مكاسب وآفاق اقتصادية واعدة تحيي الجزائر العيد العالمي للعمال هذه السنة بمكاسب وتحديات، حيث بدأت تجني عائدات السياسة الاقتصادية المنتهجة في السنوات الأربعة الماضية بما يحمي القدرة الشرائية للمواطنين، ويصون كرامة كل الفئات العمالية، في وقت يتواصل جهد السلطات العمومية لإطلاق استثمارات كبرى ومضاعفة فرص الشغل. بالعودة قليلا إلى الوراء وتحديدا سنتي 2020 و2021، كان قطاع العمل أحد أكبر ضحايا فيروس "كوفيد-19"، حيث تعرّض لشلل كلي وجزئي أدى إلى توقف عديد الأنشطة الاقتصادية وفقدان الملايين لمناصبهم. الجزائر من البلدان القليلة التي صنعت الاستثناء، وأظهرت مقاومة شرسة لهذه التداعيات المدمرة، حيث حافظت على مناصب الشغل، وأخذت الدولة على عاتقها تعويض ما يمكن تعويضه من الخسائر الاقتصادية، دون السماح بحدوث نزيف للموارد البشرية على مستوى المؤسسات. ولأنّ عيد العمال، المصادف للفاتح ماي من كل سنة، يمثل وقفة للتقييم والتأمل في واقع الشغل عموما، لابد من العودة إلى تلك الفترة الصعبة، وما أظهرته المؤسسات الجزائرية من قدرة فائقة على مقاومة التبعات الجارفة للأزمة الصحية، ومدى صواب السياسية العمومية في هذا المجال. الأرقام الرسمية التي قدّمتها الحكومة بشأن الحالة الصحية للمالية العامة للبلاد، ومؤشرات خلق مناصب الشغل، تؤكّد أنّ رؤية رئيس الجمهورية للتعامل مع وضع متأزم ناجم عن ظرف خارجي وبرنامجه القاضي بتحقيق الإنعاش الاقتصادي، بنيت كلها على خيارات سليمة. وفي ظرف أربع سنوات، تبرز مكاسب ملموسة يمكن الوقوف عليها بسهولة، مع فارق التفوق على العوامل الخارجية القاهرة، إذ يعد الحفاظ على مناصب الشغل زمن الجائحة العالمية مكسبا، كما تمثل الزيادات في الأجور والتي تمت على أربع مرات، مكسبا مهما للغاية أيضا، مع العناية الخاصة بفئة الشباب البطالة عبر سن منحة تصون الكرامة. وسمحت سياسة رئيس الجمهورية في إدارة موارد البلاد بصون كرامة الجزائريين، حيث أخذت الدولة على عاتقها التكفل بالخسائر، في الفترة ما بين 2020 و2021، لتبدأ في السنتين الأخيرتين تعويض كل تلك الخسائر، بالتزامن مع إطلاق برامج التنمية الشاملة من خلال المشاريع الهيكلية الكبرى كمرحلة أولى ثم فتح الباب أمام الاستثمار الاقتصادي بمحفظة مشاريع بقيمة 6000 مليار دج. وتكشف الأرقام الرّسمية المعلنة من قبل رئيس الجمهورية، في آخر مقابلة له مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، أنّ الزيادات في الأجور مع بداية سنة 2024 بلغت 47 بالمائة، لتتضاعف بحلول 2026-2027 لتصل 100 بالمائة. وعمليا سمحت هذه الزيادات لكل من يتقاضى 30 ألف دج شهريا، بأن يتقاضى أزيد من 50 ألف دج شهريا، وقد أخذت الحكومة على عاتقها عامل التضخم الذي يقلل من الأثر الفوري لهذه الزيادات، لكن مضاعفة الإنتاج الاقتصادي الوطني والانخفاض المسجل في أسعار المواد الغذائية الطازجة، أعطى الكفة الكاملة لصالح سياسة الدولة. الكرامة وردّ الاعتبار لقد توزّع الجهد العمومي في حماية القدرة الشرائية على مختلف الفئات العمالية، ويمكن ملاحظة اعتماد التصنيف والتسلسل في رد الاعتبار لكل سلك من الأسلاك، على غرار الأطباء (الجيش الأبيض)، الأساتذة والمعلمين وعمال التربية، الأساتذة الجامعيين، الأئمة، والوظيف العمومي، وأخيرا المتقاعدين والشباب البطال. وسيدرس مجلس الوزراء القادم اقتراحات الحكومة لصب الزيادات الجديدة للمتقاعدين، والتي سيتم إقرارها بعيدا عن الزيادات السنوية، وذلك مراعاة لتطور المستوى المعيشي، والأخذ بعين الاعتبار وضع هذه الفئة التي أدّت ما عليها في مرحلة معينة. وبالموازاة مع تعزيز وحماية القدرة الشرائية للجزائريين، بما يخدم مبدأ صون كرامة المواطن، أطلقت الدولة سلسلة مشاريع ضخمة، منها ما يعد الأكبر في العالم على غرار منجم غارا جبيلات، ومنجم الفوسفات في بلاد الحدبة، وآخرها مشروع إنتاج بودرة الحليب مع الشريك القطري "بلدنا". هذه المشاريع التي تمّت عن طريق الإنفاق العمومي بحوالي ألف مليار دج، بالنسبة للمناجم وخط السكة الحديدية (تندوف - بشار)، تخلق آلاف مناصب الشغل عند الإنجاز وعند الاستغلال، ناهيك عمّا توفّره من بيئة اقتصادية محيطة تخص المناولة والتحويل وشبكات التوزيع واللوجيستيك. إذ يوفر مشروع إنتاج بودرة الحليب والأعلاف واللحوم لوحده 5 آلاف منصب شغل مباشر، توزع على ثلاث ولايات، ناهيك عن مناصب الشغل غير المباشرة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي سترتبط به. بينما سمح رفع العراقيل عن المشاريع العالقة في إطار منح رخص الاستغلال، بخلق 52 ألف منصب شغل مباشر، ومضاعفة المنتجات المصنعة محليا، وتكريس التوجه نحو رفع الصادرات خارج قطاع المحروقات. وإلى جانب المكاسب المحقّقة، يبقى التحدي في مساهمة القوة العاملة الجزائرية على تنفيذ كل هذه المشاريع التي ستغيّر وجه الاقتصاد الجزائري كليا، وتضعه في قاطرة الاقتصادات الإفريقية في آفاق 2026، وتقلّب نموذجه القائم حاليا على المحروقات، بحيث تصبح هذه الأخيرة عاملا مكمّلا لعناصر القوّة الاقتصادية. إدراج الجزائريّين لهذه الرهانات، وقدرة الحكومة على ترجمة هذه الرؤية السيادية على أرض الواقع، يجعل من المرحلة المقبلة فترة التحدي الاقتصادي الوطني، الذي يعود على البلاد بمنافع جمّة.