تعود سيرة الفنان التشكيلي الراحل لزهر حكار (1945- 2013) لتضيء رواق المتحف العمومي الوطني للفنون الجميلة في معرض خاص به، تحت عنوان "لزهر حكار.. حياة"، يضمّ مجموعة لوحات تعكس مسار مبدع نهل من تراث ثقافته الجزائرية وترجم ذلك الزخم بتقنيات وأسلوب حمل توقيعه وبصمته. ويأتي هذا المعرض الاستذكاري، الذي يستمر إلى غاية 31 جوان المقبل، في إطار احتفاء الجزائر بشهر التراث، وهو من تنظيم المتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر (الماما)، بالتنسيق مع المتحف العمومي الوطني للفنون الجميلة، حيث تعرض برواق البرونز مجموعة مميّزة من أعمال الفنان الراحل الذي اشتغل على العلامات التراثية في الثقافة الجزائرية وحاور من خلال ريشته التفاصيل التي شكّلت مواضيع رسومات تثير إعجاب من يشاهدها وتسائل مخيّلته وأفكاره. وتستوقف، في هذا الإطار، لوحة "رقان.. حتى لا ننسى" المنجزة بتقنية الأكرليك على القماش الزائر لهذا المعرض بجماليتها ورمزيتها الإنسانية، وهي التي تحاكي تاريخ التجارب النووية بالجنوب الجزائري في فترة الاستعمار الفرنسي، وما ترتّب عنها من دمار مادي ومعنوي، وهي لوحة من الحجم الكبير تنفجر بداخلها ألوان باردة وأخرى دافئة وبينهما أجساد متفاعلة متأثرة بهول الموقف. وفي لوحة "ليلة عصيان" بتقنية مختلطة على الورق، نقل الفنان نظرته لإفريقيا المكافحة ومناهضتها لأشكال العبودية، مستلهما أشكاله من الأقنعة الإفريقية التراثية التي يستعين بها السكان في المناسبات الطقوسية والاجتماعية لتمثيل أرواح الأجداد، وبألوان ترابية ترك الانطباع للزوار بأنّهم أمام أقنعة صخرية تأبى أن تتحرك أو تندثر. ويفتح هذا المعرض المجال أمام الزوار للسفر بين صفحات التاريخ وقصص المجتمعات ومظاهر حياة الأفراد وأحلامهم، والتعرف على تقنيات الرسم التي تحكّم فيها حكار وأبدع فيها، خاصة في الفترة من 2002 إلى 2012، والتي تراوحت بين تقنيات الأكرليك على القماش إلى تقنية مختلطة بورق الذهب على الورق وأيضا باستعمال الحبر على الورق. واحتفى الفنان بالحياة في كلّ تجلياتها كما هو الحال في "الرقصة الأخيرة" حيث يغمر اللون الأزرق أجساد الراقصين، ليتغير مزاجه الفني في لوحة "ديمقراطية" و«ألم 9" و«إشارات أحلام"، وهذه الأخيرة كأنّها أخاديد على رقعة قماش مرّ عليها سكينه المتأمل في خيالات أجساد وحروف تيفيناغ وأشكال زخرفية تذكرنا بالأواني الفخارية بمنطقة الأوراس. وتكشف الأعمال المعروضة إضافة إلى الجانب التقني والتشكيلي للفنان الراحل مقاربته الأدبية والفلسفية للمواضيع كما هو الحال في لوحة "حيزية" وكلّ اللوحات الأخرى التي كرسها لهذه الشخصية التراثية الجزائرية، مبرزا حضورها في المخيال الشعبي الجزائري، من خلال ألوان مضيئة وخطوط اقتربت من بعض ملامحها الجميلة ليضعها في قلب الصورة التشكيلية. وتتأكّد ثقافة الراحل حكار الأدبية من خلال العناوين التي اختارها للوحاته، باعتبارها عتبات أخرى لفهم رؤيته الفنية ومدخل يقرب المتلقي إلى بعض الأفكار التي انتفضت في ذهنه نذكر منها "ما وراء الكتابة"، "رفع الستار"، "مصير اثنين"، "لحاء الذاكرة"، "ذاكرة الأطفال"، "أسطورة نسوية"، "النص الأخير"، "إشارات لا تمحى"، "خيالات متمردة"، "افق ضبابي"، "المنسي من الزمن"، "لا تنسوا الفقراء"، وجميعها عبارة عن مهرجان من ألوان متلاحمة تحكي نصا حياتيا قابلا للتأويل. ويتميّز أيضا هذا المعرض بتقديم دفاتر ومشاريع رسومات كان الفنان قد خطّها بالأبيض والأسود تظهر مهاراته وانشغاله الدائم بالتفكير في أشكال تترجم حالته الإبداعية وتسعف رغبته في التلوين لاحقا، كما يضمّ مختارات من صور فوتوغرافية وقصاصات جرائد تحدث فيها الراحل عن قصائده المرسومة ورحلة البحث في تصوير التراث الجزائري بعيدا عن التصوير النمطي الذي قد يفقد هذا الإرث العريق معناه الثقافي والحضاري والإنساني.