على الهوية والموروث الثقافي الجزائري    ''كيالة مياه الفقارات''..حرفة عريقة تأبى الاندثار    إقبال طلّابي كبير على المقاولاتية وريادة الأعمال    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    برنامج الأغذية العالمي يؤكد الحاجة إلى دخول "آمن ومستدام" للمساعدات إلى غزة    الولادة خلف القضبان تخوف يلاحق الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الصهيوني    عطاف يستقبل مبعوث ماكرون    براهيمي مرشّح لجائزة الأفضل    سكك حديدية: إطلاق برنامج لربط 16 صومعة لتخزين الحبوب قريبا    مجلس الأمن: بطلب من الجزائر وروسيا والصين أعضاء المجلس يقفون دقيقة صمت ترحما على أرواح الرئيس الإيراني ومرافقيه    عين عبيد في قسنطينة : مديرو الابتدائيات يلوحون بوقفة احتجاجية للمطالبة بالسكنات الالزامية    وزير الصحة يشرف على إفتتاح ورشة حول الأمراض النادرة في الجزائر    قسنطينة : تنظيم يوم دراسي علمي تحت شعار "نحو تقديم أحسن خدمة للمريض"    زيتوني: مشروع "فينكس بيوتيك" سيشرع في تسويق منتجاته الصيدلانية في غضون 18 شهرا    جهود لتثمين الموقع الأثري لرجل تيغنيف القديم    جامعة الجزائر 1 تنظم احتفالية    الطالب.. بين تضحيات الماضي ورهانات المستقبل    الجزائر تواصل الضّغط على مجلس الأمن    عرقاب في زيارة عمل إلى الكونغو لبحث توسيع آفاق التعاون الطاقوي    تعرّضت لحملة حقد وكراهية لا تطاق بفرنسا    عطّاف: إفريقيا تمرّ بمنعطف حاسم    تفعيل تواجد الجزائر في منظمة الأمن والتعاون بأوروبا    مرافقة الطلبة في إنشاء مؤسّساتهم ومشاريعهم الابتكارية    هيئة إفتاء مصغرة لمرافقة الحجاج إلى البقاع المقدسة    ربط سكيكدة بالطريق السيار "شرق-غرب" مشروع مستعجل    قوات الاحتلال تحاصر مستشفى "العودة" شمال غزة    بحث فرص رفع المبادلات المقدرة ب700 مليون دولار سنويا    صور بهية ومتنوعة عن "ميموزا الجزائر"    إبراز دور الشيخ الإبراهيمي في الثورة التحريرية    دورة تكوينية لفائدة مسيري الجمعيات واعضائها ببسكرة    محرز "الغاضب" يردّ على شائعات خلافاته مع مدرب الأهلي    كلوب بروج وأندرلخت البلجيكيَين يتنافسان لضم قادري    أندية إنجليزية تراقب اللاعب الواعد مازة    اللباس الفلسطيني.. قصة مقاومة يحاول المحتل طمسها    حجز آلاتي حفر بعين الذهب والنعيمة    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جامع الجزائر.. الرمز والمفخرة
نشر في الشعب يوم 09 - 03 - 2024


تحفة معمارية ومركز روحي حافظ للهوية الوطنية
وهج حضاري وديني يُنير قبلة الشهداء ويشرق على العالم
مدير ديوان عمادة الجامع بوزيد بومدين:
ترتيبات أمنية وبروتوكولية خاصة بصلاة التراويح واستقبال المصلين
أرض ارتوت بدماء الشهداء..أرض لها قدسيتها ورمزيتها التاريخية، منها انبثق جامع الجزائر شامخا ليطل من هضبة المحمدية، كمثل إشراقة باهية، يرفع أعلى مئذنة في العالم، وفق نموذج للهندسة المعمارية الإسلامية المعاصرة، تجسّد الهوية الوطنية الراسخة، والتقاليد الجزائرية التليدة، وتستجيب - في الوقت نفسه - لمتطلبات الحداثة والمعاصرة..جامع الجزائر يمتد شامخا على طول خليج الواجهة البحرية للعاصمة، أبوابه مفتوحة أمام الزوار القادمين من كل فجّ عميق، تلبية لأذان الصلاة، ومسارعة إلى طلب العلوم والمعارف، فقد تزوّد بكافة المرافق والهياكل والتأطير البشري ليؤدي دوره في نشر رسالة الإسلام السمحة.
