ستخرج عما قريب إلى القائد مروان البرغوثي قصيدة - المتوكل طه منذ خمسٍ وعشرينَ يجلس مُنفرداً في الزَنازينِ، يقرأُ ما خَلَّفتهُ الأصابعُ من دمِها وهي تكتبُ تقويمَها المستحيلَ.. وثمةَ ما لا نراهُ من الرُّعبِ والهَلعِ البَربريِّ، ولمّا تَشقّق قلبُ النبيِّ الذي ثارَ مُنْحَفِراً في الشِّعار. منذ خمسٍ وعشرين يكتبُ للناسِ أسفارَهُم للرّجوعِ، كأنّ الذي خلفَ قُضبانِهِ ظلّ مُتّصِلاً بالبنفسجِ، حتى يكونَ الوصولُ إلى وطنٍ؛ كلُّ ما فيهِ أقربُ من رَفَّةِ العينِ أو نبضةٍ في الضلوعِ، وأنَّ الذي راح يوماً سيرجعُ، ثانيةً، كاملاً دونَ نقصٍ، إلى أوّلِ العتباتِ، بكلِّ المفاتيحِ.. ثُمَّ تَذَكّرَ أنَّ السنينَ أتَتْ بالمَشِيبِ، ولم يبقَ عُمْرَاً ليشهدَ عَودةَ ذاكَ القطار. وأسألُ: هل يهرمُ البحرُ والأغنياتُ أو الحُبُّ والصَلواتُ؟ وهل ترتخي الريحُ والعاصفاتُ؟ وهل تنطفي جَمْرةُ السّيلِ حين تُحَرِّقُ وادَ الظلامِ وتنكسرُ الجارفاتُ؟ ربّما قد تَغَضَّنَ وَجهُكَ وابيَضَّ شَعرُكَ.. لكنّهُ القلبُ مثلُ المَجَرَّةِ في الصدرِ، يحملُ أنوارَه للمدار. ستخرجُ عمّا قريبٍ.. كأنّي أراكَ تُغَسِّلُ أسوارَ قلبي، وتخطبُ في منبرِ الزّعفرانِ، كما كنتَ تَخْطبُ في الوردِ كي يكسرَالنَّصْلَ إنْ مَسَّ جُوريَّةً في الجوار. هذا العذابُ سيصبحُ حُريّةً يا صديقي.. ومِن جوعِكم تصنعون الحياةَ، ويولدُ حقلُ الشقائقِ، من دَمِكُم، للنهار. وها قد تَوالَدتَ مع كلِّ طفلٍ ولونٍ، وداليةٍ شَهَقتْ بالعناقيدِ؛ حمراءُ تقطرُ فوقَ الوسائدِ بالقَوسِ.. في كلِّ دار. وها قد تناسختَ مع كلِّ نوّارةٍ في السفوحِ تَزخُّ بِإكْليلِها المَريَميِّ.. إلى أنْ تظلَّ النوايا البريئةُ زاهرةً بالصغار. وها قد تناسَلتَ في سَبَجِ الليلِ من عَسلِ الواجدينَ، ومن نَرْجسِ الّلاهثينَ.. على الرّغمِ من شَبَحٍ ضَجّ خوفاً بكفِّ الرّصاصِ.. وما زال مُرتَعِداً في الكِفار. وها قد تكاثرتَ مع كلِّ صُبّارةٍ أنشَبَتْ شَوكَها في مَمرِّ الغريبِ.. ليبقى الزُمُرّدُ مُتّقِداً بالأُوار. وثمَّةَ مليونُ مروانَ يَبنونَ ساريةً فوقَ هذا الدمار. وأنَّ سوادَ لياليكَ فَحمٌ تَوهّجَ في كلِّ موقدةٍ.. فانظروا كيف أنَّ البحارَ سترجعُ ثانيةً من جديدٍ.. وتبعثُ أضواءَها للفنار.