أثارالدكتور في الاقتصاد والأستاذ المحاضر بجامعة الجزائر غويني العربي طبيعة وسياسات التشغيل المنتهجة في اطار مواجهة ظاهرة البطالة التي لا تزال تشكل تحديا عويصا أمام الحكومة رغم الجهود التي تبذل لتوفير المزيد من مناصب الشغل. ❊❊ كثر الحديث مؤخرا عن سياسات التشغيل، كيف تقيمها في ظل الأوضاع الراهنة التي تميز الاقتصاد الوطني؟ ❊❊❊❊غويني العربي أصبح موضوع سياسات التشغيل في الجزائر في الوقت الراهن من بين الموضوعات التي أثارت وتثير الكثير من الجدل على مختلف المستويات الفكرية والسياسية والعلمية، وهذا راجع إلى صعوبة الوصول إلى تحديد سياسة مثلى تمكننا من السيطرة والقضاء على العوامل التي تزيد من نسب البطالة. لقد تعرض الاقتصاد الجزائري في حقبة الثمانينيات خاصة بعدما أزمة انهيار أسعار البترول 1986 إلى هزات عنيفة كان بين آثارها تدني معدل النم والاقتصادي، ارتفاع معدل التضخم، الزيادة في عجز الموازنة العامة للدولة، تفاقم عجز ميزان المدفوعات وقد رافق ذلك ارتفاع في حجم المديونية، وأمام هذا الوضع الاقتصادي المتردي طرقت الجزائر أبواب الدول الدائنة من أجل إعادة جدولة ديونها واسترداد الثقة الائتمانية المفقودة، لكن هذه الدول اشترط عليها مسبقا ضرورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وبعد جوالات من المفاوضات توصلت الجزائر إلى الاتفاق مع هاتين الهيئتين، وكان جوهر الاتفاق يفرض على الجزائر تطبيق برنامجا للتثبيت الاقتصادي والتصحيح الهيكلي، وقد تم البدء في التطبيق سنة 1990 إلى غاية 1998. وكان ذلك على حساب الجبهة الاجتماعية التي دفعت فاتورة باهضة، بعد تسريح العديد من العمال، فارتفعت بذلك نسب البطالة لتشمل فئة خريجي الجامعات، ورافق ذلك ارتفاع في نسب الفقر، وارتفاع معدل التشغيل غير الرسمي. أمام هذا الوضع المتردي، بادرت السلطات العمومية في الجزائر بمجموعة من الإجراءات والتدابير من أجل التخفيف من التكلفة الاجتماعية الناجمة عن تطبيق الإصلاحات الاقتصادية المفروضة، حيث أنشأت أجهزة وبرامج للحد من نسب البطالة المرتفعة، وتنظيم سوق العمل وإحداث فرص عمل جديدة، وقد شهدت هذه الأجهزة والبرامج عدة تطورات وتغيرات، كانت في مجملها تهدف إلى تحقيق التفاعل والانسجام فيما بينها، وفي ظل نفس السياق فإن تقييم آليات وأجهزة التشغيل في الجزائرلا يمكن حصرها فقط في تحليل فعليتها وانسجامها، بل ينبغي التركيز أيضا على أهمية هذه الأجهزة والبرامج في ظل المستجدات الاقتصادية والمالية التي يعرفها العالم بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة. ❊❊ هل نجحت سياسات التشغيل المتبعة من طرف الحكومة في التخفيض من نسب البطالة؟ ❊❊ ❊❊ ان مفهوم العمل يختلف عن مفهوم التشغيل. فالأول يقود بالضرورة الى الثاني والى مفهوم القوى العاملة. أي: القدرة على العمل الرغبة فيه البحث عنه بأية صورة. - ولهذا لا بد أن ينصب اهتمام الحكومة في الظرف الحالي على : توفر فرص عمل للقوى العاملة وخفض البطالة التي فاقت 10% وجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية يمكن إيجاز أهم الاعتبارات المحيطة بظاهرتي التشغيل والبطالة فيما يلي: ضخامة حجم الوافدين الجدد الى سوق العمل. هذا الفيض من القوى العاملة يجعل طلب العمل ليس لتلبية حاجات الأفراد فقط وإنما لتلبية حاجات أفراد الأسرةككل. إن توفير فرص العمل للعاطلين يمثل بحق أكبر التحديات التي تواجه التنمية المستدامة في الجزائر، فقضية توفير فرص العمل للمواطنين أصبحت تطرح بصورة مختلفة، حيث أن الجزائر، مدعوة بإلحاح إلى استحداث أكثر من 400 ألف فرصة عمل