أيام قليلة بعد تدشينه رسميا من طرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، زارت "الشعب" مفخرة الجزائر ومكسب الأمة الإسلامية، الذي حرص الرئيس تبون على متابعة إنجازه منذ عشرة سنوات، وتسهيل كل ما يعين على عمارته وخدمة رسالته، حتى يكون للجزائر مثلما قال وزير الدولة عميد جامع الجزائر الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسني في احتفالية التدشين، "الصورة التاريخية والجمالية والوطنية، من معماره الذي يحيل إلى خصوصيات الثقافة الجزائرية".
كان الجو ماطرا ذلك اليوم..ولم تكن الرؤية واضحة، بسبب الضباب والسحاب الكثيف الذي لفّ العاصمة حاملا خيرات السماء، إلا أن جامع الجزائر استقبلنا كمثل لؤلؤة تأسر ببريقها عيون الزائرين..يلوح من الأفق هاديا بأنوار منارته درب التائهين، وبصوت الحق الصادح منها سبل المصلين.
على عتبات النّور
جامع الجزائر..بكل ما تحمل هذه الكلمة من دلالات، هو جامع لشعب الجزائر، موحّد للقلوب وقلعة حصينة للمرجعية الدينية الجامعة، شيد على أرض المحمدية التي كانت تسمى في وقت الاحتلال باسم الكاردينال لافيجري، الذي حوّل المكان إلى موقع ومنطلق للتنصير بعد إنشاء الكنيسة المسيحية زمن الاستعمار، ولكن الشعب الجزائري المجاهد الأصيل رفض أن ينسلخ عن عقيدته ودينه وظل طيلة 130 سنة صامدا أمام كل محاولات طمس الهوية، وبعد الاستقلال اختير هذا المكان ليقام عليه جامع الجزائر..هي الرمزية التي أشار إليها الرئيس في عدة مناسبات وهو يتحدث عن هذا المشروع الحضاري الواعد.
يحمل جامع الجزائر - مثلما أشار إليه مدير ديوان العمادة الدكتور بوزيد بومدين في حديثه ل "الشعب" - عدة دلالات تجمع بين المحلية والعالمية، وبين الخصوصية والكونية، فهو يحافظ على القيم التي ننتمي إليها وعلى الخصوصية المذهبية والدينية، كوننا أهل وسط واعتدال كما قال رئيس الجمهورية وكما ينص على ذلك المرسوم، من جهة، بينما ترمز منارته لعلوّ التوحيد، وترمز للتسامح والتقارب والانفتاح على الإنسانية جمعاء من جهة أخرى.
واعتبر الدكتور بوزيد هذا البعد الإنساني جزءا مهما من مهام الجامع، وقال "هنا يصح القول بالدبلوماسية الثقافية والدينية؛ لأن هذا الجامع يشجّع على البحوث في الحضارة الإسلامية، وهي مهمة تتولاها مديرية الحوار التابعة للعمادة من خلال المركز الثقافي والمكتبة، ليفتح جامع الجزائر بذلك جسورا مع العالم، وهذا مهم جدا كون أن الجامع هو أيضا منبر إشعاع على الجزائريين منفتح على دول القارة الإفريقية والعالم أجمع".
في رحاب قاعة الصّلاة
من قاعة الصلاة المستوحاة من هندسة العمارة الإسلامية، بدأنا جولتنا الإعلامية، وبين الدهشة والافتخار بالتحفة المنجزة من قبل أبناء الاستقلال، كانت قلوبنا تسبق خطواتنا، ونظراتنا تنقلب بين أرجاء قاعة فسيحة تغمر قلوب كل من يدخلونها بالسكينة والطمأنينة والاعتزاز، فقد تمّ انتقاء أفرشتها، وزخرفتها ورسومها بعناية فائقة.
