منذ أكثر من عام وأنا أتابع ما تكتبه الشاعرة المبدعة سجال الركابي، فوجدت فيها الذكاء في اختيار المفردة، والعذوبة والسلاسة في المعنى، وتألق الصورة الشعرية، وعمق الفكرة وسمو الرؤية، هي تصور لنا الجمال بأبهى صوره وتتألق في اكتشاف منابعه،تكتب بذكاء حاد في محاورة الواقع بتساؤلات قد لايكتشفها القارئ في أول وهلة، أنا أجدها تؤشر بعين باصرة تناقضات الواقع، هي تحمل هماً ورسالة فلا تكتب للشهرة أو الجاه بل تكتب عن هموم الانسان عامة وهموم المرأة خاصة....وقد وجدت في نصها(سأمحو تبرّجي) ما يمثل قصيدة النثر نموذجاً مميّزاً بانفتاح النص والضغط والتقنية العالية، وعلى قول أنسي الحاج (لتكون قصيدة النثر قصيدة حقا لا قطعية نثرية فنية، أو محملة بالشعر، شروط ثلاثة: الايجاز والتوهج والمجاذبة) وقد وجدت هذه الشروط الثلاثة في نصها (سأمحو تتبرجي)....ولنبدأ من العنوان،.....لعلّ أكثر شيء يُقابل بسخط المجتمع المحافظ هو تبرّج المرأة، والتبرج لغةً: هو اظهار مايجب إخفاؤه في المرأة، وقد يستعمل في خروج المرأة عن الحشمة واظهار مفاتنها وإبراز محاسنها أمام غرباء عنها غير محرمين عليها...ولهذا تبدأ دلالتها الايحائية بمحو التبرج نكاية لإزدواجية المعايير وكناية عن الكبرياء والأنفة والشموخ ...المجتمع الذي تحكمه القوانين والمفاهيم والمعايير الذكورية يسوده التعسف والقيود والقهر للمرأة لذا هذا النص جاء يوحي برسالته ورؤاه عمق ألم المرأة وتوهج أوجاعها وهو كذلك أيضا صوت تضامني ورسالة تأييد لحقوق المرأة المستلبة من قبل الرجل وما أكثرها في مجتمعاتنا.... زرعوا.... تميمةً .....في رقبتي لا تقرري ... أو تجاهري وهذه دلالة إيحائية بأن المجتمع مزدوج المعايير زرع هذه المفاهيم المخيمة بغيوم ظلام لاتمطر إلاّ القسوة والتعسف والقهر وقد استعملت الشاعرة فعل الماضي (زرعوا) وكانت رائعة موفقة في أن هذه المفاهيم زرعت من أزمان في عنق المرأة والزرع مستمر الإنبات لاينتهي لأن مسلتزمات الزراعة والتربة المؤهلة لإنباتها موجودة فضلا عن أن مناخها لايزال قائما، هم سلبوا منها القرار أو التجاهر بالرفض لكل مايسلب حريتها ويحد من عنفوانها...اقتحموا طبيعتها وألبسوها حذاءً من بلور، وهذا إيحاءً بأن القيود ليس في القرار بل في الحركة، فهم منعوا عليها الركض على الرمال وتراب الارض أولاً لأنها متعلقة بحب تراب الوطن والثاني الانطلاق في الفضاءات الواسعة من الحياة التي خلقها الله للتمتع بالجمال والبهجة والسعادة لهذا هي تقول: ألبسوني حذاءً بلوريا ًأدمى قدمي رداءً ...ذهبيّاً لملموا حُجب شعري لأبهرك...يا....شهرياري قبل انتصاف الليل هي تصرخ من ألم الحذاء الزجاجي الذي يدمي قدميها، ثم كتعويض عن حريتها ألبسوها الذهب وأغدقوا عليها الهدايا ثمن استلاب قرارها في حين هي تحب ان تنشر شعرها وتتغنج وتأتي شهريارها قبل انتصاف الليل كما تحب وتريد، مستنكرة كل القيود التي تحد من جمالها الأنثوي المبهر... سأمحو تبرّجي وآتيك حافيةً من عقدي مرتديةً حقيقتي وعند أعتابك ....... سأنتظر بأنامل كبريائي وكل نبض في كياني ...فهل يا وسيماً ستعرفني بدون قشري وبهتاني؟ أم أنك ستنكرني؟ والفجر وسنان وما صاح الديك بعدُ... تبث رسالتها وصيحاتها بأنها ستأتي حافية من عقدها التي زرعها المجتمع ووضعها تميمة في عنقها وزجاجا بلوريا يدمي قدميها وستظهر كما هي على حقيقتها الناصعة البياض مرتدية جمالها الطبيعي وأحلامها الوردية وكل آمانيها ورؤاها تزدهي بكبريائها وشموخها ونقاء روحها، ثم تسأل:هل هو سيعرفها من دون تزويق وتبرج بعد ان تذب قشور الزيف وترمي الاضواء الكاذبة؟ أم ان شهريارها سينكر تلك الحقيقة ويتجه نحو قشور الزيف والبهتان؟ وهو مادرج عليه مجتمعنا الذي يلفه حبل النفاق ويرتدي جلباب الكذب والدجل وارتداء وجوه غير الوجوه الطبيعية وبذلك هي تنقلنا نقلة أسطورية روحية حيث تقول له هل ستتخلّى عنها وتنكرها كما انكر بولس السيد المسيح قبل ان يصيح الديك؟ وعندما أشارت الى قبل صياح الديك أرادت به هذا المعنى، وبولس هو من أصحاب السيد المسيح الذي سبق وان كانوا أقرب القريبين منه وتبرأ منه قبل أن يصيح الديك أي قبل اندلاع الفجر، هي انتقالة رائعة توّجتها بصياح الديك الذي لم يحن بعد وصياح الديك طبعا يعلن اندلاع الفجر ... إذن هي تترقب اندلاع الفجر وزوال العقد في المجتمع... الخلاصة: نص مدهش يدعو لقراءته أكثر من مرة يتميز بدلالته الايحائية الميّزة ويبحر في السهل الممتنع وعمق الرؤية وجزالة اللفظ كما يتميز برسالته الهادفة وانحيازه غير المحدود للأنثى، هو نص أنثوي بامتياز يدعو الى ازالة عقد المجتمع الذكوري وانصاف المرأة وعدم الكيل بمعايير لم توجد إلا لفرض القيود على المرأة، نص يدعو الى النظر بواقعية وتلمس الحقيقة كماهي بدون تزييف ولا يفارق خيط الأمل باندلاع الفجر الذي سيضيء صمت الحقيقة... النص: (سأمحو تبرّجي) بقلم الشاعرة العراقية سيجال الركابي زرعوا... ... تميمةً ... في رقبتي لا تُقرّري أو تُجاهري ألبسوني ...حذاءً بلّورياً ... أدمى قدَمي رداءً ذهبيّاً... لَملَموا حُجُبَ شَعري لأبهركَ ...يا ... شهرياري قبلَ انتصافَ الليلِ سأمحو تبرّجي وآتيكَ حافيةً مِن عُقَدي مُرتديةً حقيقتي وعِندَ أعتابِكَ سأنتَظِرُ... بأنامِلَ كبريائي وكل نبضٍ في كِياني ... ...فهَل يا وسيماً ستعرفني بدون قشري وبُهتاني؟ أم إنّكَ ستنكرني...؟ ... ... والفجرُ وسنانٌ وما صاحَ الديكُ بعدْ... ... .