مناضل عنيد وصلب، تميّز بالإقدام والشجاعة والمبادرة في حياته، امتزجت حياته بحب الأرض والوطن والشعب والثورة، وامتشق روح الفداء والبطولة. قضى قرابة 40 عاما في سجون الاحتلال الصهيوني، وصلبته سلطات السجون ردحا من الزمن في الزنازين، ولقب نفسه رجل الكهف كونه أمضى القسط الأكبر من مسيرته الكفاحية في باستيلات العدو الصهيوني، وتدرج في حقل العلم والدراسة الأكاديمية داخل أسوارها، تحصّل على البكالورس ثمّ على الماجستير، وسعى للحصول على درجة الدكتوراه، لكنّ المرض حال دون ذلك، وتعاظم دوره الريادي السياسي والفكري في السجون حتى لقب بالمثقّف والمفكّر لنبوغه المعرفي وقدرته الإبداعية في استلهام ناصية الفلسفة والثقافة والإبداع الأدبي والفن التشكيلي. ابن باقة الغربية حمل راية الوطنية الصادقة عندما التحق بصفوف الجبهة الشعبية في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي دفاعا عن حقوق وحرية شعبه، وبعد تراجيدية مجزرة صبرا وشاتيلا السوداء عام 1982، وأُحضر إلى سوريا حيث تم تدريبه في معسكر درعا التابع للشعبية حينذاك، وأقام بعض الوقت في مخيم اليرموك وتنشّق رائحة الياسمين الدمشقي، ثم عاد عبر قبرص ثانية للوطن، وفي أعقاب ذلك شكّل خلية فدائية ضمن الذراع العسكري للجبهة، وتعاون مع كلّ من الشهيد إبراهيم الراعي ورشدي أبو مخ وإبراهيم بيادسة لمدّة عامين قبل أن تكتشفهم المخابرات الصهيونية وتتهمه بالمشاركة في عملية بقتل الجندي الصهيوني موشي تمّام عام 1984، وفي 25 مارس 1986 حكم عليه بالإعدام، ثم خفّف للمؤبد ب 37 عاما، ولاحقا بعد اتهامه بتهريب هواتف نقالة تم إضافة سنتين سجن عليه، وبعد انقضاء مدّة محكوميته رفضت سلطات السجون الصهيونية الإفراج عنه، وطالب ما يسمى وزير "الأمن الوطني" إيتمار بن غفير الحكم عليه بالإعدام، وحتى يوم الأحد ال 7 من أفريل عندما أعلن عن استشهاده، أعرب زعيم "القوة اليهودية" الكهاني النازي " عن أسفه لأنّ حياة الأسير البطل وليد دقة انتهت بموت طبيعي. أنتج الشهيد المبدع وليد دقة عددا من المؤلّفات داخل أسوار الباستيلات الصهيونية منها "يوميات المقاومة في مخيم جنين" و«صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب" و«الزمن الموازي" ورواية "حكاية سر الزيت" وهي جزء من ثلاثية لليافعين تضم مخطوطة "حكاية سرّ السيف" و«حكاية سرّ الطيف" وديوانا شعريا، وحاول أن يحكي تجربة الشهيد الأديب والقائد المبدع غسان كنفاني بالدخول إلى عالم الفن التشكيلي، حيث أبدعت ريشته العديد من اللوحات الفنية. وكان دقة أحد المربين الأساسيين في جامعة السجون في سجن "هداريم" التي تمنح درجة الماجستير لأسرى الحرية. وللشهيد الأديب والمفكر الإنسان وليد، الذي انتقل إلى عضوية حزب التجمع الوطني الديمقراطي لاحقا تجربة زواج فريدة، حيث تعرّف إلى الصحفية سناء سلامة المهتمة بقضية أسرى الحرية، عندما زارته لأول مرة عام 1996، ونتاج التواصل المستمر بينهما تطوّرت العلاقة إلى الحب ثم الارتباط في 10 أوت 1996، بعد نضال مع سلطات السجون الصهيونية، حيث انتزع قرارا بالموافقة من إدارة السجن من أجل إقامة حفل زفافهما في السجن مع السماح لعائلتيهما وعدد من أسرى الحرية بالمشاركة، وتم التقاط الصور لهما. هذا الزواج الاستثنائي أثمر إنجاب الطفلة ميلاد عبر تهريب نطفة منه لرحم زوجته في 3 فيفري 2020، التي تبلغ الآن عمر 4 سنوات، وهي طفلة مناضلة، ولدت من رحم النضال والبطولة لأسرة جبلت بروح الكفاح والعطاء والإصرار على البقاء والانتصار للحياة والسلام والحرية. وليد دقة الذي أنهكه مرض السرطان الخبيث، ترجل يوم الأحد 7 أفريل عن مسرح الحياة، ولكن تجربة وعطاء وإنتاج الشهيد البطل والمثقف المبدع الفكري والمعرفي والأدبي والسياسي باقية، وخالدة خلود التاريخ، حيث سطّر الشهيد بتجربتة الفذّة عبقرية التحدي وكسر قيد السجن والسجّان القاتل النازي، والانتصار لإرادة الشعب والاستقلال وتقرير المصير والعودة. لم يمت وليد دقة، مازال حيا ومتجذرا في خلود سيرورة الكفاح الوطني التحرري لشعب البطولات والتضحيات الجسام. نعم رحل وليد ومع طيّ حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة شهرها السادس، التي أدمت حياة الإنسان الفلسطيني، وكأنّ رحيله ومغادرته مسرح الحياة كان حزنا وألما وغضبا وسخطا من البشرية التي لم ترتقي إلى مستوى المسؤولية في إنقاذ الطفولة والمرأة الفلسطينية من فظائع وويلات حرب الإبادة، وشاء أن يدوّن برحيله شهادة رفض للزمن المعاش، وبحثا عن الزمن الآتي، الزمن الموازي للنصر والحرية والسلام. وداعا وليد، وسلاما عليك يوم ولدت، ويوم رحلت، وستبقى خالدا ما بقي التاريخ والعطاء الإنساني قائما.