قاعة الصلاة تعتبر قلب جامع الجزائر، وهي جزء مسقوف، رباعية الشكل مساحتها تبلغ 22 ألف متر مربع، سقفها محمول على 32 عمودا فطريا، يتم من خلال هذه الأعمدة تجميع مياه الأمطار ويعاد استعمالها في أغراض أخرى مثل الاغتسال به في بيوت الوضوء، أو لسقي المساحات الخضراء الشاسعة التابعة للمركب، وفي الجهة السفلية عمود زيّن بالرخام المخروم، وبأشكال هندسية تسمح بالتهوية داخل قاعة الصلاة، فهو يقوم بتلطيف الجو، زيادة على مهمته الأساسية.
قاعة الصلاة - حسب شروحات المرشدة التي رافقتنا - معدة لاستقبال 37 ألف مصلّ، وهذا العدد يمكن أن يناهز 120 ألف مصلّ إذا استغل صحن الجامع، الذي يعد امتدادا طبيعيا لقاعة الصلاة في العمارة الإسلامية والفناء الشرقي والغربي.
أما محراب جامع الجزائر، فقد استلهم تخطيطه من محراب الجامع الكبير الموجود بتلمسان الذي بناه المرابطون، ولعل ما يميزه إنجازه على الرخام الخالص وهي سابقة في العمارة الإسلامية أن ينجز محراب كامل بالرخام، وهو يتزين بنوعين من الرخام الأبيض بمختلف تدرجاته، والرخام المرمر باللون العسلي، موزعة عليه أسماء الله الحسنى بخط الثلث، تتخلله زخارف هندسية ونباتية، بالإضافة إلى أنه يتزين بزخارف خطية، ونلاحظ على شريطه الخارجي آيات قرآنية خطت بزخرفة جميلة، منها الآية 35 من سورة النور "الله نور السموات والأرض"، والآية 144 من سورة البقرة داخل الإطار الثاني، وكذلك داخل القبيبة مكتوب سورة الفاتحة بالخط الردسي "المبسوط المغاربي" يتزين بعبارة الشهادتين، والشمسيات أعلاه مزينة بزخرفة هندسية ونباتية، عددها الإجمالي يرمز إلى عدد الصلوات الخمس، وكذلك إلى أركان الإسلام والى نمطية المسجد.
بجوار المحراب، يوجد أكبر منبر في العالم الإسلامي، فهو منبر مصنوع من أرقى أنواع الخشب مرصع بالصدف الطبيعي، هذا المنبر استلهم تصميمه من المنبر الموجود بالجزائر العاصمة منبر المسجد الكبير الذي بناه المرابطون في 1790 م ومنبر صلاح الدين الأيوبي الموجود بالمسجد الأقصى المبارك، يجمع هذا المنبر بين الأصالة والمعاصرة، بحيث هو مزود بنظام آلي لحركة النزول والصعود إلى غرفة تحت الأرض، فهو ينزل آليا بعد نهاية الخطبة، ليفسح المكان للمصلين
جل الزخارف الهندسية الموجودة داخل قاعة الصلاة مستلهمة من الفن الإسلامي الجزائري الخالص، وفي أعلى القاعة مكان مخصص للنساء أو ما يصطلح عليها اسم "السدة"، معدة لاستقبال 8 آلاف امرأة.
ما يميز قاعة الصلاة "الثريا المركزية"، وهي نسخة فريدة من نوعها، تصميمها جزائري خالص، تنتمي إلى تراثنا الزخرفي، وهي دائرية الشكل يبلغ قطرها 13 مترا ونصف، وارتفاعها أربع أمتار ونصف، وتزن 9 أطنان ونصف، هيكلها مصنوع من الفولاذ الصلب المطلي بالذهب الخالص 24 قيراطا، هي مصممة على شكل "سبحة" ذات 33 والباقيات الصالحات مكتوبة أعلاها بزخرفة كتابية بخط الثلث، ما يميز هذه الثريا أنها لا تحتوي على مصابيح فهي تستقبل الضوء عن طريق الكواشف أعلاه، وتضاعفه عن طريق بلورات وتنشره على كامل قاعة الصلاة، وهذا يبعث الطمأنينة والسكينة داخل القاعة.
