أثارت مسألة المادة 87 مكرر جدلا لسنوات قبل أن يحسم أطراف الثلاثية الموقف بالذهاب إلى صيغة المراجعة ضمن أحكام قانون المالية 2015. وللموضع خلفيات قانونية فرضتها دواع اقتصادية ومالية تراجعت حدتها اليوم مما يسمح بالتعاطي معها لكن بحذر في ضوء المؤشرات الاقتصادية والمالية المحلية والعالمية. من زاوية المرجعية التاريخية فبمقتضى المرسوم التشريعي رقم 94-03 المؤرخ في 11 افريل 1994 المعدل والمتمم للقانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 افريل 1990 المتعلق بعلاقات العمل أضيفت المادة 87 مكرر التي تفيد نصا بما يلي ‘' يتضمن الأجر الوطني الأدنى المضمون المقرر في المادة 87 الأجر القاعدي، التعويضات والعلاوات كافة ماعدا التعويضات التي تصب بعنوان تعويض المصاريف التي ينفقها العامل''. وقبل هذا كان بتم الفصل بين الأجر القاعدي والعلاوات، غير انه بفعل المرحلة الانتقالية التي عرفتها الجزائر جراء الأزمة المتعددة الأشكال التي ألقت بظلالها على المشهد العام خاصة الاقتصادي والاجتماعي مطلع التسعينات، عكستها المؤشرات الحمراء التي أطلقت نتيجة الخناق الذي فرضته المديونية الخارجية والتوقف عن التسديد، كان وفاق بين الشركاء للذهاب إلى خيار صعب ومؤلم اجتماعيا بإدخال هيكلة على بنية الأجر بوضع تعريف جديد للأجر الوطني الأدنى المضمون ‘'سميغ'' كما ورد في المادة 87 مكرر. كان الإجراء استثنائيا وظرفيا للتعامل مع شروط قسرية ‘'لم يكن بالإمكان الإفلات'' منها ضمن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مقابل إعادة جدولة المديونية التي أرهقت الخزينة العمومية وسحبت الجهاز الاقتصادي إلى مستوى من الاختناق القاتل. والتزم الشركاء بإعادة النظر في تلك المادة التي أصابت الوضع الاجتماعي للعمال في الوقت المناسب كما هو الحال في المرحلة الراهنة التي عرفت جدلا واسعا حول هذه المادة بين مطالب لإلغائها بالنظر لتغير المؤشرات وزوال أسبابها، ومن يعارض لما يترتب عليه من اداءات مالية وطرف ثالث يحاول إرساء توافق متوازن. وكانت الثلاثية ال14 المنعقدة في 29 و30 سبتمبر 2011 موعدا حسم الأمر بالتوصل إلى اتفاق مبدئي لإلغاء المادة 87 مكرر وتجسيد ذلك في الطبعة ال16 للثلاثية التي أطلقت مسار تجسيد ذلك الالتزام ضمن ترتيبات أحكام قانون المالية للسنة المقبلة 2015، في ظل المعطيات الايجابية التي تحققت سواء على الصعيد المالي من توازن واستقرار أو الاقتصادي من برامج استثمارية ورد اعتبار للنسيج الصناعي مما يبعث انتعاشا ملموسا في تنمية عنصر الإنتاجية التي تؤسس لقيمة الأجر بالمفهوم الاقتصادي. وبالفعل للآجر الأدنى كمقابل مالي لمجهود اقتصادي في كل القطاعات بنية تأخذ في الاعتبار جملة من العناصر هي مراعاة حاجيات العمال وأسرهم، المستوى العام للأجور، كلفة الحياة وخدمات الضمان الاجتماعي، متطلبات التنمية والإنتاجية، وهي عناصر أساسية تؤخذ بالاعتبار في تحديد مستويات الأجر الأدنى بالنسبة للبلدان النامية. وهي مرجعية أدبية لنظام الجور بالجزائر تساعد في أعادة صياغة الأجر الأدنى المضمون بشكل يعيد الاعتبار لقيمته المالية وتكون له هوية اقتصادية تبعث النفس في نظام الأجور بحيث تستعيد قوتها في سوق العمل . ولم يتوقف النقاش عند أطراف الثلاثية بل توسع ليشمل الخبراء والمختصين كما هو الأمر للخبير عبد الرحمان مبتول الذي سجل أن الثلاثية الأخيرة التزمت موقفا فيه كثير من الحذر بتأجيل إلغاء أو تعديل المادة 87 إلى سنة 2015 من منطلق أن تعديل قانون يكون بقانون. وتوقف عند جانب الكلفة المالية لذلك خاصة على التوازنات الكلية الاقتصادية والاجتماعية محذرا من خطر التضخم الذي قد يعصف بكل تلك الجهود. بخصوص الحجم الكمي للأجور تفيد الأرقام بالنسبة لسنة 2003 حسب الخبير أنها بلغت 533 مليار دينار للجهاز الاقتصادي و542 مليار