«الحياة قطعة مسرحية، ليس المهم أن تدوم مطولا ولكن أن تعاش كما ينبغي» سينيكا إنه الحدث المركزي لهذا العام بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية: 800.000 شخص غزوا روما نهاية هذا الأسبوع لإعلان الأبوين : جون 23 وجون بولس الثاني قديسين. المراسم جرت الأحد بحضور كل وسائل الإعلام العالمية التي أظهرت ديانة مضيافة ومبتسمة فخورة بالبقاء. وهذا على النقيض مع «إسلام ينزف» كما تظهره نفس التليفيزيونات الغربية وهي تتلذذ بذلك لأن دورها هو إعطاء هذا الانطباع وجعل الإسلام منبوذا. الكل يتذكر البابا يوحنا بولس الثاني، المتوفى عام 2005. 26 عاما من البابوية 104 حجات للقاء المؤمنين. البابا صاحب «لا يجب الخوف» جعل من الحملات الصليبية ضد الشيوعية أسمى مهماته المقدسة، متعطش و شخصية كاريزماتية رحالة في سبيل الإيمان، رأى بأم عينيه انهيار الشيوعية في الجهة المقابلة. منتقدو بولس الثاني أخذوا عليه بالخصوص تركيز السلطات بين يديه وتشدده مع رجال الدين خصوصا أولئك الذين يحملون فكرا تحرريا.(1) ليس هناك وجه تشابه البتة مع جون الثالث و العشرين الصنف مختلف تماما. مدة توليه للبابوية كانت قصيرة (5 سنوات)، أدخل الكنيسة في إصلاحات معمقة عن طريق المجلس الثاني للفاتيكان. جون الثالث والعشرين اشتهر بطيبته الأسطورية. أنجيلو غويسبي، 25 نوفمبر 1881 روما، 3 جوان 1963) انتخب بابا يوم 28 أكتوبر 1956 تحت اسم جون الثالث والعشرين (تم تطويبه من قبل جون بولس الثاني بمناسبة حج الخوف سنة 2000، ومن حينها يحمل لقب «الأب السعيد جون الثالث والعشرين». في ايطاليا يطلق عليه اسم البابا بيونو «البابا الطيب» أب رحيم عرف عنه البساطة بداية من 25 جانفي 1959، جون الثالث والعشرين استدعى مجلس الفاتيكان، الذي يعول عليه لكي يكون قاطرة تحديث الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. هذا القرار فاجأ بل قل أثار حيرة البابويات المتخوفة من حدوث تطورات معتبرة يوم 11 أكتوبر 1962 المجلس المعين حديثا أطلق عليه اسم «فاتيكان 2» افتتحت أشغاله يوم 11 أفريل 1963 أين صادق على الرسالة البابوية التي بدت كوصية روحية : (سلام في الأرض) تتجاوز العالم الكاثوليكي موجهة «إلى كل أصحاب النوايا الحسنة» أشادت بالديمقراطية، أكدت أن الحرب لا يمكنها أن تكون وسيلة لإرساء العدالة واقترح خلالها أن يكون «قانون الضمير» هو من يحكم العلاقات بين الدول، وطالب بالعدالة والتضامن والحرية. تطويب واعلان قديس سواء كان تطويبا أو إعلانه قديسا يدخل هذا في إطار مسار امتحنت من خلاله الكنيسة الكاثوليكية بحذر حياة وعمل هذا المدعو ليتربى على الطاولة المقدسة. لماذا أولئك القديسون؟ مع اعتقادنا أن القداسة لله وحده، الكنيسة الكاثوليكية ترغب دائما في أن تقدم للمؤمنين بها نماذجا للحياة المسيحية. «إعلان القداسة من الطقوس المتبعة من قبل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنائس الأرثودوكسية لإضفاء صفة القداسة على شخص ما. إلى غاية القرن العاشر لم يكن هناك في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية إجراء على المستوى المركزي لإعلان شخص ما مقدس. في الغالب كان الشعب هو من يمنح القداسة (..) الإيمان والأعمال الطيبة خلال حياته، والمعجزات قبل و بعد موته كلها عناصر مهمة لإضفاء صفة القداسة على شخص ما،يضاف إلى ذلك سمعة القداسة (...) في 1634 ايربان الثامن حدد بصفة واضحة ومفصلة شروط وإجراءات إعلان القداسة في دستوره كوليستيس جيريسلام امتحان المعجزات (معجزتين على الأقل) تسمح بفتح جلسة إعلان القداسة. (...) جلسة إعلان القداسة تبدأ بإقرار «ضعف» الشخص المتوفى. وبهذا يعترف بحق الأخير في الحصول على المباركة المحلية. ويمكن تطويبه فيما بعد و بعد التطويب يحصل على درجة «السعداء» ويمكن أن يكون موضوع صلوات أشمل. في الأخير ال «القديس» يمكن أن يشكل موضوع صلوات كونية (2). القداسة في مختلف الديانات هناك الآلاف من القديسين الكاثوليك من ضمنهم ثلاثة جزائريين : أوبتا دو ميلاف، دونات وأوغسطين ديبون ولكن من هو القديس حقا؟ في الموسوعة الحرة ويكيبيديا نطلع أن: «القديسين هم رجال أو نساء و- في تقاليد أخرى ملائكة - يتميزون في مختلف الديانات بسموهم الروحي ويقدمون للناس كنماذج للحياة بسبب تميز شخصيتهم أو سيرتهم المثالية. بعض أولئك القديسين يمكن اعتبارهم «شهداء» («شهود») لأنهم دفعوا حياتهم ثمنا لتشبثهم بإيمانهم. القديسون بالمعنى الحقيقي هم أولئك الذين وصلوا إلى درجة التطويب الأبدي يعبدون الله في السماء و يتوسطون للبشر في هذه الدنيا.(4) البروتستانية تتميز عن المذاهب المسيحية الأخرى من خلال رفض ثقافة القديسين. الوصايا القديمة تستعمل المصطلح العبري «غوداش» الذي يعني أساسا «خالص» «القداسة لله وحده» حسب ما كان مكتوبا في الصفيحة الذهبية التي كان يحملها الأب الأعظم في معبد القدس.(4) الذهب السني يرفض كل تقديس لغير الله لأن ذلك يعتبر شركا. فثقافة «القدسية» ممنوعة في السنة فالسنة لا تعرف السلم التصاعدي ليس هناك إذن لقب أو صفة القداسة ولكن هناك بعض الدول في إفريقيا و خاصة المغرب توجد بها ممارسات تميل مرات إلى «نوع « من ثقافة تقديس الشخص يطلق عليهم محليا اسم المرابطين. وهي أشكال من الصوفية لا علاقة لها بالعقيدة،أين تنتشر الطرقية وسط كل الجاليات المسلمة. التي تعرف كذلك «الولي» وهو مصطلح يترجم دائما إلى»قديس» في أدبيات التعبير الفرنسي، في حين أن معنى «ولي» هو مرادف إلى «داع إلى الله» أو «شيخ»(4) المذهب الشيعي يعترف بالقديسين و أضرحتهم التي تشكل مزارات . في البوذية لا يوجد مصطلح «قديس» وكذا التعيين (الحديث نسبيا) غير موجود في بوذية التبت»(4). كيف «يصنع القديسون» من طرف الفاتيكان و كيف يمول الأخير قداساته تشرح لنا ستيفاني لوبارس كيف تجري عملية إعلان القداسة التي تدور حول معجزتين واضحتين من وجهة نظر الكنيسة - : «كلاهما (الأبوين المعنيان بالإعلان) هم منتوج «مصنع القديسين» مؤسسة دينية أصبحت بمرور الوقت سياسية بوضوح اخترعتها المسيحية من أصولها.