يعتقد ناجي عمارة، أستاذ العلاقات الدولية بالمدرسة العليا للعلوم السياسية، أن الدول العربية والافريقية، تملك كافة مقومات التكامل وبناء تعاون ناجح لكل منهما، ويرى في الارادة السياسية واعادة هيكلة العلاقات الثنائية والتوجه نحو تنفيذ استراتيجية واضحة المعالم تستهدف الجانب الاقتصادي والاستثمار عوامل رئيسية في بعث تجمع عربي-افريقي قوي. «الشعب»: عرفت سنوات السبعينات محاولات جادة لتشكيل علاقات متينة بين العرب والأفارقة، غير ان الامور ظلت ترواح مكانها ولم ترتق إلى مستوى التطلعات على مدار 30 سنة او اكثر، الى ما يعود ذلك في اعتقادكم؟ البروفيسور ناجي عمارة: ينبغي الاشارة اولا الى الدافع الاساسي لعقد القمم وبناء التكتلات الاقليمية، والذي يجمع دائما بين العاملين الاقتصادي والسياسي، وفي سبعينات القرن الماضي، نجحت الدول العربية ذات الفائض المالي البترولي المعتبر، في بناء علاقات صلبة مع الدول الافريقية، من خلال توظيف اموالها في تنمية القارة عبر الشركات الاوروبية، مقابل الحصول على دعم الافارقة للقضية الفلسطينية، وقامت معظم البلدان الافريقية في قطع علاقاتها مع اسرائيل. وحدث ذلك لما كانت الجامعة العربية، اكثر تنظيما وقدرة على حشد المواقف والتعامل مع المشاكل، بينما كان الافارقة ينتظرون مساعدات مالية هامة من البنوك العربية الموجهة لإفريقيا لدفع التنمية والاستثمار، غير ان العلاقات العربية-الافريقية مرت بمرحلة فتور طويلة لعدة معطيات تداخلت فيها العوامل الداخلية بالخارجية، حيث عرف الافارقة عدة حروب اهلية ونزاعات طائفية مطلع التسعينات، كما تعرضت الدول العربية لنفس الظروف خاصة مع مطلع الالفية بعد استفحال ظاهرة الارهاب العابر للحدود. وساهم حضور القوى الغربية الكبرى في تعميق الفجوة بين التجمعين، بالتنافس الشرس على الثروات والسعي لتوسيع النفوذ وان كان ذلك على حساب الاستقرار، هذا الى جانب النزاعات الشائكة حول الماء بشرق افريقيا بين مصر واثيوبيا مثلا، واستغلال اسرائيل ذلك للتوغل في المنطقة وضمان نفوذ اكبر وقد استفحل وجودها في كينيا وأثيوبيا مؤخرا. وهناك أسباب أخرى ترتبط بعدم قدرة الجامعة العربية في الوقت الراهن على ايجاد حلول للمشاكل العربية، وتحسين علاقاتها الخارجية، وكذا عدم امتلاك الاتحاد الافريقي للوزن الكافي رغم التنظيم الهيكيلي الذي يعرفه في القيام بالجهود اللازمة في هذا الشأن، وعليه يمكن القول ان غياب الاستقرار السياسي في كلا الاقليمين وتضرر الثقة بعد بروز الجماعات الارهابية ادى الى هذا الفتور. تنطلق اليوم القمة العربية-الافريقية الثالثة بالكويت، ماهو المطلوب لإعادة بعث التعاون الثنائي، وماذا يجب على العرب فعله لاكتساب مكانة اقتصادية لائقة في القارة التي تشهد تنافسا محموما بين الغرب والصين للظفر بالاستثمارات؟ أعتقد أن وضع استراتيجية عربية-افريقية واضحة تتجه مباشرة نحو الهدف المسطر، تمثل الطريق الانسب، وهذا لن يحدث الا بتوفر الارادة السياسية لدى بعض الدول المتحمسة القادرة على حشد الدعم والتعبئة اللازمة لدفع التعاون، اي من الضروري وجود دول افريقية واخرى عربية مؤثرة ولها الوزن الكافي لتجسيد التوصيات والاتفاقيات وإن على المدى المتوسط. ومن الاساسي ايضا اعادة هيكلة العلاقات العربية -الافريقية، والبداية تكون بترتيب بيت الجامعة العربية، وبناء مؤسسات قوية وخلق سوق مشتركة وتقريب الاندماج العربي، ثم التوجه نحو افريقيا للاستثمار ومنافسة مجموعة البريكس وفرنسا وامريكا التي نجحت سياساتها الاقتصادية في القارة بفضل التوجه مباشرة نحو الهدف ومعرفتها التامة بمصالحها وكيفية الدفاع عليها. فأفريقيا لازالت ارضا بكر غير مستغلة وتعتبر سلة الاستثمارات العالمية، والارقام تكشف ان التعاون العربي-الافريقي في هذا المجال يقتصر على بعض الاعانات المالية ولاتوجد سياسة اقتصادية واضحة.بل لاحظنا توجه العرب خاصة دول الخليج إلى الاستثمار نحو الدول الأوروبية. هل يمكن القول أن للعرب والأفارقة إمكانيات معتبرة لخلق تكتل صلب، يقابلها اهدار مستمر للفرص المتاحة؟ بالفعل هناك كل امكانيات التكامل بين التجمعين، وينبغي عليهما العمل سويا على تجاوز التحديات الامنية وبؤر التوتر لخلق شراكة اقتصادية وسياسية ناجحة، يضاف الى هذا ترقية وتعزيز الحكم الراشد والديمقراطية والشفافية وإصلاح النظم القانونية لتشجيع الاستثمارات، وتمكين العرب من استرجاع مكانتهم في افريقيا.