جديدة سنويا لأبنائها. وينظر عادة إلى الانفتاح باعتبار هو سيلة لنقل وتوطين التكنولوجيا المتقدمة، وذلك عن طريق استقطاب الاستثمار. فالعلاقة بين العمل والاستثمار شديدة الوضوح، فعن طريق الاستثمار يتم استحداث فرص عمل، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وتيسير فرص التصدير، والمزيد من العمل والإنتاج اللذين يوفران فرصا أكثر للاستثمار. وتؤكد التجربة في بلادنا بأن المشكلة الرئيسية للتنمية هي ندرة أو ضعف الاستثمارات المحلية أو الأجنبية، خارج نطاق المحروقات، ثم إن فرص الجزائر في إطار السوق الدولية للاستثمار محدودة، رغم أن بلادنا تبذل جهودا كبيرة لتشجيع الاستثمار العربي والأجنبي. ❊❊ وماذا هن تقييم أجهزة التشغيل في الجزائر بعد برامج الإصلاحات الاقتصادية ؟ ❊❊ ❊❊ قامت الجزائر بعد ظهور انعكاسات تطبيق سياسة الإصلاحات الاقتصادية المفروضة من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي على سوق الشغل، بإنشاء أجهزة جديدة لإدماج الشباب مهنيا منها الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، وأجهزة لدعم العمال الذين فقدوا مناصبهم الاقتصادية وعلى رأسها الصندوق الوطنية للتأمين عن البطالة. وقد تقرر إنشاء هذه الأجهزة منذ سنة 1987، خصصت لمرافقة الشباب البطال في مشاريعهم الخاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 19 30 سنة بالنسبة للأولى وبين 30 50 سنة بالنسبة للثانية حيث تم إدراج مسألة تشغيل الشباب كإحدى الانشغالات الأولية للسلطات العمومية. هناك العديد من أجهزة الشغل من بينها تلك المسيرة من طرف الوزارة المكلفة بالعمل وأهمها ؛ الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب (ANSEJ) الصندوق الوطني للتأمين عن البطالةCNAC) :) يعتبر الجزائر أول دولة عربية وثانية إفريقيا، بعد جنوب إفريقيا التي طبقت نظام التأمين على البطالة وذلك بإنشاء هذا الصندوق والهدف منه التكفل بالعمال المسرحين كنتيجة لتطبيق سياسات الإصلاحات الاقتصادية. الوكالة الوطنية للتشغيل (ANEM) ❊ الأجهزة المسيرة من طرف وزارة التضامن وغيرها من الوزارات: تهتم في الغالب بالمساعدة الاجتماعية للعاطلين عن العمل والمعوزين لذلك سنكتفي بالأجهزة التابعة لوزارة العمل والضمان الاجتماعي. أ- وكالة التنمية الاجتماعية (ADS) ب- الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر (ANGEM) ان تقييم سياسات التشغيل في الجزائر يؤدي الى التطرق الى تلك المجهودات المبذولة من طرف السلطات العمومية من أجل الحد من ظاهرة البطالة ، ولكن عادة مالا ترافقها دراسات ووقفات تقييمية من طرف مؤسسات رسمية، وهذا ما يفسر نظرية مشهورة في دول العالم الثالث وهي أن الإدارات المحلية أو المركزية تركز على تنفيذ العمليات دون تقييم النتائج. وهذا بدوره ينعكس على عدم قدرة السلطات العمومية على تحديد مدى نجاعة سياسات التشغيل المتبعة، وعليه فان تقييم سياسات التشغيل في الجزائر من وجهة نظري ينطلق من تقييم إجراءات الوظائف المؤجرة بمبادرة محلية، حيث أن تبني هذا النهج بدأ في سنة 1990 واستمر إلى غاية يومنا هذا، خاصة وانه يعتبر الوسيلة الوحيدة لتشغيل الشباب في المناطق المحرومة. النتيجة : بقاء الوظائف المنشأة في إطار هذا الإجراء تعاني اختلال في توزيعها وفق القطاعات الاقتصادية، حيث تتركز أغلب هذه المناصب في قطاع الخدمات بنسب تتراوح بين 48 % و95.2 % حسب وكالة التنمية الاجتماعية ، كما أن الحجم الكمي للوظائف في هذا السياق يخضع لمستوى التمويل في إطار الغلاف المالي الموجه لأجهزة التشغيل، مما يجعل هذه الوظائف