(...) «مثالية القديس يجب أن تعتمد على حياة إنجيلية، يؤكد فيليب لوكريفان، مؤرخ . «المعجزة» غالبا هي شفاء ينظر إليه على أنه إشارة على طاقة إلهية، من أجل إعطاء بعد ديني للمثالية.» اعتبارا من القرن الثالث بدأت ثقافة الشهداء (...) وخلال كل فترة القرون الوسطى توقفت الآلة. «حياة قديسين» تتداول تجمع بين الأسطورة والحقيقة، التقوى و التصرفات النبيلة للمؤمنين المثاليين. من الحقيقي أنه وإلى غاية القرن الحادي عشر الإجراء كان بسيطا: «المباركة» الشعبية، (...) ولكن هذا المصنع الفوضوي للقديسين، وبما أن هذه الطريقة ليست بمنأى عن التدليس تستعيده الكنيسة. هذا التطور صادف تمركز البابوية في روما انطلاقا من القرن الثاني عشر. بعد الإصلاح البروتستانتيون رفضوا ثقافة القديسين من أجل «محبة الله وحده». (...)(5). في نفس السياق التضحية في سبيل الليبرالية الجديدة، الإيمان أصبح سلعة. الكنيسة تبحث عن ممولين شأنها شأن لجنة علمية تواجه صعوبات مالية في هذا الصدد كتب فيليب ريدي «ذكرهم واحدا واحدا جلالة ليبيريو انديرياتا رئيس وكالة الفاتيكان لتنظيم الحج أعطى الأربعاء 23 أفريل أسماء الممولين الذين مكنوا الفاتيكان من تمويل الإعلان المزدوج للقديسين: «الشركة البترولية ايني، بنوك انتيسيا سانباولو، بيكاو بنكو بوبيلارو ايني كريديت، شركة التأمين جينيرالي، مجموعة بينيتون، شركة الطرق السريعة وشركة المطارات.» ومقارنة بالمصاريف المخصصة للمناسبة تبدو مصاريف أصغر دولة في العالم متواضعة: 500.000 أورو خصصت أساسا لوضع المدرجات المخصصة للصحافة ول 61 وفدا ممثلا ل 54 دولة، 19 رئيس دولة، 24 رئيس حكومة ول 23 وزيرا. خبر سار: فقد بلغت هبات الممولين 300.000 أورو من هذا الاستثمار وهنا. يجب العودة إلى مهرجان وودستوك شهر أوت 1969 لاكتشاف حدث كوني مربح بهذا الشكل.(...) (5) حيرة المؤمنين في القرن الحادي والعشرين في هذا الوقت الذي انقلبت فيه القيم أين يبدو كل شيء ظرفي القناعات التي كنا نظنها منقوشة على الرخام، كاستحالة وجود الفساد في الكنيسة أو بين رجالها، نطلع أن هناك فضائح مالية تمس الكنيسة بدورها وأن الكثير من البابوات ليسوا مثالا يحتذى.أكثر من أي وقت مضى وجد الرجل نفسه تائها بين حاجته إلى الإيمان والتشبث بحقيقة عليا ممثلة في أشخاص مستخلفين الذين نطلق عليهم «الأولياء الصالحون»؟ وفي نفس الوقت يطلّع أن العلم يستطيع تفسير كل شيء لا سيما المعجزات المعروفة بأنها أدخلت إلى معسكر الإيمان أجيالا كاملة من المؤمنين. «الحاجة إلى الأمان؟ شكل من التوجس؟ هذا واقع: ثقافة القديسين أولئك الوسطاء الأفذاذ بقيت راسخة في أوساط الكاثوليك. البروتستانت الرافضين لانتشار المناسبات الدينية في القرون الوسطى يتوجهون مباشرة إلى الله.» وعند المسلمين يواصل فيليب ريدي لا نتكلم عن القديسين ولكن عن تعظيم شأن بطارقة الإنجيل و صحابة الرسول. تبقى مسألة المعجزات، أكثر إثارة من أي وقت مضى. في القرون الوسطى، العلم والطب لم يسمحا في الغالب بالتمييز بين ماهو «خارق للطبيعة» (معجزة إلهية) وما هو غير ذلك، شفاء غير مفهوم كانت إشارة، دليل على وجود الله. «لابد من انتظار بداية القرن العشرين يذكرنا الدكتور جون كلود مونفورت معالج نفسي في المستشفى الباريسي سانت آن، أنه باكتشاف مضادات الصرع تبين أن نوبات الصرع لا تحدث بسبب «سطوة شيطانية» كما كنا نعتقد ولكن نتيجة اختلال في الوظائف العصبية». «في سنة 1952 يضيف أن حالات هذيان الرعب، التي كانت تعتبر «مسّا شيطانيا» تلك الاعتقادات أسقطتها الأدوية في بدايتها علاوة على ذلك استطاعت مضادات الانهيار العصبي التخفيف من معاناة المصابين».(6) ماهو موقف العلم من المعجزة؟ ماهي المعجزة؟ في الموسوعة الحرة ويكيبيديا تطرح مسألة المعجزة نطلع: «المعجزة تعني وقوع حدث خارق للعادة، إيجابي لا يمكن تفسيره علميا ينظر إليه على أنه فوق طبيعي، يعزى إلى قوة غيبية يحدث مباشرة أو عن طريق وسيط لهذه القوة الغيبية نعتقد دائما أن المعجزات «طيبة» أو «أهدافها طيبة»... ولكن لا تسير الأمور دائما على هذا النحو. في الإنجيل نطلع أن الله عذب أقواما عن طريق المعجزات وبالنسبة للكاثوليك فقد حصلت القليل من المعجزات في الغرب اللاتيني (ذكرت المعجزات 250 مرة في بداية المسيحية). علاوة على هذا ودون ذكر المعجزات أجريت دراسة علمية على 1574 حالة شفاء غير مفسر في الأوساط الاستشفائية بين 1864 و1992».(7) هل البابوية معصومة من الخطأ؟ أجيال من الأوفياء آمنوا بها خلال مجلس القرون الأولى. البابوات «يخترعون» التيجان كشكل من تطهير الروح. الآلاف من المؤمنين آمنوا أن أقاربهم الذين ماتوا هم في هذه المرحلة الوسيطة يتذكر جميعنا كيف أن بين عشية و ضحاها أصدر البابا بينيدكت السادس عشر يوم 20 أفريل 2007 مرسوما يقضي بإلغاء المرحلة الوسيطة. ما مصير كل هذا العالم الذين تنتظر أرواحهم منذ قرون. على ما يبدو فكرة المرحلة الوسيطة هي اختراع كاثوليكي محض. بالنسبة للديانات الأخرى الجنة أو النار كانت و لا تزال تشكل «المعالم» الوحيدة في هذا القرن الحادي والعشرين أين هجر الإيمان الكنائس وطغى البزنس على المقدس. بورتري ^ البروفيسور شمس الدين شيتور أستاذ بامتياز، مهندس المدرسة المتعددة التقنيات بالجزائر العاصمة والمعهد الجزائري للبترول، يحمل شهادة دكتوراه دولة بجامعة الجزائر، دكتوراه في العلوم الاقتصادية بجامعة جون موني بفرنسا. شغل منصب أستاذ محاضر بجامعة تولوز، وأشرف على مناقشة عشرات الرسائل الجامعية. نشر مقالات تحليلية كثيرة، وأصدر مؤلفات في مجالات الطاقة، البترول، الجيواستراتيجيا والتغيرات المناخية. كما ألّف كتبا عديدة حول تاريخ الجزائر، الاسلام والعولمة آخره «فلسطين قضية كل المثقّفين».