طاولات تغزو الأسواق والساحات العمومية لبيع الديول، قلب اللوز، المعدنوس، و«الحشيش» رغم أن الرواتب والأجور لا تزيد في الشهر الكريم شهر رمضان، إلا أن إنفاق الأسر والعائلات يتضاعف بصفة كبيرة ، والسبب المشتريات الكثيرة والاستثنائية إلى جانب حرص معظم الأسر على تجهيز مائدة إفطار فاخرة، تكون اللحوم أهم مكونات أطباقها . هذا الوضع جعل الأطفال يمارسون بعض الأعمال لمساعدة عائلاتهم في مصروف البيت ولعل تزامن الشهر الفضيل مع العطلة الصيفية أدى الى سهولة المهمة على الصغار. يقوم الصغار وعددهم في تزايد ببيع سلع رمضانية يكثر الطلب عليها في هذه المناسبة على غرار "الحشيش" و "المعدنوس "،الديول ،الحمص ،الخبز التقليدي ،الحليب، الفلان وغيرها من المواد الأساسية ، " الشعب" قامت باستطلاع ميداني لرصد هذا المشهد التجاري المتنامي. الديول،قلب اللوز والحشيش والمعدنوس ...أهم ما يبيعونه يستغل معظم الأطفال مناسبة حلول شهر رمضان الكريم لممارسة نشاط تجاري موسمي بالاشتراك مع بعضهم البعض أو كل واحد حسب السلع التي يعرضها ، حيث يتغير ديكور الأحياء الشعبية، ويصبح يعج بالطاولات التي ينادي صغارها على السلع التي يعرضونها من أجل جلب السكان لشرائها. ويبدأ التحضير لبرنامج هذا النشاط أياما قبل حلول الشهر الفضيل، ويبدأ الإنجاز والشروع في عملية البيع في اليوم الأول من شهر رمضان، فترى هذا يبيع موادا غذائية، والآخر أنواعا من العصائر، وفئة أخرى تعرض الديول والخبز التقليدي، وآخرون يتفننون في عرض حلويات قلب اللوز والزلابية، وفئة تعرض الحليب ومشتقاته. فيما اختار العديد من الأطفال هذا العام تخصيص طاولات بيع الحشيش والمعدنوس، نظرا لتهافت الناس عليها لتحضير مختلف الأطباق الرمضانية ، وتتحول تلك الطاولات إلى خيمات في الفترة الليلية بعد أن يقوم أصحابها بعرض قلب اللوز والزلابية، والشاي ومختلف المكسرات، والهدف الأول من كل هذا هو الكسب الحلال بدل اللجوء إلى الأساليب غير المشروعة لربح بعض المال لإعانة عائلاتهم خاصة الفقيرة منها. وفي هذا السياق حدّثنا العديد من الأطفال الذين اعتادوا مزاولة هذه التجارة مع حلول الشهر الكريم ، حيث يقول "مروان" في الخامسة عشر من عمره:" أدرس في الطور المتوسط تعودت بيع السلع المختلفة في شهر رمضان وهي الفترة التي تتزامن و العطلة الصيفية، لذا أستغلها لبيع صينيات قلب اللوز والشاربات حيث يشاركني في مشروعي الصغير أخي الأكبر مني سنا والذي كنت أساعده عندما كان هو من يزاول هذا النشاط" ويضيف مروان في هذا الصدد:" قبل أيام قليلة من شهر رمضان المبارك نطلب صنع صينيات قلب اللوز من جارتنا بالحي ثم بتهيئة مكاننا المعتاد لكل سنة لوضع طاولتنا في الحي وبهذا نكون قد وفرنا مصاريف ملابس العيد والدخول المدرسي بشراء مستلزماته ،كما أننا نساعد والدنا في ميزانية البيت خاصة وأن الشهر يحتاج لمصاريف كثيرة" أما "الياس" البالغ من العمر 14 سنة فيقول:" رمضان بالنسبة لي هو شهر استرزاق ليس شهر الكسل والنوم لساعات طويلة، فأنا أدرس في التعليم المتوسط وأبي ليس له عمل مستقر، فعلى مدار السنة أقوم بعدة أعمال مختلفة في مجال البناء والصبغ كمعاون لذوي الخبرة أيام العطلة الأسبوعية، أما في شهر رمضان فهو شهر معروف بمواده الخاصة و المطلوبة جدا، لذا أحاول التنويع في السلع التي أبيعها على طاولتي كالديول، الحمص، الحشيش ،المعدنوس ،الخبز التقليدي"، مضيفا عن عمله هذا قائلا:" رغم أنه لا يدوم إلا شهرا واحدا من كل عام، إلا أنه يحقق لي أرباح تسمح لي بشراء كل مستلزمات عائلتي خلال شهر الصيام وكذا شراء ملابس العيد والأدوات المدرسية للدخول المدرسي القادم" أما بعد الشهر الفضيل فيقول:" أرتاح لعدة أيام وأبقى دون أي عمل لأني قد وفرت كمية من النقود أقوم بصرفها في الوقت المناسب. كما يعد شهر رمضان فرصة للكثيرين للاسترزاق وكسب قوت يومهم، أطفالا ونساء، حيث