يتناول الحوار التالي مع الأستاذ أمحمد حميدوش، خبير محلل اقتصادي ومالي جملة من الأولويات التي تفرض نفسها على المنظومة الاقتصادية من حيث الخيارات الكبرى التي ينبغي لقطاعات حيوية أن تتعاطى معها، ليتوصل في النهاية إلى أن الأمر يبقى مرتبطا بمدى ونوعية العلاقة بين المؤسسة الاقتصادية والبحث العلمي مشيرا إلى ان المشكل يخص العلاقة بين القطاعات الاقتصادية والبحث العلمي والتطوير والحلقة المفقودة تخص اعتماد مراكز تقنية بموجبها يتم معرفة واعتماد الخبراء، التخصص ومراكز البحث. يؤكد ان الربط بين القطاع الاقتصادي والمختصين والباحثين الجامعيين يعطي بالضرورة دفعا جديدا لحلقة الإبداع والابتكار، بالتالي تصبح الملكية الفكرية جزءا هاما في عجلة الاستثمار الذي يقود النمو نحو التصاعد، عوض المنحنى المتذبذب، بين فترات نمو وركود وأزمة. فيما يلي نص الحوار: - الشعب الاقتصادي: ماهي أبرز القطاعات التي ينبغي أن تحقق قفزة اقتصادية خارج المحروقات؟ * أمحمد حميدوش: قبل الرد على السؤال الخاص بالقطاعات لا بد من الارتكاز علىالفلسفة التي جعلت من بعض الدول تعرف قفزة في جل القطاعات وأذكر نموذج ماليزيا بحيث ترك مهاتير درسا للزعماء في مجال التنمية والملخصة في 12 نقطة يمكن إيجازها في'' مشاركة في رفاهية الجيران، إبعاد العائلة من دوائر السلطة والأعمال، إرسال الوفود إلى الخارج من أجل الحصول على المعارف والدرايات، تكوين الموظفين في الإدارة العملية وكذا إضافة القيمة للمواد الأولية قبل تصديرها ومحاربة الرشوة مع العلم انه لا يوجد فساد يساوي الصفر لأنه أسطورة والارتكاز على الثقافة الوطنية مع العلم أن للعمل وحده مقابل''. يجب البحث ضمن فلسفة المشار إليها على القطاعات الاقتصادية التي لها القدرة على تحقيق برنامج الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية والموجز في نقطتين الأولى تحقيق اقتصاد بارز والثانية نسبة نمو تعادل 7٪، مما يعني أننا نتجه نحو المميزات التي بموجبها تكون المساهمة القوية في النمو الاقتصادي العالمي وتحسين شروط المعيشة للمواطن وتحسين بعض المؤشرات الاقتصادية باستمرار مثل الدخل القومي، مؤشر التنمية البشرية وأيضا المشاركة النشيطة والتجارة الدولية، مما يستدعي استقطاب رؤوس أموال أجنبية موظفة محليا على المدى الطويل وتواجد المؤسسات الوطنية في عدة دول في العالم مع الارتكاز على اقتصاد متنوع لا يعتمد على تصدير مواد أولية، كما أن هذه القطاعات مطالبة بوضع آفاق واعدة بفضل ديناميكية النمو الديمغرافي والعدد المتزايد للمستهلكين مع التفاؤل بالمستقبل الذي قد يحمله حماس الشباب. النجاح في الدخول إلى اقتصاد بارز الذي ورد في الحملة قد يجعلنا نضع الأسس للتفكير من الآن للمرحلة التي تليه وهي القوة الاقتصادية أو ما يسمى بالقوة البارزة الاقتصادية التي بموجبها يصبح البلد فاعلا سياسيا من خلال الاقتصاد وبالتالي القطاعات المعنية بالتحدي هي الصناعة، الفلاحة، السياحة، الصيد البحري، المالية، تكنولوجيات الإعلام والاتصال، الصناعة التقليدية، النقل والثقافة مع التركيز على الاعتماد على القدرات الوطنية (الموارد البشرية والكفاءات) باعتبارها أقطاب للتصدير والتنمية المستدامة مكملة لقطاع الطاقة والمناجم. كما أن وزارة الخارجية لها دور المرافقة لمعرفة الأسواق الخارجية واستقطاب الكفاءات المحلية والأجنبية بالخارج من خبراء ومختصين مثلا إرساء آليات لاستقطاب خبرات مختصة في مجالات شتى هي متاحة في مناطق إقليمية عبر العالم كما هو الحال لقطاع النسيج بالنسبة للجالية السورية التي لها تجربة تنافسية في هذا المجال كما هو الحال بالنسبة للفلاحة التي يمكن استقدام يد عاملة احترافية لفائدة الشباب الحائز على شهادات جامعية ويستفيد من عقود امتياز في إطار الاستصلاح الفلاحي. - حققت الصناعة مشاريع ملموسة، ما هي أهم القطاعات الصناعية التي يمكن الرهان عليها؟ * لا أرى في المجال الصناعي مشاريع ملموسة وإنما مشاريع هدفها الاستجابة للطلب المحلي حتى وان كانت ضخمة لدى القطاع العام أو الخاص فتعتبر في سياق الاقتصاد العالمي الجديد مشاريع استهلاكية لأن التجهيزات المستوردة غير قابلة للتكيف مع تطورات السوق وبالتالي تجد هذه المشاريع نفسها أمام واقع، إما شراء مجددا تجهيزات وتصبح مستهلكة لوسائل الإنتاج مفروضة عليها ضمن هذا السياق لأن المنتوج موجود في نظام تطور مستمر، مما يجعل المتعامل الاقتصادي المحلي يفكر في الاستجابة للطلب مع إهمال عنصر الزمن، أي مواكبة تطور المنتوج من خلال الاعتماد على عنصر الابتكار. لكن أرى أن هناك بداية لمستقبل الصناعة في الجزائر من خلال ما ورد في مخطط الحكومة بالتركيز على إحلال (استبدال) الواردات من خلال إنتاجها محليا. هذا الملف يتطلب الذكاء والدهاء والحنكة وتظافر الجهود مع تحديد المسؤوليات لأن قائمة هذه المنتوجات تعادل 4582 منتوج، بالتالي يجب التفكير في توفير من الآن لاستقطاب المشاريع الخاصة بهذا الإطار، مناطق نشاط مجهزة متخصصة حسب الفروع الاقتصادية وصناديق ضمان القروض(عددها 29) والمختصة في مجالات اقتصادية وخبرة لتقدم الاستشارات والدراسات لأصحاب المشاريع المعنية بإحلال الواردات بالإضافة إلى صناديق رأسمال المخاطرة أو الإيجار والتنحيل( استقطاب ونقل المعارف والتكنولوجيات بواسطة رأس المال)، إضافة إلى تحديد مجالات تدخل البنوك وتخصصها من حيث طبيعة النشاط الاستثماري والمناطق. - الفلاحة وإدماجها في الصناعة التحويلية، ما هي قدراتها الخاصة بالشراكة الأجنبية؟ * بلغ استيراد المواد الغذائية ما يقارب 10 ملايير دولار في 2013 وإذا استمرت نفس الوتيرة بالمقارنة مع النمو الديمغرافي قد ترتفع الفاتورة الغذائية إلى 14,7 مليار دولار في نهاية 2020 وتنتقل إلى نصف الواردات الحالية خلال 2030 وهنا يكمن الخطر لأن نصف وارداتنا توجه إلى الغذاء، هذا السبب يرجع لتراكمات في القرارات السابقة منذ الاستقلال لعدم التركيز على الرهانات وبالتالي يجب الاهتمام والنظر لهذا القطاع بصفة براغماتية بحيث تقلصت المساحة الفلاحية الصالحة للزراعة التي كانت تبلغ 7,6 مليون هكتار ما يعادل 3٪ من المساحة الإجمالية بالإضافة إلى أن المساحة المسقية لا تتعدى 350 ألف هكتار، ما يمثل سوى 5٪ من الأراضي المزروعة علاوة على تدهور ملايين الهكتارات الرعوية، هذا ما أدى بنا إلى انخفاض في نسبة الأراضي الفلاحية لكل مواطن من 0,63 للهكتار في 1967 إلى 0,2 للهكتار في سنة 2000، بينما في اسبانيا أو فرنسا المعدل 0,55 هكتار لكل نسمة مع مردوديات عالية تفوق ال 10 إلى 15 مرة المردودية المحلية عندنا. بالتالي هذا القطاع يحتاج إلى حلول نوعية على رأسها توفير من 3 الى 4 ملايير متر مكعب من المياه سنويا، كما نشير إلى الحلول التي اقترحها المجلس الاقتصادي والاجتماعي من خلال التوصيات التي قدمها والمتمثلة في التوصيات المهيكلة التي نوجزها في حسم الموقف بالنسبة للعقار الفلاحي والاعتماد على تحسين وتوسيع حجم المستثمرات والنهوض بمستوى الفلاحين، أما التوصيات الموازية التي قدمها المجلس والمتمثلة في ترقية الصناعات الغذائية، نشير إلى الخلل من خلال هذا المثال الحي، كيف يعقل أنه يوجد في الجزائر أكبر مصنع للسكر في إفريقيا ولكن عوض اعتماده على الإنتاج المحلي ‘'للشمندر السكري'' يعتمد على استيراد السكر البني ليحول إلى سكر أبيض مع العلم أن هذا النوع من الصناعة كان متواجدا خلال السبعينات ضمن التكامل بين الشركة الوطنية لإنتاج السكر والفلاحين المتواجدين حولها، لاسيما في الهضاب العليا لكل من سطيف والبرج وضواحيها. -هل إصلاح المنظومة البنكية شرط لكسب معركة النمو ومن أين تبدأ العملية برأيك؟ * المنظومة البنكية معنية بإصلاح جذري والبداية تكون مع البنوك العمومية التي تحمل الطابع التجاري، بحيث يستلزم التخلي عنها وخوصصتها عبر البورصة لأنه لا يعقل أن تحمل 5 بنوك عمومية رقم أعمالها يفوق 20 مليار دولار مخاطر تضمنها الدولة، بالتالي الاعتماد على بنوك تجارية مبنية على رأس المال المحلي أو الأجنبية العالمية، مع إعادة النظر في تنظيم المهنة ومصارف التعاملات وكذا تحويل الربح من المعاملات والتعاملات إلى مركز مهنة البنك التي تكمن في درجة المخاطرة في تمويل المشاريع، مع التحول في ثقافة الاعتماد البنكي الذي يمنحه بنك الجزائر الذي يفرض على البنوك الأجنبية عند الاعتماد وضع ضمانات وإجراءات تفرض عليها تحويل موارد إلى الجزائر من أجل ضمان المهنة وهو من المفروض العكس، بحيث اللجوء إلى إجراءات تضمن تأمينات من الخارج للقيام بالنشاط البنكي في الجزائر، لأن هذه البنوك العالمية تملك رقم أعمال أكبر من كل شمال إفريقيا، كما أن خوصصة البنوك التجارية لا يعني خروج الدولة من النظام المصرفي بل تحمل المبادرات الاقتصادية في مجالات معينة تخدم السياسة الاقتصادية تفترض وجود سلسلة من البنوك الحكومية مثل بنك لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبنك تضامني لتمويل المشاريع المصغرة والقرض العقاري لتمويل مشاريع البناء والإسكان والتعمير وبنك لتمويل السياحة لتطوير المشاريع السياحية وصناعة الترفيه وبنك تجاري لتمويل المشاريع الإستراتيجية كما هو موجود في بعض الدول مثل فرنسا وكندا التي يستمد تمويلها من صندوق الجماعات المحلية من خلال الاقتطاعات السنوية للتأمين على الكوارث الطبيعية والقائمة للبنوك طويلة - السياحة ثروة غير زائلة، لكنها لا زالت تبدو متخلفة بالنظر لحصتها في النمو، كيف يمكن الدفع بهذا القطاع؟ * القطاع السياحي يستقبل في المغرب 10 ملايين سائح وفي تونس 7 ملايين سائح وفي الجزائر لا يتجاوز 2 مليون سائح، لكن نشير أن هذه النتائج ليست وليدة الصدفة، حيث أن تونس قامت بدراسة إستراتيجية لهذا القطاع مع مكتب ‘'رولاند بيرجي'' في 2009 ليتوصل إلى مخطط عملي يمتد إلى 2016 والمتضمن 5 محاور تتفرع إلى 20 عملية والمتضمنة 160 إجراء، بالتالي غياب عمل من هذا النوع يصعب من الارتقاء بهذا القطاع واستقطاب سياح والقطاع مطالب بالاعتماد على الموارد الطبيعية الخلابة التي لا نجدها إلا في الجزائر(4 فصول في السنة خلال 3 فصول) وتجنيد الموارد البشرية والمالية لفائدة القطاع الخاص مع تسويق صورة الجزائر في الخارج التي بموجبها تميز التوجه نحو السوق الجزائرية بالمقارنة مع دول الجوار وكذا إحداث بنك للفندقة كما اشرنا إليه سالفا وإعادة النظر في تعريف المناطق السياحية، التي يجب أن تحتوي على مشاريع مبدعة تموّلها رؤوس أموال محلية وأجنبية إلى جانب تطور النقل الجوي من خلال دعم رحلات إلى الجزائر من نوع ‘'شارتير'' بتمويل جزئي، مثل ما تقوم به مصر التي تقوم من خلال هذا الإجراء بملء الطائرات وبالتالي دعم شبكتها للطيران إضافة إلى تحسين تنافسية استقطاب السواح، كما يجب إعادة النظر في التنظيم لشركة الخطوط الجوية الجزائرية والرجوع إلى النظام السابق، شركة للطيران الدولي وأخرى داخلية تموّلها الدولة، الرحلات نحو الجنوب والهضاب العليا. كما يتطلب هذا القطاع بناء سياسة الأحداث السنوية المبرمجة مثل المنافسات الدولية في الرياضة، الثقافة والسينما والمحافل والمعارض الاقتصادية الدولية والملتقيات إلخ، كما يستلزم إدخال تكنولوجيات الإعلام والاتصال على سلسلة الفنادق والدفع الالكتروني وإعداد دلائل سياحية محّينة وإدراجها في منظومة الدلائل السياحية العالمية.