تطمح الجزائر إلى تجسيد تنمية زراعية ورعوية مستدامة في الأمد القريب، اتساقا مع إستراتيجيتها الإقتصادية الجديدة القائمة على تنويع مصادر الدخل وتحقيق الأمن الغذائي الوطني، بما يضمن تحييد البلاد عن مختلف الصراعات الجيو-إقتصادية المعقدة الحاصلة في العالم. سعت السلطات العمومية في الجزائر، خلال الأعوام الأربع الفائتة، بشكل دؤوب ومستمر، إلى استنهاض القطاع الفلاحي بشقيه الزراعي والرعوي، وفقاً لرؤية وتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الرامية إلى تقوية وتنمية الإنتاج المحلي وحمايته من كل الأخطار؛ کونه مصدر الغذاء الأساسي وركيزة لكثير من الصناعات التحويلية. وتعليقًا على الموضوع، قال أستاذ الإقتصاد بجامعة سطيف، البروفيسور هباش فارس، إن النتائج الإيجابية المتحققة في موسم الحصاد الزراعي لسنة 2024م، ما هي إلاّ تتويج للإستراتيجية الوطنية الخاصة بالتنمية الزراعية، التي تعد بآفاق زاهرة للجزائر في القطاع الأخضر وضمان الأمن الغذائي للبلاد. وأكد الخبير الإقتصادي هباش فارس ل«الشعب"، أن الجزائر ستكون قطبًا زراعيًا في المستقبل بناءً على المعطيات المستجدة في القطاع، وستتحول إلى قاعدة إنتاجية تصديرية للأسواق الإفريقية في العديد من المحاصيل الفلاحية، تماشيًا مع الإستراتيجية الوطنية المُتّبعة الهادفة إلى الخلاص التدريجي من التبعية للمحروقات، وكذا تنويع مصادر الدخل والإنتاج. وتابع هباش، أن تحقيق مُبتغى الاكتفاء الذاتي في شعبة الحبوب يمكن ربطه بآجال متوسطة المدى، في ضوء التوجه الاستراتيجي لتكثيف زراعة المحاصيل الكبرى في كل أقاليم الوطن خاصة بالجنوب الكبير، مع منح السلطات تحفيزات وامتيازات للمستثمرين الفلاحيين، ستُتَوج لاحقًا بالتّوجّه نحو التصدير إلى الخارج، نظير ما تمتلكه الجزائر من مؤهلات مالية وطبيعية وجغرافية هائلة تسمح لها بتحقيق الغايات الفلاحية المسطّرة. من جانبه، أوضح أستاذ العلوم الزراعية بجامعة ورقلة، البروفيسور بومادة عبد الباسط، أن تطوير الشُّعب الإستراتيجية في الجزائر يعدُّ ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع الاقتصاد الوطني، بالاعتماد على الموارد الطبيعية المتاحة وتوفير الدّعم الفنّي والمالي للفلاحين والمربين. وأبرز بومادة في تصريح ل«الشعب"، أن الجهود الحكومية المُتعلقة باستخدام التكنولوجيا الحديثة والاستثمار في البحوث الزراعية تعتبر خطوات حيوية نحو تحقيق الهدف الإستراتيجي الفلاحي، ومن خلال ذلك يُمكِن تحويل الجنوب الجزائري إلى قطب زراعي وحيواني رائد يسهم في تعزيز الأمن الغذائي ودفع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد، ومنه تقليل عبء الاستيراد على الخزينة العمومية. وأشار بومادة إلى وجود مشاريع استثمارية في البنية التحتية من أجل تحسين كفاءة الإنتاج بما في ذلك مرافق التخزين كصوامع جمع الحبوب، والنقل مثل توسعة شبكة السكك الحديدية إلى مناطق الإنتاج الواسع شمالا وجنوبا، بالإضافة إلى استثمارات كبرى في مجال الصناعة التحويلية لإنتاج الزيوت والسكر محليا. وأردف الباحث الزراعي بالقول: "تواجه الجزائر تحديًا آخر يتمثل في الاعتماد الكبير على استيراد الزيوت النباتية وكذا السكر لتلبية احتياجات السوق الاستهلاكية المحلية، مما يشكل عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الوطني، ولمواجهة هذا التحدي عملت الحكومة على تشجيع زراعة المحاصيل الزيتية مثل دوار الشمس والسلجم الزيتي، وكذلك المحاصيل السكرية كالشمندر السكري، عبر تقديم حوافز عقارية ومالية للفلاحين، وتوفير المرافقة التقنية والتكنولوجيا الحديثة لتحسين عمليات الزراعة والحصاد والتصنيع في المرحلة الأخيرة". ولفت البروفيسور بومادة في سياق كلامه، إلى أهمية الاستثمار في البحوث العلمية الزراعية لتطوير أصناف موطنية جديدة في مختلف الشُّعب الفلاحية، تكون أكثر مردودا وإنتاجية خاصة في المحاصيل الزيتية والسكرية، مما سيسمح مستقبلاً بالحد من الاعتماد على الاستيراد من الأسواق الخارجية وزيادة العائد الاقتصادي المحلي بشكلٍ مستدامٍ.