تحقيق التوازن التنموي والاقتصادي بين كلّ مناطق البلاد تتصدّر قانونا البلدية والولاية والتقسيم الإداري قائمة الإصلاحات الكبرى التي يعتزم رئيس الجمهورية إقرارها، في المرحلة المقبلة، قصد تجسيد الممارسة الفعلية للديمقراطية وتحقيق التوازن التنموي والاقتصادي بين مناطق البلاد، وسيطرح كل ذلك لآلية التشاور مع مختلف الفاعلين، وعلى رأسهم المنتخبين المحليين. يضع الرئيس تبون مراجعة الإطار التشريعي للبلدية والولاية على رأس أهم الورشات الواجب مباشرتها في الأفق القريب، مبيّنا أن دوافع سياسية تتعلق بالديمقراطية الحقيقية، واقتصادية تخص إدارة الموارد المالية للبلاد، تقف خلف حتمية هذا التوجه. ولم يخف رئيس الجمهورية امتعاضه من الوضع الحالي للبلديات والولايات، والذي نجم عنه تفاوتا كبيرا في إيصال شروط التنمية على نفس القدر من المساواة، ما حتّم إطلاق برامج مستعجلة بدأت بمناطق الظل، ووصلت إلى البرامج التكميلية لفائدة بعض الولايات. ومن ولاية خنشلة، التي كانت محل اهتمام خاص للرئيس تبون نظرا لعزلتها، خلال العهد السابق، أكّد مجدّدا أنه ماض نحو إصلاح عميق وشامل للبلديات والولايات والتقسيم الإداري ككل، يبدأ بقانوني البلدية والولاية. وسبق تشكيل لجنة مختصّة على مستوى وزارة الداخلية، تضم منتخبين محليين وأعضاء بالبرلمان وخبراء وولاة، لإثراء مشاريع هذه القوانين، التي تستوعب النظرة الجديدة للبلدية باعتبارها الخلية الأولى للدولة، وأيضا للولاية أين يشكّل المجلس الشعبي الولائي أحد هياكل التمثيل النيابي على المستوى المحلي. وبالنسبة لرئيس الجمهورية، لا يتمتّع المنتخبون المحليون، في ظل الإطار القانوني الحالي، بحرية المبادرة والمقدرة على تنفيذ برامجهم التي يفترض أنها أوصلتهم لتولي شؤون البلدية عن طريق الانتخابات. وأوضح بوجود حاجز قانوني يتمثل في ضعف الصلاحيات، وارتباطها المباشر بسلطة رئيس الدائرة ومنه والي الولاية، وأيضا حاجز مادي يتعلق بشح الموارد المالية، ما يجعل المجلس المنتخب في وضع "التائه" أمام المواطنين الذين انتخبوه، وأمام أعباء التسيير اليومي وضرورة خلق التنمية المحلية. ومعروف، أنّه ومن أصل 1541 بلدية على المستوى الوطني، تحصى حوالي 800 بلدية فقيرة، ليس لها مصادر داخل أو عائدات ضريبية ناجمة عن الجباية المحلية بسبب انعدام مناطق النشاط، بينما توجد في المقابل بلديات غنية، خاصة في الولايات الكبرى لما تتوفر عليه من مصادر دخل عديدة. وأمام هذا التفاوت الصارخ، تضع وزارة الداخلية والجماعات المحلية صندوق التضامن ما بين البلديات كآلية مالية لتجاوز التفاوت، وإيصال التنمية إلى مختلف البلديات، ونجحت إلى حد ما في تحقيق ذلك. غير أنّ نظرة رئيس الجمهورية تقوم على مبدأ الحل الجذري، الذي يجسّد الديمقراطية الحقيقية، بتمكين المنتخب المحلي الفائز في الانتخابات من تسيير شؤون البلدية، وفقا لما التزم به أمام المواطنين، من خلال التنصيص القانوني الواضح، خاصة في مجال وضع الميزانية والمصادقة عليها من طرف المجلس الشعبي البلدي، بينما تتولى مصالح الولاية دورها الطبيعي المتمثل في المراقب القانوني. ويعتزم رئيس الجمهورية بموجب الإصلاحات المقبلة، تخفيف محفظة الأعباء الملقاة على عاتق البلدية، والتي تتطلب موارد مالية تفوق طاقتها المالية، على غرار تسيير المدارس وترميمها وكذا الإطعام المدرس والإنارة والتطهير، والتكفل بعديد المرافق العمومية الأخرى. على صعيد آخر، أكّد الرئيس تبون الحاجة إلى مراجعة التقسيم الإداري الحالي، بالنظر لمخلفاته في مسألة الفوارق التنموية قائلا: "هناك ولايات بمستوى مدن أوروبية وهناك ولايات فقيرة". ومن المتوقع أن تتم المراجعة نحو الأعلى، أي بزيادة عدد الولايات وتمكينها من ميزانياتها (خاصة التجهيز)، ما يؤدي مباشرة إلى خلق الثروة ومناصب الشغل، ناهيك عن تثبيت الساكنة وفتح مناطق النشاط الاقتصادي والاستثمار. التقسيم الإداري في أبعاده لا يتوقف عن تجاوز الفوارق التنموية بين الولايات، وإنما إعادة توزيع الكثافة السكانية والاقتصادية والتجارية المركزة في المناطق الشمالية للبلاد حاليا نحو المناطق الداخلية والجنوبية، والتي بدأت بوادرها من خلالها مظاهر الإعمار الاقتصادي بمشاريع إستراتيجية كبرى في المجال الفلاحي.