تحت رحمة الأوضاع المالية التي تمر بها البلاد والتي أساسا مرتبطة بتقلبات أسعار النفط. - تقييم برنامج عقود ما قبل التشغيل / إدماج حاملي الشهادات : تم تبني هذا الأسلوب بعد الارتفاع الحاد في نسب البطالة في وسط خريجي الجامعات، حيث أصبحت الجامعة الجزائرية تبحث عن الكم بدل النوعية، بلغت مناصب الشغل المنشأة في إطار هذا البرنامج إلى غاية 2011 وفق وكالة التنمية الاجتماعية 410754 منصب شغل. النتيجة : عرف هذا البرنامج كذلك جملة من النقائص من بينها : - عدم وجود معايير واضحة لتشغيل الجامعيين مثل التخصص وسنة التخرج مما ترك ثغرة أثرت على التوزيع العادل لهذا الفئة. - تعرض هذه الفئة إلى الضغوطات والتهديد بالطرد وعدم الاستفادة من الإدماج بصفة دائمة. - ارتفاع معدلات البطالة المقنعة في هذا النوع من التشغيل مما يؤدي إلى عدم اكتساب الخبرة والمهارة. - ضعف الرواتب الممنوحة للمستفيدين. - تداخل الصلاحيات بين أكثر من هيئة رسمية لتسجيل طالبي العمل لهذه الفئة. - ضعف نسب التثبيت في القطاعات الاقتصادية بالمقارنة مع عدد المسجلين والراغبين في العمل. - التمركز الكبير للمستفيدين من مناصب شغل في إطار هذا البرنامج في الإدارة على حساب القطاعات الأخرى. - عدم المراقبة والمتابعة مما ينجر عنه تواطؤ بين حاملي الشهادات الجامعية وبعض الخواص في تسجيل أنفسهم على أنهم مشتغلون وأن تتحمل خزينة الدولة الأعباء على الرغم من عدم ممارسة أي عمل من طرف المستفيدين. - تقييم التنمية المشتركة : عرفت المشاريع المنجزة في إطار التنمية المشتركة اتساعا كبيرا حيث انتقلت من 207 سنة 2001 إلى 1138 سنة 2008 استفادت منها مناطق الهضاب العليا والجنوبية. النتيجة :يعتبر هذا البرنامج من البرامج الاقتصادية التي وجدت حلولا لظاهرة النزوح الريفي والمناطق المعزولة، لكنه عرف تعطيلا واسعا بسبب البيروقراطية وتداخل الصلاحيات في أكثر من جهة. - تقييم القروض المصغرة :عرفت انطلاقة محتشمة بداية من سنة 2005، لكن رغم ذلك فقد عرفت زيادة مستمرة في سنة 2010 بنسبة 3.03 % في اليد العاملة. النتيجة : وجود العديد من العقبات في هذا البرنامج من بينها : - عدم توفر الجزائر على نظام مالي خاص يمنح القروض المصغرة، مما نتج عنه غياب الشفافية وانعدام المتابعة للمشاريع الموجهة للشباب البطال. - ارتباط التمويل المصغر في الجزائر بالبنوك العمومية، حيث لا تولي هذه البنوك الاهتمام الكافي للتمويل المصغر. - صعوبة الإجراءات الإدارية والتنفيذية. - نقص الكفاءة المهنية والتسيرية للكثير من المستفيدين من القروض المصغرة. - عدم سداد القروض في آجالها المحددة حيث تشير الإحصائيات المتوفرة أن نسبة التحصيل القروض المصغرة بلغ 50.6 % من مجموع القروض المقدمة. - أما العائق الرئيسي في نموذج التسيير المتبع في هذه الوكالة، فانه يتعلق بالتسيير المركزي. - تقييم المؤسسات المصغرة المنشأة في إطار لونسيج:نلاحظ من خلال الإحصائيات المتوفرة لدينا أن هذه الوكالة قد ساهمت كثيرا في خلق مناصب شغل، حيث انتقلت النسبة من 0.003 % في سنة 1997 إلى 3.51 % في سنة 2009 - النتيجة : بالرغم من التطور الحاصل في التشغيل إلا أن هناك جملة من المشاكل: - الارتفاع المستمر لظاهرة التشغيل غير الرسمي. - وجود خلل في توزيع مناصب الشغل في إطار هذه الوكالة وفق القطاعات الاقتصادية - انعدام الثقافة الاقتصادية الاستثمارية للعديد من المستفيدين من هذه البرامج. - عدم مسايرة البنوك العمومية لتمويل المشاريع. - المستثمر في إطارلوندي يقوم بتضخيم الأرقام المتعلقة بتشغيل اليد العاملة حتى يتحصل على الموافقة. - عدم