يتزين السقف بكتابات تشبه تلك الموجودة في أول مسجد بني بالجزائر في ميلة، مسجد سيدي غانم، أو "أبو المهاجر دينار"، تشير تلك الكتابة إلى أصالة المرجعية التاريخية للجزائر في مجال الزخرفة.
سجاد المسجد...هويّة وأصالة
على الأرض، وبلونه الأزرق السماوي المريح للعين، يجذب سجاد جامع الجزائر أنظار كل الزائرين، فهو يحتوي على زخارف تعكس تقاليد وأصالة 29 منطقة بالجزائر، نسج بأنامل جزائرية من طرف مصنع السجاد الذهبي "طابي دور" بمدينة وهران.
فالجزائر معروفة منذ القدم بنسيج الزرابي؛ ذلك لأنها تتوفر على المواد الأولية من صوف ووبر، وجرت العادة أن تحمل الزربية زخارف ونقوشا تمثل تقاليد المنطقة التي نسجت بها، ولكن في سجاد جامع الجزائر، أراد المشرفون أن تكون كل مناطق الوطن ممثلة بزخارف موزعة في مربعات، بحيث كل مربع به زخرفة يعكس أصالة منطقة بالجزائر منها قرقور، نمامشة، جبل عمور، تيميون، الأغواط، جبل هاشم، غرداية، وغيرها.
بين قاعة الصلاة وصحن الجامع، توجد 236 باب، مقسمة إلى قسمين..أبواب داخلية مصنوعة من خشب البلوط الصلب عددها 134 باب، والأبواب الخارجية عددها مائة وبابين، وهي أبواب مصفحة بالنحاس المنقوش والمضغوط.
بمجرد الخروج من قاعة الصلاة، يقابل الزائر صحن الجامع..رباعي الشكل محاط بأروقة كمثل تلك التي كانت تعقد فيها حلقات التدريس قديما، وتحت هذا الصحن يوجد خزان مائي يقوم بتجميع مياه الأمطار سعته 6500 متر مكعب.
مجمّع ثقافي وعلمي وترفيهي
جامع الجزائر ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو مجمع ثقافي وعلمي وفني وترفيهي. يضم المجمع في الجهة الجنوبية مدرسة عليا للعلوم الإسلامية، تسمى "دار القرآن"، وجدناها تعج بحركة الطلبة، وقد بدأوا منذ أشهر قليلة الدراسة، بعد اجتياز مسابقة دكتوراه، يتلقون حاليا تعليما متخصصا في القرآن والسنة والفقه واللغة العربية والتاريخ الإسلامي.
تتسع درا القرآن ل 300 طالب وطالبة، وتمنح شهادات الإجازة والماجستير والدكتوراه، كما يضم المجمع مركزا للبحث في العلوم الدينية وحوار الديانات، يهدف إلى تعزيز الدراسات الدينية والفكرية والحضارية، وتشجيع الحوار والتعاون بين مختلف الأديان والمذاهب والثقافات.
بجوار مركز البحث، توجد المكتبة التي صمّمت لاستيعاب مليون كتاب في مختلف المجالات، ومكتبة خاصة، تحتوي على نسخ قديمة ونادرة من المخطوطات والمصاحف والوثائق التاريخية، هي مجهزة بأحدث التقنيات التكنولوجية ومفتوحة على ثلاث طوابق.
وفي الأخير، المركز الثقافي الذي يحتوي على عدة قاعات للعروض، ويتميز بقاعة كبرى للمحاضرات، تتميّز خاصية الانقسام إلى قاعتين، وهذا بواسطة جدار متحرك عازل للصوت، وهذا ما يجعل احتضان مؤتمرين في الوقت نفسه، ممكنا ميسرا دون أيّ إزعاج.
خدمات..
في الفناء الشرقي للجامع، توجد محلات توفر مختلف الخدمات للزوار على غرار البنوك الإسلامية، وكالات التأمين، حاضنات الأطفال، متاجر الحرفيين، وأعلى مئذنة في العالم بارتفاع 265 متر، أما في الجهة الغربية للفناء توجد مجموعة من قاعات العروض المخصصة للمجال العلمي فقط، وتحت الفناء يوجد موقف سيارات يتسع لأربعة آلاف سيارة.
