هندسة تاريخية ترسي دعامات أساسية لصناعة حقيقية يتوقّع البرفسور محفوظ كاوبي الخبير الاقتصادي، أن تدخل الجزائر عهدا جديدا مختلفا عن مسارات سابقة، في خضم شروعها في تجسيد مشاريع استثمارية ضخمة لم يسبق لها مثيل، مستندة على تجربة سابقة استخلصتها في دروس عديدة، جعلت هدفها الجوهري واضحا. ويرى الخبير أن 7 قطاعات ستصنع الفارق التنموي، وتضع الجزائر في صدارة الدول ذات التجارب الاقتصادية المهمة والناشئة، وكل ذلك سنعكس على آلة التصدير، بفضل هندسة تنموية يقودها رئيس الجمهورية بداية من مشاريع البتروكيميا وصناعة الأسمدة لتمويل قطاع الفلاحة ودعم الصناعة الغذائية. حدّدت الجزائر رهاناتها المستقبلية بإطلاق مشاريع ضخمة ذات طابع استراتيجي، بينها مشروع الفوسفات والأسمدة الزراعية مع الصين، بغلاف مالي لا يقل عن 7 ملايير دولار، وهذه المشاريع تتضمن أبعادا تنموية جمة، وصفها الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي، بأحد أهم الدعائم الأساسية للإستراتيجية الوطنية للتنمية الاقتصادية المعتمدة منذ عام 2019، وتشمل إطلاق مشاريع مهيكلة. وبينما تعد هذه الدعامة عنصرا من بين أهم العناصر الأساسية لهندسة التنمية الوطنية، المعتمدة أيضا على تنويع الاقتصاد الوطني والزيادة في حجم الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية، الهدف منها يكمن حسبه في إقامة مشاريع مهيكلة أو مشاريع كبيرة من أجل تثمين القدرات المنجمية التي تزخر بها الجزائر، سواء في مجال الفوسفات أو الحديد والبتروكيميا بصفة عامة وغيرها من المجالات التي تعتبر ثروة حقيقية. وأشار كاوبي في نفس المقام إلى أن الجزائر تهدف من خلال المشاريع المهيكلة تثمين هذه الثروة، عن طريق استغلالها والحصول على عائدات مالية أكبر، تمكنها من تحويل هذه العائدات المالية إلى رأسمال، يستثمر في قطاعات أخرى من أجل تحقيق هدف التنويع الاقتصادي المنشود. اندماج اقتصادي وفي حين الهدف الثاني المسطر من خلال هذه المشاريع المهيكلة، أكد الخبير كاوبي، إحداث اندماج اقتصادي من خلال توفير مواد أولية أساسية للعديد من القطاعات الأخرى والتي تمّ الإعلان عنها في قانون الاستثمار، وذكر أنه نراها من خلال منظومة القطاعات، وهذا ما يمنح أولوية ل 7 قطاعات تشكل الأولوية والأفضلية للاقتصاد الوطني. وتشمل القطاع المنجمي والبتروكيميا والصناعات الثقيلة والصناعات الميكانيكية وصناعة الحديد والفولاذ وإلى جانب الصناعة الصيدلانية والغذائية، وبالإضافة إلى القطاع الفلاحي والتكنولوجيات الجديدة. واعتبر الخبير كاوبي، أن الهندسة لهذه القطاعات، تحتاج لأن تكون لها دينامكية حيوية، حاملة لدعائم الأفضلية، كما يمكن أن تؤسس لصناعة حقيقية على أرضية الميدان، كما تحتاج إلى رأسمال من أجل الاستثمار، وهذا الأخير يمكن أن يوفر من خلال عائدات استغلال هذه القطاعات المهيكلة. وإلى جانب ذلك أوضح الخبير أنها تحتاج كذلك إلى مدخلات، بعد أن أصبحت المواد الأولية في العالم، عنصرا أساسيا لنجاح المعادلتين الاقتصادية