رغم كل قرارات مجلس الأمن الدولي وتصنيف القضية الصحراوية على أنها تصفية استعمار من آخر مستعمرة في القارة الإفريقية، إلا أن المجلس الدولي يبدو عاجزا أمام تحقيق العدالة وحرية الشعوب وإحلال السلام كما ينصّ عليه ميثاق تأسيس المنظمة الأممية، ويرجع ذلك إلى ميزان القوى داخل هذه المؤسسة الدولية، وتضارب مصالح أعضائها بين مؤيد للشرعية، ومساند للطرح الاستعماري المغربي الذي لا يحترم حق الشعوب في تقرير المصير. حل القضية الصحراوية وإن كان واضحا ولا لبس فيه، إلا أن التطبيق على أرض الواقع يبدو أصعب مما يمكن اعتقاده، لأسباب يمكن أن نجمعها في ثلاث نقاط، أولها عدم جدية مجلس الأمن في إنهاء الصراع بين المغرب والصحراء الغربية التي مازالت تحت الإدارة الاسبانية، باعتبارها إقليما غير متمتّع بالاستقلال، وذلك بسبب تضارب استراتيجيات الدول الخمس دائمة العضوية فيه، فهي تحتفظ بالوضع الراهن وتوظفه طبقا لما يخدم مصالحها، وكما تقتضي المصلحة المبنية على البقاء للأقوى في العلاقات الدولية، وتستخدم هذه القوى النزاع لإلهاء هذا الطرف أو ذاك، وتستنزف قوى دول المنطقة في صراعات وهمية. وثاني الأسباب، هو منع تشكيل اتحاد مغاربي قوي قد يصبح منافسا للتكتلات الاقتصادية في المنطقة، ويتحوّل إلى قوة اقتصادية بالنظر إلى الموارد الطبيعية التي تزخر بها منطقة المغرب العربي، كما أن الوحدة السياسية لدول المنطقة ستوحد المواقف السياسية، وهذا ما لا يريده الغرب طبقا لسياسة فرق تسد. نظام عميل يزعزع استقرار المنطقة ثالث الأسباب هو وجود نظام عميل يجسده "المخزن" الذي لا تهمّه مصالح شعوب ودول المنطقة، بقدر ما يهمه الاحتفاظ بالعرش، ولو على حساب شعبه بتضييق الخناق عليه، وخرق الهدنة والدخول في مواجهة عسكرية مع الجيش الصحراوي من أجل التغطية على الفشل السياسي الداخلي، وصرف أنظار الشعب عن المشاكل والمصاعب الاقتصادية التي يتخبّط فيها والتي تُغرق المملكة في الفوضى والإضرابات التي باتت تعمّ جميع القطاعات. الكفاح المسلح حتى استرجاع الحرية وأمام هذا الوضع، أكدت جبهة بوليساريو مرارا أنها تتمسّك بالخيار العسكري والكفاح المسلح مع الإبقاء على باب الدبلوماسية مفتوحا في حال أراد الاحتلال المغربي إنهاء النزاع الثنائي، بينه وبين الصحراء الغربية، بالخروج من الأراضي المحتلة. وفي السياق، جاءت نتائج المؤتمر السادس عشر لجبهة بوليساريو المنعقد في الفترة بين 13 و23 جانفي 2023، تحت شعار "تصعيد القتال لطرد الاحتلال واستكمال السيادة"، وهو الأول منذ استئناف الأعمال العسكرية مع المحتل المغربي. وقد أكد المؤتمر على خيار الكفاح المسلح وضرورة حشد كل الوسائل لتصعيده إلى غاية استكمال السيادة على كامل الأراضي الصحراوية، وجدّد استعداد الطرف الصحراوي للتعاون مع جهود الأممالمتحدة الرامية إلى تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في أفريقيا. كما جدّد المؤتمر موقف الطرف الصحراوي "الثابت" في رفض أي مسعى أو مقاربة تهدف إلى مصادرة حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف ولا المساومة في تقرير المصير والاستقلال. وحدّد المؤتمر أولويات الفعل الوطني في المرحلة المقبلة والتي يتقدمها "ميدان الدفاع وميدان جيش التحرير الشعبي الصحراوي باعتباره أولوية الأولويات، رأس الحربة في معركة الوجود والمصير والكرامة" والذي شدّد على ضرورة إيلائه العناية والاهتمام، على جميع النواحي، ماديا وبشريا، حتى يكون في أعلى مستويات الجاهزية، حسب بيان المؤتمر الختامي. وفي السياق ذاته، علّق ممثل جبهة البوليساريو بالأممالمتحدة والمنسق مع المينورسو، الدكتور سيدي محمد عمار، على جلسة مشاورات مجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية المنعقدة قبل يومين، بالقول "إن الميدان كساحة للاشتباك المباشر مع العدو وكمجال للفعل والمقاومة في الأراضي المحتلة يبقى هو العنصر الوحيد الكفيل بخلق وتعزيز ميزان القوة الضامن لتحقيق تطلعات شعبنا المشروعة في الحرية والاستقلال". وشدّد على أن "استئناف الشعب الصحراوي لكفاحه المشروع في 13 نوفمبر 2020، عقب خرق المخزن اتفاق الهدنة الموقع العام 1991، يبقى هو عنوان المرحلة وإطار الفعل الوطني الصحراوي الذي رسمه شعار المؤتمر السادس عشر للجبهة، فضلا عن كونه الإطار العام للتعامل مع عملية الأممالمتحدة للسلام بمختلف أبعادها السياسية والميدانية". لا بديل عن الاستفتاء وأضاف المتحدث يقول إن "مجلس الأمن دأب على تمديد ولاية المينورسو دون الوصول إلى تنظيم لاستفتاء تقرير المصير، بسبب حالة الجمود التي توجد فيها عملية السلام والتي تعود بالدرجة الأولى إلى "عرقلة الاحتلال المغربي وتقاعس مجلس الأمن، تحت تأثير بعض من أعضائه الفاعلين". وشدّد ممثل جبهة البوليساريو على أن استفتاء تقرير المصير يبقى "السبيل الوحيد المؤدي إلى الحل السلمي والعادل والدائم لقضية تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية"، مضيفا بأن "ما عدا ذلك، فهو مجرد دوران في حلقة مقاربة الغموض الهدام التي تحاول من خلالها بعض الأطراف تمييع الطبيعة الدولية للقضية الصحراوية وإطالة معاناة الشعب الصحراوي، ظنا منها أن جرائم دولة الاحتلال ستسقط بالتقادم". وجدّد ممثل جبهة البوليساريو التأكيد على أن "الشعب الصحراوي مصمم على استرجاع سيادته على كامل ترابه الوطني مهما كلف ذلك من ثمن". من جهة أخرى، قال السفير الصحراوي بأنه "رغم المجهودات التي يقوم بها المبعوث الشخصي لتفعيل العملية السلمية، غير أن المشكل الجوهري ما زال قائما بسبب التلازم بين غياب الإرادة السياسية لدى دولة الاحتلال وتقاعس مجلس الأمن الدولي عن ضمان التنفيذ الكامل لولاية المينورسو". وخلص السفير إلى القول إن سعي بعض الأطراف لحصر دور مجلس الأمن في "دعم مجهودات المبعوث الشخصي" ما هو إلا "محاولة لتبرير هذا التقاعس وتحويل مركز ثقل إدارة عملية السلام من المجلس إلى المبعوث الشخصي". تأييد دولي وشعبي متزايد للحق الصحراوي خلال الأشهر الأخيرة، شهدت القضية الصحراوية دعما متزايدا من عديد الدول خاصة في أمريكا اللاتينية، حيث أكدت كل من نيكاراغوا والمكسيك