دينار للإدارة أي ما يمثل مجموع 1075 مليار دينار. ويضيف انه ضمن المرسوم لسنة 2007 حول مراجعة الأجور للوظيفة العمومية أعلن مسؤولو القطاع إنها بلغت 720 مليار دينار إلى نهاية 2006. وأضاف في تشخيصه مستندا لأرقام نشرت أن التحقيق الثاني الذي صدر عن الديوان الوطني للإحصائيات للمرحلة من 2006 إلى 2011، يظهر تطور كتلة الأجور بحيث انتقلت في القطاع الاقتصادي من 725 مليار دينار في 2006 إلى 820 مليار دينار في 2007 ، و943 مليار دينار في 2008، 1017 في 2009، 1166 في 2010 و1274 مليار دينار في 2011. وبالمقابل دعا الخبير إلى اعتماد مسار لتصحيح حجم هذه الكتلة لحساب الفائض خاصة في المؤسسات العمومية مقارنة بالمعايير الدولية وبالتالي السيطرة على عنصر الإنتاجية التي تصنفها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ضمن أضعف النسب في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إلى جانب ضعف الاندماج بين القطاعين العام والخاص. وبالنسبة للإدارة بما فيها البنوك والتأمينات يضيف مبتول أن كتلة الأجور انتقلت من 684 مليار دينار في 2006 إلى 811 مليار في 2007 و1098 في 2008 و1230 في 2009 و1628 في سنة 2010 وإلى 2415 مليار دينار في 2011. وبالرجوع لما صرح به وزير المالية فإن كتلة الأجور التي تتحملها ميزانية الدولة تقدر ب 2600 مليار دينار سنة 2013 ما يعادل أكثر من 34 مليار دولار. ودعا إلى وضع معايير حساب أخرى لتقييم الفعالية خاصة في الهيئات والمؤسسات ذات الطابع الإداري كالوزارات والجماعات المحلية وقطاعات التربية والصحة وغيرها. واعتمادا على الأرقام المعلنة في 2005 فإن الحكومة تقدر الأثر المالي الذي يترتب عن إلغاء المادة 87 بحوالي 500 مليار دينار للدولة و40 مليار دينار للمؤسسات أي ما مجموعه 540 مليار دينار وهي كتلة تعادل 7 ملايير دولار. وأوضح أن هذه الأرقام صدرت قبل الزيادات التي مست الأجور. ومن ثمة يعتبر أن كلفة الأثر المالي للموضوع ترتفع بارتفاع كتلة الأجور التي بلغت سنة 2013 ما يعادل حوالي 4200 مليار دينار. ويواصل في تشخيصه وتوقعاته ليصل إلى الفرضيات التالية، أولا فرضية زيادة عالية بنسبة 25 بالمائة تعطي كلفة ب1300 مليار دينار أي 17 مليار دولار سنويا مقارنة بأرقام 2013 ويترتب عنها تضخم برقمين، وفي حالة فرضية زيادة متوسطة بنسبة 20 بالمائة فانه بالرجوع إلى تقديرات منتدى رؤساء المؤسسات تكون الكلفة ب840 مليار دينار ما يعادل 10 ملايير دولار وبالنسبة لفرضية ثالثة بزيادة متدنية بنسبة 15 ٪ فتكون بكلفة 6320 مليار أي 8،2 مليار دولار. وكل هذه الفرضيات ستؤدي حسبه إلى تضخم إذا لم ترافقها زيادة في الإنتاجية والإنتاج مشيرا إلى انعكاسات ستضرب مباشرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ويحيل مبتول إلى ما توصل إليه الاقتصادي البولوني ميكايل كالكي بضرورة الفصل بين الأجر والمرتب، فالأول يطبق في القطاع المنشئ للثروة مباشرة وغير مباشرة للقيمة المضافة، والثاني أي المرتب فهناك قسمين واحد للمستفيدين من التحويلات مباشرة وآخر لمن يساهمون غير مباشرة في إنتاج القيمة في المدى المتوسط طبقا لتصنيفات برنامج الأممالمتحدة للتنمية. واعتبر في سياق تصوراته للخروج بصيغة متوازنة أن الإجراء الأكثر إلحاحا إدماج الاقتصاد الموازي في المنظومة القانونية والتحكم في ظاهرة ارتفاع الأسعار لتفادي كل انحراف تضخمي يضر بالقدرة الشرائية للفئات الهشة خاصة أصحاب الدخل الثابت. ولذلك من المفيد الدمج بين والربط بين مسار تراكم الثروة وتوزيع الدخل والنموذج الاستهلاكي في المجتمع في غياب تحقيقات إحصائية حول الاستهلاك حسب الفئات. ويتوصل الباحث إلى ضرورة رد الاعتبار للعمل والاعتراف بالمؤسسة الاقتصادية العمومية أو الخاصة، محلية كانت أو دولية كمصدر منشئ للثروات التي تحاط بإدارة رشيدة وشفافة.