والإنتاجية، في ظل الزيادة في أسعار هذه المواد عبر الأسواق العالمية وأمام التذبذب المسجل في عمليات التموين عالميا. أولوية التموين قال كاوبي إن العمل منصب على إرساء دعامات أساسية لإقامة صناعة حقيقية، وليس فقط عن طريق إعطاء الأولوية على الأمد القصير، ولكن من خلال إدماج الأخير في معادلة أعمق وذات أهمية، عبر تزاوج في معادلة الأمدين البعيد والمتوسط على حدّ سواء. وبخصوص مشروع الفوسفات وصناعة الأسمدة، أكد البرفسور كاوبي، أنه يعتبر عنصرا أساسيا ومدخلا رئيسيا في قطاعين أساسيين، والمتمثلين في الفلاحة والصناعات الغذائية، ولأن هذه الصناعة الغذائية المهمة في الاقتصاد، تعتمد أساسا على ضرورة توفر بصفة دائمة منتوج فلاحي ذا نوعية وبكميات منتظمة، من أجل إرساء دعامات صناعة غائية حقيقية. وقال الخبير حول مشروع الفوسفات، إنه لا ينبغي أن ننظر إليه فقط من خلال تكلفة المشروع الضخمة والمقدر قيمتها بحوالي 7 ملايير دولار، ولكن يجب أن ننظر إليه من خلال الآثار الإيجابية التي سيمنحها للقطاع الفلاحي وكذلك لقطاع الصناعات الغذائية الوطنية، من خلال حل مشكلة التموين بهذه المادة وتوفيرها بأسعار منخفضة، وهذا من شأنه أن يعطي تنافسية أكبر لهذا القطاع. وبالموازاة مع ذلك سيمكن من تحرير قدرات الاستثمار في الجزائر. قدرات أكبر نجاح رؤية رئيس الجمهورية، ترجمت على أرض الواقع من خلال تسجيل نتائج إيجابية مشجعة وبداية قطف ثمار هذه السياسة على ضوء توافد عدد كبير من المستثمرين المحليين للتواجد في القطاع الفلاحي، وهذا ما سيعطي الأفضلية حسب تقديرات الخبير كاوبي من حيث تكلفة الإنتاج ووفرة المدخلات. وإلى جانب ذلك حول الجزائر إلى وجهة جاذبة للاستثمارات الخارجية في المجال الفلاحي والصناعة الغذائية، على خلفية أنه في هذا المجال بدأت كذلك النتائج تظهر شيئا فشيئا، ويمكن أن تكون أفضل مع انطلاق هذه المشاريع ودخولها حيز الإنتاج، زيادة بطبيعة الحال إلى تمكين الجزائر من حيازة قدرات أكبر للتصدير نحو الأسواق الخارجية. وأشاد الخبير والأستاذ الجامعي في هذا المجال بنوعية الشركاء، على اعتبار أن الصين تعد من كبار المستهلكين وفاعلا مهما على مستوى الأسواق العالمية لهذه المادة الحيوية، إلى جانب أن الشرك الصيني سيضخ أغلفة مالية للمشروع ويوظف الخبرة التقنية وفوق ذلك يساعد الجزائر على التموقع عبر الأسواق العالمية. وكل ذلك يعد من أهم المقومات المدرجة ضمن هذه الشراكات، كما يعتقد كاوبي، بأنه على صعيد هذا المستوى ينبغي ربح معركة التحكم في الوقت والمتغيرات التي يمكن أن تؤثر سواء بالسلب أو الإيجاب على تجسيد المشروع على أرض الواقع. نهج استراتيجي ومن جهة أخرى وفيما يتعلق بقطاع البتروكيميا، أفاد الخبير أنه يعد بدوره من بين الدعائم الأساسية، لهندسة التنمية في الجزائر، ويصنف قطاعا ذا أولوية نتيجة علاقته بمجموعة من القطاعات الأخرى سواء كانت صناعات بلاستيكية أو الأسمدة وما إلى غير ذلك. وللجزائر في هذا القطاع إمكانيات كبيرة وتقاليد مهمة، لأن