واكوادور والبيرو، موقفها الثابت والدائم في دعم حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال، وممارسة حقه في الاختيار من خلال تفعيل بعثة مينورسو وتنظيم الاستفتاء الذي ينتظره الصحراويون منذ 33 سنة، وأكدت الدول الأربعة أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة (لجنة تصفية الاستعمار)، أن إجراء الاستفتاء الذي تشرف عليه الأممالمتحدة لتقرير مصير الشعب الصحراوي، "أمر حاسم في حل هذا الوضع الاستعماري"، باعتباره حلا عادلا يحترم إرادة الشعب الصحراوي، طبقا للوائح وقرارات الأممالمتحدة ووفقا للقانون الدولي. وأكدت على أهمية الاستماع إلى إرادة الشعب الصحراوي، واحترام حقه في تقرير المصير". وفي أوروبا، عقدت الندوة ال47 للتنسيقية الأوروبية للدعم والتضامن مع الشعب الصحراوي (أوكوكو)، نهاية السنة الماضية، وأكد بيانها الختامي على دعمها للشعب الصحراوي في كفاحه من أجل تقرير المصير والاستقلال"، ودعا المجتمع الدولي للكفّ عن عرقلة نضال الشعب الصحراوي من أجل نيل حريته واستقلاله، مثلما ينصّ عليه القانون الدولي"، كما دعا الأممالمتحدة ومجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياتهما بخصوص استفتاء تقرير المصير لاستقلال الصحراء الغربية وإنهاء الاحتلال المغربي للشعب الصحراوي والصحراء الغربية، وطالب أيضا بعثة المينورسو بضمان احترام حقوق الإنسان في الأقاليم المحتلة للصحراء الغربية" و«طلب من المغرب إطلاق سراح المعتقلين فورا مع السماح للملاحظين والمنظمات الدولية بالدخول للإقليم". خاصة مع الحرب المعلنة التي يشنها المحتل المغربي ضد الشعب الصحراوي الاعزل في المناطق المحتلة، وضد المعتقلين السياسيين والمناضلين من أجل حرية الصحراء الغربية، الذين يعانون ظروف أسر واعتقال مهينة، لا ترقى للسلوك الإنساني، دون أن ننسى قرارات محكمة العدل الأوروبية الصادرة في 2021 و2024، والتي تؤكد على أن الإقليمين منفصلين، ولذلك قضت القرارات ببطلان اتفاق الصيد البحري والفلاحة الموسعين إلى الصحراء الغربية. فضيحة تاريخية وبالتركيز على اسبانيا، وبالنظر إلى محورية دورها في تحديد مصير الصحراء الغربية باعتبارها مديرة الإقليم ومستعمرا سابقا، فإن المجتمع المدني والأحزاب السياسية هناك، تعارض الموقف المنفرد لرئيس الوزراء، بيدرو سانشيز الذي اعترف بالطرح الاستعماري المغربي أحادي الجانب، وهو ما لا تعترف به الأممالمتحدة، وفي هذا الصدد، صوت البرلمان الإسباني منتصف مارس، لصالح مقترح يدعو الحكومة لتصحيح موقفها حول الصحراء الغربية والعودة إلى التوافق السياسي، وهو ما اعتبرته البوليساريو "انتصارا للقضية وللشرعية الدولية". في وقت وصفت الطبقة السياسية في اسبانيا موقف سانشيز ب«الفضيحة التاريخية"، أكدت النائب الثاني لرئيس الوزراء الاسباني ووزيرة العمل والاقتصاد الاجتماعي، يولاندا دياز، على ضرورة أن يمر موقف إسبانيا عبر "الحوار واحترام الإرادة الديمقراطية للشعب الصحراوي". من جهتها، أعلنت زعيمة مجموعة "متحدون نستطيع" في السلطة التنفيذية