مئذنة جامع الجزائر جزء مهم منه، تنقسم إلى خمس وحدات مجموع كل وحدة 5 طوابق، ترمز إلى عدد الصلوات المفروضة وأركان الإسلام، وتنقسم كل وحدة عن الأخرى، تضم أماكن للاستراحة والاستمتاع، الثلاث وحدات الأولى مخصصة لمتحف الحضارة الإسلامية، والوحدتان المتبقيتان مخصصتان لمركز البحث في العلوم الدينية وحوار الحضارات. كما تنتهي المئذنة بمنصة زجاجية تسمح برؤية بانورامية لمدينة الجزائر العاصمة وهي بين أحضان خليجها.
يرتفع فوق المئذنة هيكل معدني يضيء ليلا بألوان مختلفة، تعمل المئذنة كمنارة للسفن البحرية، وكمؤشر لاتجاه القبلة، وكمرجع للتوقيت الرسمي للصلاة. تبث المئذنة الأذان والقرآن الكريم عبر مكبرات صوت.
بالإضافة إلى ذلك، يضم جامع الجزائر متحفا عموميا وطنيا، يسمى متحف الحضارة الإسلامية في الجزائر، يعرض تاريخ وفن وثقافة الجزائر منذ الفتح الإسلامي حتى الوقت الحاضر. يضم المتحف مجموعة من القطع الأثرية والفنية والتاريخية والدينية، التي تعكس تنوع وغنى الحضارة الإسلامية بالجزائر. يضم المتحف أيضا معرضا مؤقتا، يستضيف معارض فنية وثقافية من دول مختلفة، يحتوي المتحف على قاعة مؤتمرات وورش عمل ومسرح ومقهى.
جامع الجزائر يوفر أيضا مساحات للترفيه والاستجمام، مثل الحدائق الموضوعاتية الإسلامية التي تحتوي على أشجار ونباتات وثمار مذكورة في القرآن الكريم على غرار الريحان، الرمان، الزيتون، إلى غير ذلك. ومن بين الحدائق الموضوعاتية الإسلامية، حديقة القدس الشريف، تحتوي على شجيرات زيتون من أرض فلسطين المباركة، تم غرسها هنا، تزامنا وانعقاد القمة العربية بالجزائر من طرف مفتي جامع القدس وعميد جامع الجزائر، وغرست بتربتها الأصلية.
تحتوي الحدائق على بحيرة صناعية ونافورة وجسر وممرات ومقاعد وملاعب للأطفال، كما يوجد في الحديقة مركز للتوعية البيئية والحفاظ على التنوع الحيوي، وهذا ما يجعل جامع الجزائر وجهة للسياحة الدينية والثقافية والترفيهية، يستقطب الزوار من داخل الجزائر وخارجها. ويقدم خدمات متنوعة، مثل الإرشاد السياحي والديني والثقافي، والترجمة والتفسير، والنقل والإقامة، والتسوق.
"المشربية"..توثيق الهويّة الجزائرية
تتزيّن الواجهة الخارجية لجامع الجزائر بشريط كتابي موزع على كامل الواجهة، وداخل قاعة الصلاة على مسافة 6 كلم، فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية، حكم وأقوال وأبيات شعرية، وكل مكان لديه حكمة في وضع تلك الآيات أو الأحاديث.
كما تزين الجامع "المشربية"، وهي عنصر معماري يتميز بالدقة والجمال، تعكس الطراز المعماري الجزائري العصري. يقول الدكتور صحراوي مڨلاتي أستاذ الدعوة والإعلام والشريعة بجامعة باتنة، في تصريح ل "الشعب"، إن مشربيات جامع الجزائر تحمل عدة دلالات وأبعاد، منها البعد القيمي أو ما يسمى الحفاظ على العرض، اخترعه المسلمون من أجل الحفاظ على هذا المقصد، فالمشربيات هي عبارة عن أغطية خشبية مزخرفة زخرفة إسلامية تكون على شرفات النوافذ وشرفات الأبواب، بحيث أنها تقوم بعدة أدوار، منها حجب الرؤية من الخارج باتجاه الداخل، ويمكن لمن يوجد في البيت مثلا التحرك بدون أي قيود أو أن يتكشف لمن يرى من الخارج.
