فرص كبيرة للاستثمار السّياحي يتيحها القانون الجديد يتوجّه قطاع السياحة بالجزائر اليوم نحو تفعيل مساهمته في تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، حيث يلعب هذا القطاع دورا محكما في تحريك العجلة التنموية للعديد من اقتصاديات الدول عبر العالم، وعلى هذه الخطى تسعى الجزائر اليوم لتجسيد إرادتها في تطوير وتنمية السياحة بأشكالها المتنوعة، وتعزيز إمكاناتها وقدراتها في هذا المجال. في ظل الاهتمام الذي تبديه الجهات المسؤولة لبناء اقتصاد وطني قوي، من خلال تنويع مصادر الدخل الوطني، فإن السياحة تعتبر من بين أهم المصادر الاقتصادية التي يمكن الاعتماد عليها، وأكد الخبير في المجال السياحي، البروفيسور محسن بن الحبيب، أن الجزائر تملك كل المقومات الطبيعية، وتعد وجهة سياحية فريدة من نوعها، فيها كلّ ما يُثير شغف المسافرين، فهي تتجلى في لوحة فنية غنية بالألوان، تتناغم فيها معالم طبيعية جذابة مع شواطئ خلابة وجبال شامخة وصحراء شاسعة، ناهيك عن تراث حضاري عريق يمتد عبر آلاف السنين، من مواقع أثرية تروي حكايات الحضارات القديمة، إلى أسواق نابضة بالحياة تُعبق بعبق التوابل. تحديد الدّيناميكية الأساسية غير أنه وراء هذه الصورة البديعة - يقول محدّثنا - يكمن قطاع سياحي يتأهّب لإطلاق إمكاناته الهائلة عبر تجسيد مشاريع واستثمارات ضخمة تسمح بتحقيق الانطلاقة الحقيقية للسياحة في بلادنا، وفي هذا الإطار، تطرّق المتحدث إلى واقع الاستثمارات السياحية بالجزائر التي يمكن أن تجعلها وجهة سياحية واعدة، وذكر بن الحبيب - في هذا الشأن - أنّ معدل الزوار الوافدين إلى الجزائر يشكّل مؤشرا مهما وعنصرا رئيسيا في المساهمة المباشرة للسفر والسياحة، وحسب التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للسياحية سنة 2023، فقد حقّقت الجزائر 27.0 مليار دينار جزائري في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إجمالي عدد السياح الدوليين بحلول عام 2033 إلى 3.304.000، مما يولد إنفاقا قدره 36.4 مليار دينار جزائري، أي بزيادة قدرها 2.6٪ سنويا منذ عام 2023. وبما أنّ جعل الجزائر وجهة سياحية واعدة أضحى هدفا استراتيجيا للحكومة، فقد أعدّت جملة من الإجراءات لتعزيز قطاع السياحة، وجعله أكثر جاذبية للمستثمرين والسياح على حد سواء، وقد تضمن المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية آفاق 2030 إرادة الدولة لتطوير هذا القطاع، من خلال تحديد الأهداف المرجوة والتي تم تحديد خمسة ديناميكيات أساسية من أجل تحقيقها، ويحتل الاستثمار مكانة بارزة ليكون محركا للنمو، واعدا لتوفير الثروة ومناصب الشغل، وهو ما يتقاطع مع رؤية منظمة السياحة العالمية في يوم السياحة العالمي 2023، باعتبار الاستثمارات واحدة من الأولويات الرئيسية لتعافي السياحة والنمو والتنمية في المستقبل. وأبرز التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للسياحية سنة 2023، أنه من المتوقع أن تصل حصة السفر والسياحة من إجمالي الاستثمار الوطني إلى 3.1 % في عام 2033، في ظل الفرص التي يتيحها قانون الاستثمار والذي يمنح المستثمرين في مجال السياحة تسهيلات لإنجاز مشاريعهم، وهو ما أشار إليه الوزير في تأكيده "توفّر 249 موقعا للتوسع السياحي، تمّ من بينه تهيئة نحو 70 موقعا وبرمجة 50 موقعا بغية تهيئته مستقبلا من أجل وضعه في متناول المستثمرين لإنجاز مشاريعهم في مختلف مناطق الوطن". إنشاء مشاريع سياحية صديقة للبيئة قال بن الحبيب إنّ قطاع السفر والسياحة في الجزائر - حسب تقرير المنظمة العالمية للسياحية لسنة 2023 - وفر 203.705 فرصة عمل مباشرة في عام 2022 أي بنسبة قدرت بنحو (1.9 % من إجمالي العمالة)، وهذا يشمل التوظيف في الفنادق ووكلاء السفر، وكشف التقرير ذاته أنه من المتوقع بحلول عام 2033، أن يوفّر القطاع 271.972 وظيفة مباشرة أي بنسبة (2.1 % من إجمالي العمالة)، وهو ما يمثّل زيادة قدرها 2.4% سنويا عن عام 2023. وتستهدف الحكومة الجزائرية - حسب الخبير - تنفيذ العديد من البرامج الكبرى، أبرزها برنامج القطب السياحي المتكامل، حيث يهدف إلى إنشاء 5 أقطاب سياحية متكاملة على مستوى عال من الجودة، تشمل فنادق ومرافق ترفيهية وقرى سياحية، من أجل رفع طاقة الإيواء وبرنامج تنمية السياحة الصحراوية الذي يهدف إلى تطوير السياحة في المناطق الصحراوية، من خلال إنشاء مشاريع سياحية صديقة للبيئة وبرنامج "تثمين المواقع الأثرية والتاريخية"، حيث يهدف إلى ترميم وصيانة المواقع الأثرية والتاريخية، وتحويلها إلى وجهات سياحية جاذبة. وتعتمد الرؤية الجديدة لتطوير السياحة في الجزائر - يقول بن الحبيب - على تنويع المنتجات السياحية لتشمل السياحة الثقافية والسياحة العلاجية والسياحة البيئية والسياحة الرياضية، فضلا عن التركيز على السياحة الداخلية، من خلال تشجيع الجزائريين على قضاء عطلاتهم في بلدهم، بالإضافة إلى الترويج للوجهة السياحية الجزائرية على المستوى الدولي، من خلال المشاركة في المعارض والفعاليات السياحية العالمية. وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجه السياحة في الجزائر، إلا أن هناك إرادة قوية لتطوير هذا القطاع وتحقيق نجاحات ملموسة، حسب نظرة البروفيسور محسن بن الحبيب وهذا ما يمكن تجسيده من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية والثقافية الغنية، وتشجيع الاستثمارات والابتكار في السياحة، بما يمكّن الجزائر من تبني مكانة قوية كوجهة سياحية متميزة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.