الاسبانية، رفضها لموقف رئيس الحكومة الذي غير من الموقف التاريخي لإسبانيا حول الصحراء الغربية، مجدّدة "التزامها بالدفاع عن الشعب الصحراوي وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". وشدّدت في تغريدة لها عبر "تويتر" على أن الحل يجب أن يكون "من خلال الحوار". وفي السياق، قالت الأمينة العامة لحزب "بوديموس" ووزيرة الحقوق الاجتماعية، إيون بيلارا، هذا النزاع يتطلّب "حلا سياسيا عادلا ودائما ومقبولا من جميع الأطراف وفقا لقرارات مجلس الأمن التي تنص على حرية تقرير الشعب الصحراوي مصيره"، مشدّدة على أن "إسبانيا يجب ألا تحيد عن القانون الدولي". وتسبب الموقف الشاذ لسانشيز، ولأول مرة، في اتفاق أقصى اليمين مع أقصى اليسار، حيث صعّد "حزب الشعب" اليميني من لهجته، مطالبا بمثول بيدرو سانشيز أمام الجلسة العامة لمجلس النواب ليشرح "هذا التغيير"، حسب ما جاء على لسان المتحدثة باسم الحزب، كوكا غامارا. وقالت في بيان صحفي: "نحن نعتبر أنه من غير المقبول أن يتمّ هذا التحوّل من موقف سياسي توافقي تقليدي، وهو بلا شكّ سياسة دولة لا يمكن التلاعب بها، دون إبلاغ حزب المعارضة الرئيسي"، وهو الأمر الذي اعتبرت أنه "يزيد في الواقع من الانقسام في السلطة التنفيذية"، مضيفة أنه "موقف لا يعكس كل الحكومة الاسبانية". وكذلك عبرت البرلمانات المحلية في كتالونيا وإقليم الباسك عن دعمها غير المشروط لكفاح الشعب الصحراوي، وحقه في تقرير المصير. محاولات يائسة لفكّ العزلة وأمام هذا الدعم الدولي والشعبي، وجد المخزن نفسه في عزلة دولية كبيرة، جراء انتهاكات حقوق الشعب الصحراوي، ما أثبت للعالم أجمع أن الأمر يتعلق بقضية تصفية استعمار وبمسألة تحرير شعبي. وراح الاحتلال يبني الأمل على المواقف الشاذة لحلفائه في الاتحاد الاوروبي، من أجل التحايل على الشرعية الدولية، من خلال إغرائهم بالاستثمارات في الصحراء الغربية، حيث عقدت الغرفة التجارية الاسبانية، بالتزامن مع الجلسة التشاورية لمجلس الأمن حول الصحراء الغربية، مؤتمرا لجلب الاستثمارات إلى الأراضي الصحراوية بالتعاون مع الاحتلال المغربي، بينما أعلنت فرنسا - في وقت سابق - رغبتها في إقامة مشاريع استثمارية في الأراضي المحتلة، رغم قرارات محكمة العدل الأوروبية التي تنص على أن الصحراء الغربية والمملكة المغربية إقليمان منفصلان. إنهاء النزاع سلام للجميع أثبت النزاع في الصحراء الغربية، بين المغرب والصحراء الغربية، أن المخزن، وبعد نصف قرن من التعنت والتآمر والغطرسة، لم يحقق هدفه في إخضاع الصحراويين المصرين على نيل الاستقلال، كما أن محاولاته جرّ دول أخرى لتصطف إلى جانبه في نزاعه مع البوليساريو، بدفع الرشاوى والإشراك في نهب ثروات الإقليم المحتل، كانت تنتهي دوما بالفشل، إذ سرعان ما تنقلب الأمور ضده ولا يجني غير الفضائح الدبلوماسية المتتالية. وقد قوّض تعنّت المخزن، بناء السلم في المنطقة التي كان يمكن أن تصبح منطقة رفاه اقتصادي واجتماعي نظرا لما تزخر به من ثروات باطنية، ومقومات مشتركة كاللغة والدين والتاريخ المشترك.