محاسبة المستفيدين من هذه الامتيازات، خاصة فيما يتعلق بعدم التزامهم بتوظيف العمالة المصرح بها في دراسة المشروع - عدم مسايرة النظام البنكي للكثير من المشاريع الاستثمارية. - البيروقراطية على مستوى الإدارات المحلية في تسهيل منح أو توفير الوعاء العقاري - كثرة الجهات الرسمية المتدخلة. - تقييم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إطارالكناك: جاء ليساعد البطالين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 سنة و50 سنة على إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة النتيجة : - ضعف مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إطار الصندوق الوطني لتامين عن البطالة في اليد العاملة، حيث لم تتعد نسبة 1 %. - ضعف مشاركة النساء مقارنة بالرجال - هروب العديد من الشباب من مشكلة الربا خاصة في بعض مناطق الجنوب ❊❊ اذن تحديات عديدة تواجهها سياسة التشغيل ما هو التصورالذي تراه مناسبا لتوفيرالمزيد من مناصب الشغل ؟ ❊❊❊❊ بالنسبة للتحديات تبرز مسالة انعدام العلاقة بين المؤسسات الاقتصادية والجامعات الجزائرية، من أجل التكفل الحسن بخريجي الجامعات. - عدم توفر البيئة الاستثمارية والقانونية الملائمة لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذا عدم قدرة الجزائر على جلب الاستثمار الأجنبي - عدم الاستقرار في التشريعات الصادرة، فمثلا أدت التعليمة الصادرة في 2008 والمحددة لنسبة مساهمة الأجنبي في الشركة 49 % أدت بالعديد من الشركات الأجنبية إلى خروجها من أرض الوطن - ضعف الوساطة، في سوق الشغل وجود اختلالات لتقريب العرض من الطلب في مجال التشغيل - عدم توفر شبكة وطنية لجمع المعلومات حول التشغيل، فنقص المعلومة يعيق الجهد المبذول في خلق الوظائف. - عدم مسايرة النظام البنكي للإصلاحات والجهود المبذولة من طرف الدولة في خلق مناصب شغل - تفضيل النشاط التجاري الذي لا ينشئ مناصب شغل كثيرة على حساب الاستثمار المنتج والمولد لمناصب الشغل - إصدار الكثير من القوانين والتشريعات دون أن تعرف طريقها إلى التطبيق - عدم التزام الهيئات المختصة أو التي لها علاقة بالتشغيل بالمتابعة الميدانية والمراقبة - تركيز جل الأنشطة والاهتمامات بمدن الساحل أو المدن الكبيرة. أما ما يجب على الدولة القيام به لضمان سياسة تشغيل ناجعة؟ يجب على الحكومة أن يكون دورها متزن خاصة عند وضع سياسات التشغيل وتشمل جميع أنحاء الوطن - يجب على الحكومة في هذه المرحلة بالذات أن تعمل جاهدة على تدعيم أداء السوق في ظل وجود منافسة حرة هادفة وفي سياق تشريعي وقانوني قوي - يجب على الدولة انتهاج المنهج البرغماتي الذي يضمن صيرورة الاقتصاد بكفاءة عالية، ولا يتحقق هذا المنهج إلا من خلال تزاوج رسمي واقعي بين قوى الطلب والعرض (وهنا تجدر الإشارة إلى ما تقوم به وزارة الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث أعادة بعث بعض المؤسسات العمومية التي كانت متوقفة. - يجب توفير قاعدة البيانات وإحصاءات دقيقة عن سوق العمل - يجب توفير البيئة الاستثمارية والقانونية التي تسمح بجلب الاستثمار الأجنبي - يجب تطبيق مبدأ الجزاء والعقاب بكل صرامة لكل من يتقن عمله أو يتقاعس عن أداء واجبه - يجب تطبيق أسلوب المقاربة المرجعية في إدارتنا ومؤسساتنا، وجعل جوائز تحفيزية لكل من يحقق نتائج ايجابية في مجال تخصصه - تشكيل لجان وطنية استشارية لتشغيل تكون قريبة من انشغالات المواطنين، وقريبة من الهيئات المسئولة من التشغيل. - يجب خلق توافق بين مخرجات التكوين (الجامعة التكوين المهني) واحتياجات الاقتصاد الوطني.