تحويل الغاز لمنتجات مشتقة، يمكن أن يضاعف ثلاث مرات من الفوائد التي يمكن جنيها مقارنة ببيع الغاز أو البترول مادة خام، وهذا الهدف تضمنته تصريحات رئيس الجمهورية وجاءت واضحة للغاية، لأنه انتهى زمن تصدير هذه المواد الباطنية على شكل مادة خام. وسارعت الجزائر في عهد الرئيس تبون، أضاف الخبير إلى جعل التحويل كنهج استراتيجي، الهدف منه خلق قيمة مضافة ومناصب شغل خاصة على صعيد تثمين والزيادة في مداخيل الجزائر من تصدير هذه المواد عن طريق طرحها بالأسواق الخارجية مواد محولة، وهو أمر أساسي يضفي ديناميكية أكبر في الزيادة من حجم الناتج الداخلي الخام والرفع من إمكانيات الجزائر في خلق مناصب شغل جديدة. وتحدّث الخبير، عن قيمة الشراكة وما ستقدمه للجزائر في قطاع البتروكيميا، موضحا أن إنتاج مادتي البيوتين والبوليفوتين، أمر مهم، خاصة أن الشراكة تتمّ مع دول رائدة في هذا المجال، علما أن قطر لها أريحية من الناحية المالية، ويمكن أن تساهم بصفة جيدة من خلال توفير الموارد المالية وحل مشكلة التمويل لمشاريع ذات أهمية. وتستفيد الجزائر في القطاع الميكانيكي وصناعة السيارات، على خلفية أن 70 بالمائة من تصنيع السيارات يتمثل في فولاذ ومواد بلاستكية محولة، وهذا ما يجعل عملية التحويل في مجال البتروكيميا، أحد الدعائم الأساسية العاكسة للرؤية الصائبة المنتهجة من طرف الجزائر والهادفة إلى تثمين قدراتها وعدم الاكتفاء بتصديرها مواد خام. سيكون لهذا الأمر أثر مباشر سواء عن طريق إرساء صناعة حقيقية وخلق ثروة ومناصب شغل وكذلك جني عوائد مالية مضاعفة من تصديرها مواد خام، وبالإضافة إلى تأثير صناعات البتروكيميا على قطاعات أخرى على غرار الفلاحة والقطاع الصناعي، لأن التكامل بين القطاعات سيكون له ايجابيات تدعم الاقتصاد الوطني وتقلل من تبعيته للخارج سواء من ناحية المدخلات أو التمويلات. عوائد مالية وفي سياق حديثه عن المشاريع العملاقة المنتظر أن تتجسّد في الوقت الراهن، وتوصف بأنها مشاريع المستقبل المزدهر، قال الخبير إنها بمثابة قاطرة إذا نجحت ستجر القطاعات السبعة الأساسية في المنظومة الاقتصادية وتحتاج إلى تكامل كبير وتربطها علاقة طردية. واستطرد الخبير قائلا في هذا السياق: "إن نجاح هذه الاستثمارات ضروري تجسيد العملية التنموية، لأن الجزائر تحوز على تجربة نصف قرن من النمو، واستخلصت دروسا من التجارب الماضية، ولأنها في السابق كانت دولة فتية مستقلة حديثا، بينما في الوقت الراهن تعزّزت وصار لديها كوادر وتجارب، ومن خلال منح الأولوية لهندسة تقنية ومالية ستتمكن من إعطاء نضج أفضل للمشاريع". ولم يخف الخبير مزايا المشاريع المهيكلة الكبرى عندما تدخل حيز السريان، لأنه ينتظر الكثير من المشاريع العملاقة التاريخية بعد تجسيدها على أرض الميدان، خاصة تلك المرتبطة باستغلال الموارد المنجمية والبتروكيميا وإقامة مشاريع السكك الحديدية وغيرها من المشاريع الكبرى، وأثرها سيكون مهما من خلال توفير عوائد مالية مثمنة للثروات الباطنية وستجعل لها رأس مال كبير.