تشجيع الكتابة والإبداع.. وتثمين القراءة اعتبر الروائي الجزائري، عز الدين جلاوجي، خلال نزوله ضيفا على "منتدى الكتاب" المنظّم من طرف المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية ببرج بوعريريج، أنّ الزخم الثقافي والأدبي الذي كانت تعرفه الجزائر خلال الفترة التي سبقت الاستعمار الفرنسي للجزائر، لم ينل حظه من الدراسات، متسائلا عن مصير الدواوين والسرديات خلال فترة الزيانيين والفاطميين والحماديين والرستميين وغيرهم، مستغربا اختزال المنتج الفني في مرحلتين فقط، هما الرومانية والفرنسية. وقال جلاوجي في أثناء الحديث عن المقروئية: "نعيش أزمة كبيرة على مستوى العالم، ولكنها في الوطن العربي والجزائر أشدّ حدّة لأسباب كثيرة، على اعتبار أنّ الجزائر دولة فتية والقراءة تحتاج إلى تراكم عن طريق أجيال وأجيال، وحتى يتسنى لنا بناء جيل قارئ نحتاج إلى فترة زمنية طويلة، لأنّ أسلافنا لم يعيشوا مع الكتب نتيجة الاحتلال الذي جعلهم يركزون على مجالات الحياة البسيطة، إذ لم يكونوا يتطلّعون إلى القراءة". وأضاف: "حتى نخلق جيلا قارئا، لابد لنا من أجيال تمارس هذا التراكم، صحيح أنّنا اليوم نملك مكتبات في كلّ مكان ومكتبات عمومية وقاعات محاضرة وجامعات ومطابع ودور نشر، ونحن - مقارنة بدول أخرى - نعتبر حديثي عهد بالمطالعة، إضافة إلى أنّه لابد من خلق وعي بالقراءة ونثمّن القراء في موروثنا وفي ثقافتنا، فقد نثمّن أشياء بسيطة، ولكننا في الحقيقة لا نثمّن القارئ". وأكّد الروائي على ضرورة زرع الوعي بأهمية المطالعة والاهتمام بالكتاب، مشيرا في معرض حديثه إلى واقع التأليف والكتابة، وقال: "نعيش هذا الكم الكبير من الكتب ومن المؤلّفين والشعراء وهي ليست خصوصية في هذا العصر فحسب، فقد عرفت العصور السابقة مثل هذه الظاهرة على أيام المتنبي وعصر العباسي وغيرها من العصور التي عرفت آلاف الكتاب والأدباء، غير أنّهم تساقطوا شيئا فشيئا"، وأضاف أنّ الأمر نفسه مع باقي الأجيال، "كلّ جيل يملك في البداية كما هائلا ممّن يدّعون الكتابة ويحترفونها، ولكنّ الزمن كفيل بغربلة هؤلاء، ففي جيلي مثلا حين انطلاقنا في تسعينيات القرن الماضي في خوض غمار الكتابة والتأليف، كان معنا العشرات من المبدعين والروائيين والقاصين والشعراء والنقّاد، لكن مع الزمن تراجعوا، إلى غاية اختفائهم نهائيا، ولم يبق في الساحة إلاّ ما يعد على أصابع اليد الواحدة، وهو ما يؤكّد على أنّ الانتصار في العملية الكتابية والإبداعية ليس نزهة وليس أمرا بسيطا، ولذلك نقول أمام هذه الظاهرة المتكرّرة، فليكتب الجميع ولينشر الجميع والبقاء في النهاية للأعمق والأصلح والمتميز". ويرى جلاوجي أنّ الواجب يقتضي ترشيد الناس بأن لا ينشروا أيّ شيء، لكن في المقابل يجب التشجيع على الكتابة وعلى الإبداع والمغامرة، وفي نهاية المطاف، لا يبقى إلاّ ما هو جيد. الروائي عز الدين جلاوجي قدّم مجموعة من النصائح للشباب ممّن يريدون خوض هذه المغامرة بالقول "لست في مستوى أن أنصح جيلا قد يتفوّق عليّ في المعرفة في الوسائل وفي الانفتاح على الآخر، ويتفوّق عليّ فيما يملك من كتابات، ولذلك أقول: على الشباب أن يغامر صوب أمله، صوب مشروعه، فالكتابة مشروع وتضحية، يجب أن لا تتخذها وسيلة لتحقيق أغراض أخرى قد تتسبب لك في تنفير الناس من حولك".. وأضاف أنّه على الشباب أن يكتبوا لذواتهم وأحلامهم، مؤكّدا أنّهم إذا حملوا هذا المشروع سيحقّقون أهدافهم. وفي السياق، طرح جلاوجي سؤالا مهما يتعلّق، ب«صناعة وعي الكاتب"، مشيرا إلى أنّه لا يمكن الحفاظ على الإنسان وعلى انتمائنا وموروثنا، دون أن نُسيّج أنفسنا بثقافتنا وموروثنا، وقال "كأنّ الرواية تقوم بدور مهم جدّا في هذا المجال، وبالتالي فإنّ الرواية- في تصوّري - مشروع كبير يجب أن نسعى إلى تكريسها، فمن خلالها نحافظ على الذات والهوية انطلاقا من مرجعيتنا" .