ا تقل أزمة الغذاء خطورة عن أزمات الطاقة والمال والتكنولوجيا بل هي أم الأزمات في الواقع ما دفع بالدولة في مختلف المراحل إلى إيلائها الأهمية القصوى من حيث رصد الموارد اللازمة لإنعاش الفلاحة وتنميتها برد الاعتبار للعمل المنتج. لبرنامج الرفيق الذي روج له وزير الفلاحة في المدة الأخير لا يبدو أنه يقدم النتائج المرجوة طالما أن ما يعرف بأزمة البطاطس لا تزال تهدد استقرار السوق، فيما يمكن وضع التصدير الفلاحي ضمن المشاريع المستقبلية إذ لا يعتقد أن واقع الفلاحة بالنمط الذي تسير عليه يجعلها قادرة لأن تقدم البديل لمصادر الدخل التقليدية. للاسف لم تواكب تلك الجهود في تجنيد الموارد والتحفيزات أفكار جريئة لإعادة تنظيم الأراضي الفلاحية لتتحول فعلا إلى مساحات منتجة بكثافة فيما تعاني باستمرار من التوسع العمراني والانكماش لمختلف الأسباب المعروفة من أهمها الاعتداءات المختلفة من استحواذ غير قانوني ومضاربة غير مشروعة تسبب فيها جانب كبير من المستفيدين من المستثمرات العمومية. إلى متى تبقى المستثمرات أو ما تبقى منها على الأقل عرضة للضياع وانعدام الأفق تتلاعب بها جماعات المصالح دون أن تستفيد منها المجموعة الوطنية فبأي حق يؤجرها المستفيدون للغير خارج الأطر الرقابية التي تضمن حقوق المجتمع في شكل رسوم الإيجار والانتفاع طالما أن مستغليها يتعاملون مع السوق بمنطق حرية العمل والأسعار. إن هذه المستثمرات هي بمثابة الرئة المستقبلية للاقتصاد الفلاحي أساس الأمن الغذائي المطلوب في هذه المرحلة التي تحولت فيه المواد الأولية للغذاء إلى مصادر للطاقة البديلة، ومن ثمة ليست ملكا شاغرا يعبث به الخارجون عن القانون، ولذلك فإن تدخّل الدولة مهم جدا تماما كما تتدخّل الدولة في البلدان الصناعية لإنقاذ بنوكها وصناعاتها وفلاحتها دون أن يكون ذلك معارضا للحرية الاقتصادية. إن ما تبقى من مزارع وفضاءات ذات طابع زراعي في أي منطقة من بلادنا تتطلب اليوم تأطيرا تشريعيا واضحا من شأنه أن يحميها من اعتداءات مافيا العقار ويلزم المستفيدين بعد تحديد هويتهم القانونية باستغلالها وفقا للقواعد الأساسية للعمل الفلاحي، فلم لا يعاد بعث نظام جديد للمزارع الاقتصادية أو إعادة تأجيرها للخواص ضمن إطار قانوني يمنع الاستغلال ويقطع دابر حلم البعض بعودة الاقطاع، بل في ظروف اقتصادية حساسة تهدد الأمن الغذائي لا مناص من أن تتدخل السلطة العمومية لتجنيد الأراضي التابعة للخواص في العملية التنموية باعتبارها موردا للمجموعة الوطنية كاملة. لقد أدى تشتيت المزارع العمومية السابقة إلى ما يدعى مستثمرات فلاحية إلى نتائج لا تبدو في مستوى ما كان مرجوا بل أن المستثمرات الجماعية انفجرت على أصحابها لتتحول في شكل مساحات بئيسة أصابها البوار بعد أن كانت بالأمس القريب تنتج خيرات قادرة على المنافسة. لا يمكن أن يبقى قطاع بها الحجم والحيوية في منتصف الطريق أو يحول عن الطريق القويم، كما حدث سابقا مع خوصصة المؤسسات الاقتصادية العمومية، بل عليه أن ينهض من أوضاعه المهترئة تنظيميا وتشريعيا ليدخل المعركة الانتاجية بالصيغ المقبولة والمؤطرة بالضمانات التي تحمي أصل الملكية وتمنع الاستغلال وتضفي الشفافية على واجبات وحقوق عمال الأرض. ------------------------------------------------------------------------