كما تستخدم المشربيات - يضيف مڨلاتي - تقليديا لتوفير الخصوصية والتهوية داخل المباني، وغالبا ما تكون مزخرفة بأنماط هندسية معقدة تسمح بمرور الضوء والهواء.
وفي جامع الجزائر، تُضيف المشربيات لمسة جمالية وتعمل كعنصر وظيفي يساهم في تنظيم الضوء والظل داخل المسجد.
ويعكس جامع الجزائر كل مكونات الهوية الوطنية، تجسدها زخرفة أو في مشربية أو مقرنصة أو في الزرابي أو في الألواح الزخرفية. تقريبا 34 لوحة كلها عبارة عن ابداع وكل مرحلة جسدت في واحدة من هذه اللوحات.
وأضاف الدكتور مڨلاتي أن جامع الجزائر سمي جامعا ليس لأنه يجمع المصلين فقط، وإنما أيضا يجمع الحضارة والأنماط الفنية، وكأنه عبارة عن توثيق للهوية الوطنية الجامعة عبر التاريخ. فإذا كان مولود قاسم رحمة الله عليه ألّف كتابا عنوانه صيت الجزائر الدولي عبر التاريخ في مجلد، فإن هذا الجامع هو تجسيد لذلك الصيت عبر التاريخ.
أصوات ندية في رمضان
يتأهّب جامع الجزائر لاحتضان المصلين في أوقات الصلوات الخمس وفي صلاة التراويح خلال الشهر الفضيل، حيث تتسابق الخطى لبيت الله، تغتنم من شهر رمضان فضله، ومن الصلوات أجرا ودعاء مستجاب، بعدما اجتهدت إدارة الجامع في إنهاء الترتيبات اللازمة لاستقبال جموع المصلين في الشهر الفضيل.
وقال مدير ديوان عمادة جامع الجزائر الدكتور بوزيد بومدين ل "الشعب"، "إنه ستكون ترتيبات أمنية وتنظيمية بروتوكولية خاصة بصلاة التراويح واستقبال المصلين"، حيث سيؤدي صلاة التراويح مجموعة من القرّاء، وسيشهد الجامع تلاوات بأصوات ندية جدا.
وأضاف أن بعض الأسماء المتداولة، ستكون حاضرة في بعض الليالي أو بعض الركعات في كل ليلة من ليالي الشهر الفضيل، مشيرا إلى أن تفاصيل هذا البرنامج ستنشر قبل حلول رمضان عبر الموقع الإلكتروني للعمادة، الذي ينبغي أن يعود إليه الإعلام لأنه هو الموقع الرسمي وليس الفيسبوك أو مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالنسبة لمشروع الجوالات السياحية، قال إنها مقتصرة على الأفواج من زوار الجزائر، ويجري استكمال بعض التحضيرات التقنية مثل تحديد طريقة دفع حقوق الزيارة، للسماح للمواطنين بزيارة هياكل ومرافق المركب، مشيرا إلى أن هذه مسائل تأخذ قليلا من الوقت، ولكن سيفصل فيها تقنيا وماليا من طرف مؤسسة تسيير الجامع الكفيلة بهذا الجانب التقني وأيضا جانب العائدات سواء من المتحف أو من الزيارات أو من كراء القاعات، وبالتالي ليس بعيدا أن يفتح للزيارة أمام المواطنين.
وأكّد الدكتور بوزيد أن أبواب جامع الجزائر ستبقى مفتوحة أمام المواطنين أداء كل الصلوات، ولن تعطل، سواء الصلوات الخمس، الجمعة، الأعياد، وقد وضع جسر يؤدي مباشرة إلى قاعة الصلاة، انطلاقا من مواقف السيارات، ومنافذ أخرى، إلى جانب المدخل الرئيسي لتسهيل حركة تنقل المصلين، الوافدين إلى الجامع من كل مكان، لكن في البداية يسمح للمواطنين الدخول الى قاعة الصلاة فقط، وعدم التجوال في الحدائق أو في أماكن أخرى، في انتظار استكمال الإجراءات التقنية.
