زيادة فرص الشغل الناتج عن انتعاش المؤسسات الجزائرية اعتبر المحلل الاقتصادي الدكتور هواري عبد القادر ل"الشعب"، أن رسم معالم جديدة للاقتصاد الوطني، ساهم في تشجيع المنتوج الوطني والتقليل قدر الإمكان من الواردات، مما أدى فعليا إلى تواصل انخفاض الواردات، لافتا إلى أن الجزائر راهنت على رفع قيمة صادراتها خارج المحروقات التي بلغت 7 مليار دولار سنة 2022، وهي التي لم تكن تتجاوز 1.7 مليار دولار سنة 2019، وتسعى إلى بلوغ رقم 15 مليار دولار سنة 2024. أكد أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة فرحات عباس سطيف 1، أن الحديث عن هذه النقلة النوعية التي يشهدها الاقتصاد الوطني اليوم، يستوجب في البداية إعطاء نظرة حول التطور التاريخي للواردات الجزائرية منذ سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان احتكار الاستيراد من طرف الدولة ولا دخل للخواص في هذا المجال، وبعد الإصلاحات في بداية التسعينيات بدأ التحرير التدريجي للتجارة الخارجية، خاصة الاستيراد. وذكر بمنح الخواص الحق في الاستيراد تحت رقابة البنوك، وفي أفريل 1994 تم إلغاء كل القيود المتعلقة بالاستيراد، خاصة ما تعلق بالمواد الاستهلاكية والمعدات الموجهة للصناعة وهوما فتح الباب على مصراعيه للمستوردين لإغراق السوق الجزائرية بكل المنتوجات، لكن انخفاض أسعار البترول وضعف مستويات احتياطي الصرف في هذه الفترة حال دون الإغراق الكلي بالمنتوجات المستوردة. رفع الصادرات ومع مطلع القرن الجديد وبانتعاش أسعار البترول وارتفاع احتياطي الصرف ومنح امتيازات للخواص، أصبحت السوق الجزائرية تعجّ بالمنتوجات الأوروبية والصينية والآسيوية في كل القطاعات، وهوما ساهم بشكل كبير في تقليص والتأثير على المنتوج الوطني. وتطورت الواردات الجزائرية من 9.17 مليار دولار سنة 2000 مثل التجهيزات الصناعية التي بلغت أكثر من 3 ملايير دولار منها وفاتورة الغذاء حوالي 2.5 مليار دولار إلى أقصى مستوى لها سنة 2014، حيث وصلت إلى أكثر من 58 مليار دولار، مثلت منها التجهيزات الصناعية 19 مليار دولار والمنتجات نصف المصنعة 12 مليار دولار والأغذية حوالي 11 مليار دولار. وبعد الأزمة النفطية وسياسات التقشف، ومن بينها سياسة تقييد التجارة الخارجية للحفاظ على احتياطي الصرف في مستويات معقولة، بدأت الواردات في الانخفاض تدريجيا بداية من 2015 إلى 2019 لتصل إلى حوالي 42 مليار دولار. إلا أنه وبعد رسم معالم جديدة للاقتصاد الوطني، تهدف إلى تشجيع المنتوج الوطني وزيادة حجم الصادرات خارج المحروقات، والتقليل قدر الإمكان من الواردات تواصل انخفاض الواردات، وفي الوقت نفسه وخلال الفترة الأخيرة راهنت الجزائر على رفع قيمة صادراتها خارج المحروقات التي بلغت 7 مليار دولار سنة 2022 وهي التي لم تكن تتجاوز 1.7 مليار دولار سنة 2019، وبهذا الرهان تسعى الجزائر إلى بلوغ رقم 15 مليار دولار سنة 2024 كما أكد المتحدث. وعن أثر تخفيض قيمة الواردات، قال المحلل الاقتصادي هواري عبد القادر، إن له عدة آثار إيجابية على الاقتصاد الوطني، أهمها أن تحفيز الإنتاج المحلي قد يؤدي إلى تقليل الواردات وزيادة الطلب على المنتجات المحلية. كما يمكن أن يحفز الشركات الجزائرية على زيادة الإنتاج وتحسين جودة المنتجات لتلبية الطلب المتزايد، إضافة إلى ذلك سوف يؤدي التقليل من حجم الواردات إلى الحفاظ على احتياطيات العملة الصعبة واحتياطي الصرف أيضا، وتحسين الميزان التجاري برفع مستوياته وزيادة الفجوة بين الصادرات والواردات، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تحسين ميزان المدفوعات ورفع قيمة الفائض فيه. من جانب آخر وبطريقة غير مباشرة يساهم التقليل من الواردات في زيادة فرص الشغل الناتج عن انتعاش المؤسسات الجزائرية التي ستزيد من إنتاجها، جراء زيادة الطلب عليه بعد حلول منتوجاتها محل المنتوجات المستوردة. جودة المنتوج وعن كيفية المضي قدما في خفض قيمة الواردات لما لها من انعكاس إيجابي على الاقتصاد الوطني، أكد محدثنا أننا حتى نزيد من تقليل الواردات أكثر يجب علينا اتخاذ بعض الإجراءات تجاه المنتج والمنتوج المحلي، أهمها تشجيع المنتوج المحلي من خلال زيادة الدعم سواء المالي أو الفني أو الإعفاءات الضريبية، أيضا تشجيع الابتكار وروح المقاولة وهوما نلاحظه من خلال تشجيع المؤسسات الناشئة التي ستعمل كمحرك لعجلة التنمية، مما يسهم في تحسين جودة المنتوج المحلي الذي سيحل محل المنتوج الأجنبي ويؤدي إلى الاستغناء عنه تدريجيا. وبالنسبة لزيادة نسبة الإدماج في الصناعات، أكد أنها لابد أن تكون تصاعدية، وعلى المنتج الذي يرغب في التركيب مبدئيا أن يتعهد بزيادة نسبة الإدماج سنويا في أي نوع من أنواع الصناعات. وأفاد أن "ذلك يتم عن طريق خلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة تتخصص كل منها في إنتاج جزء ولو بسيط من مكونات المنتوج، تمنح لهذه المؤسسات إعفاءات ضريبية وتحفيزات مالية ودعم بحثي يجعلها تتخصص وتتقن الجزء المراد إنتاجه، ومع زيادة عدد هذه المؤسسات تدريجيا يزيد عدد الأجزاء المنتجة محليا، وهو ما يوصلنا مستقبلا إلى صناعة محلية خالصة تغنينا عن الاستيراد". أما فيما يخص دور المواطن في هذه المعادلة الاقتصادية، فقد ذكر أنه لا بد من زرع ثقافة الاعتزاز بالمنتوج الوطني وعدم الانبهار بكل ما هو مستورد، وغرس هذه القيم يبدأ من المناهج التربوية هذا من ناحية المستهلك، ومن ناحية المنتج فلا بد عليه أيضا إدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه والتي تعتبر رسالة، بالإضافة لكونه يهدف إلى تحقيق الربح فهو مطالب بأن يكون صاحب العلامة البديلة عن المنتوج المستورد، ولم لا الطموح للتصدير وغزو الأسواق الدولية.