تتجه بعض النسوة إلى تحضير وبيع بعض السلع في رمضان فقط من أجل توفير بعض المال . نسوة يساعدن في ميزانية البيت بحرفهن كما أن هذا الشهر يعتبر بالنسبة للبعض فرصة لا تعوّض لجني بعض النقود، خاصّة النسوة الماكثات بالبيت، واللائي يحاولن أن يساعدن أسرهن في جمع بعض المال، لسد مصاريف العيد والدخول المدرسي، ولعل ارتباط مناسبات رمضان ثم العيد ثم الدخول المدرسي هو أهم ما جعل بعض النسوة الماكثات بالبيت يفكرن في العمل، وفي جني بعض المال خلال هذا الشهر الفضيل، خاصة أن ذلك لا يكلفهن سوى صنع بعض الحلويات والأطباق التي يبعنها فيما بعد لأشخاص يقدمونها للزبائن في الأسواق. حتى أن بعض البيوت ولكثرة مثل تلك الأعمال فيها تحولت إلى ورشات، خاصة إذا كان في البيت أكثر من أسرة، أي أكثر من امرأة ماكثة بالبيت، وبالتالي هناك أكثر من حرفة، وهو ما وقفنا عليه ونحن نزور بعض العائلات العباسية، والتي تفننت في إعداد مختلف الحلويات والأطباق الموسمية التي يكثر عليها الطلب خلال شهر رمضان المبارك . زرنا عائلة "دحمان" بوسط المدينة، والتي تتكون من 5 أفراد، قال السيد دحمان أن زوجته السيدة "خليدة" أبت إلا أن تعمل وتساعده في مصاريف المنزل والأطفال، رغم أنها لم تفعل ذلك من قبل، إلا أن التجربة التي وقعت بها الأسرة السنة الماضية جعلتهم يحتاطون هذه السنة، فقد لاقوا صعوبات كثيرة في توفير ميزانية المناسبات الثلاث التي أتت دفعة واحدة، والتي أخلت بمصروف البيت" أما السيدة خليدة فقالت عن الوضع في السنة الماضية:" لم نحسب حسابا لما ينتظرنا بعد شهر رمضان، حتى أننا ومع نهاية أيام العيد وجدنا أنفسنا عاجزين عن تغطية مصاريف الدخول المدرسي لأولادنا، والذين لا يزالون صغارا، لذلك اخذت احتياطاتي هذه السنة و قررت أن أعمل بالبيت كما تفعل جارتي، التي تصنع بعض الحلويات الرمضانية لتبيعها، ورغم أنها تعمل كثيرا، إلا أن الطلبات لا تنتهي ما جعلها تقترح علي أن أساعدها في ذلك، خاصة وأنه مشهود لي بمهارتي في الطبخ" وتضيف قائلة:" رحبت بالفكرة، بل فرحت بها كثيرا، فأنا أبقى بالبيت طيلة اليوم ولا شيء لي أفعله سوى الطبخ، فلما لا أصنع أشياء مفيدة.... قبلت، وصرت أحضر الديول وحتى الخبز التقليدي الذي اكتشفت أن الكثير من الأشخاص يقبلون عليه خلال شهر رمضان، فهو يباع مثله مثل المأكولات الرمضانية، حيث أن بعض النسوة يجهزن قفف المطلوع والديول، وصينيات القطايف، وقلب اللوز وغيرها وكلها مصدر جيد للرزق." أما السيدة "خديجة" زوجها متوفي، وأم لأربعة أولاد، تقول:" تمكنت في ظرف 5 سنوات بهذا العمل من إعادة الاعتبار إلى بيتي الذي بات حديث العام والخاص في وسط عائلتي وجيراني". سعيد،هواري وأمهما....الديول مصدر رزقهما كما تعرف الأسواق المحلية مع حلول شهر رمضان الكريم انتشارا واضحا لنقاط بيع مختلف السلع سالفة الذكر، بأثمان بسيطة تغري ذوي الدخل البسيط، وكل مواطن خاصة عندما تجد بجانب هذه الطاولات أطفالا، وفي هذا السياق ارتأت "الشعب" أن تلتقي ببعض الأطفال، سعيد البالغ من العمر 14 وهواري 15 سنة ، هما أخوان دأبا على بيع الديول والمطلوع منذ حوالي سنتان، ولم تعجزهما مشقة الصوم ولا تعب الدراسة عن حمل قفة يتجاوز وزنها 10 كلغ، يجوبان بها الحي الذي يسكنانه، والأحياء المجاورة، وقد كانت فرحة الطفلين لا توصف عندما تعلمت والدتهما بعد عناء ومشقة كبيرين كيفية تحضير الديول، باعتبارها من أصعب الأشياء تحضيرا، والدة الطفلين لا تنام من ليل رمضان إلا ساعات قليلة، حيث تباشر التحضير مباشرة بعد الإفطار إلى غاية السحور تقريبا. هذه السيدة، رغم أنها زوجة حرفي، إلا أنها فهمت ما فهمته العديد من النساء الجزائريات، على أن الفقر يمكن التغلب عليه، وإن كان بالمشقّة، لأن الفرصة التي يوفرها رمضان من خلال تحضير وبيع الديول والمطلوع، فرصة لا تعوض، يمكن للمرأة من خلالها أن تساهم في ميزانية البيت.