كما أشار الدكتور بوزيد إلى بعض التوجيهات التي ينبغي أن يتقيد بها الوافد إلى جامع الجزائر، للحفاظ على هذا الصرح الديني والمعلم الحضاري في صورته المشرقة، ومنها الحفاظ على السجاد، عدم جلب الأطفال الصغار في انتظار فتح الحضانة، وجلب الأكل، أما الماء فستتكفّل بتوزيعه المؤسسة.
وقال مدير ديوان جامع الجزائر، إنّ "هذه التوجيهات تتلاءم مع حرم الجامع ومع قدسية قاعة الصلاة، ينبغي على المواطنين أن ينتبهوا إلى هذه المسألة لأن الحفاظ على بيت الله الحفاظ على من يستضيف والله سبحانه وتعالى يستضيف هؤلاء فعليهم أن يحافظوا على بيته".
معلم حضاري ثقافي للجزائر
وخلص محدّثنا إلى أن جامع الجزائر يعد فعلا مثالا رائعا على الهندسة المعمارية الإسلامية الحديثة، ويمثل رمزا للفخر الوطني والتقدم في الجزائر، وأنه ليس فقط مكانا للعبادة، بل هو أيضا منصة للتعليم والتبادل الثقافي، مما يعزز التفاهم والحوار بين الثقافات.
يعتبر جامع الجزائر مثالا للتكامل بين العمارة الإسلامية والتكنولوجيا الحديثة، فهو يتضمّن نظاما متطورا للتحكم في المناخ داخل قاعات الصلاة لضمان راحة المصلين. كما يحتوي على نظام إضاءة ذكي يتكيف مع الأوقات المختلفة من اليوم والمناسبات الدينية، وهو مجهز أيضا بمرافق متعددة الاستخدامات تشمل مركزا للمؤتمرات، قاعات للمحاضرات، ومركزا للبحوث الإسلامية. هذه المرافق تسهم في تعزيز دور المسجد كمحور للتعليم والتواصل الثقافي.
جامع الجزائر ليس فقط مكانًا للصلاة والعبادة، بل هو أيضا رمز للهوية الثقافية والدينية في الجزائر، ويعكس الروح الإبداعية والابتكارية للشعب الجزائري. إنّه يقف شامخا كشاهد على التاريخ الغني والمستقبل المشرق للأمة.
يعتبر جامع الجزائر معلما حضاريا وروحيا يجسد التقاليد الإسلامية ويحتفي بالثقافة الجزائرية. يُظهر المسجد التزام الجزائر بتعزيز الفهم الديني والتسامح الثقافي، ويعد مكانا للتأمل والسكينة.
مع تصميمه الفريد ومرافقه المتطورة، يعد جامع الجزائر رمزا للابتكار والتقدم في مجال العمارة الإسلامية، ويعبّر عن روح العصر ويلهم الأجيال القادمة بجماله وعظمته.
يعد جامع الجزائر شاهدا على الإرث الثقافي والديني للجزائر، ويُمثل محورا للجمع بين الماضي العريق والحاضر المتطور، مُسهما في بناء مستقبل مشرق للأمة الجزائرية، وهو أيضا مثال على الجهود المبذولة لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، ومكان يجتمع فيه الناس من مختلف الخلفيات للتعلم والتبادل الثقافي، ويُظهر التزام الجزائر بالتنوع والانفتاح.
يعتبر المسجد أيضا مركزا للابتكار في مجال العمارة الإسلامية، حيث يظهر كيف يمكن دمج التقنيات الحديثة مع التصميم التقليدي لخلق مساحات عبادة تلبي احتياجات المجتمع المعاصر، وهو تحفة معمارية ومركز روحي يعبر عن الهوية الجزائرية، ويسهم في تعزيز الفخر الوطني. إنّه يمثّل التزام الجزائر بالحفاظ على تراثها الثقافي والديني مع التطلع نحو مستقبل مزدهر ومتناغم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.