أكدت الأستاذة والباحثة في مجال الفنون الدرامية جميلة مصطفى زقاي في حوار ل''الشعب'' وجود نقد مسرحي في الجزائر، لكنه حسبها مازال في مرحلة انطباعية ولم يرق إلى الامستوى المطلوب، كما حدث في باقي الدول، مرجعة ذلك إلى عدة أسباب منها العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر وكذلك تفاجؤ الطلبة المتخرجين من معهد الفنون الدرامية بمصائب الحياة وعدم توفر مناصب الشغل فيتركون النقد وأهل النقد ويذهبون إلى الاسترزاق من مكان آخر. هل يوجدح نقد مسرحي في الجزائر؟ المسرح موجود ويفرض نفسه في جميع المستويات، سواء تعلق الأمر بالمسرح المحترف أو المسرح الهاوي أو حتى مسرح الطفل أي المسرح المدرسي الذي يقال عنه أنه غير موجود، أنا متأكد أن له حضور وحضور فعلي، والدليل على ذلك تلك المهرجانات التي تقام والملتقيات والأيام الدراسية حول المسرح وهذه دلالة قاطعة على أن أبو الفنون موجود يزخر بثقله في الساحة الثقافية والفنية الجزائرية بطريقة أو بأخرى لكنه موجود ومن ينظر لكل الأعمال بالتقزيم فهو مخطئ، ونفس النظرة التشاؤمية نطبقها على النقد، وإذا كنا نحن كجزائريين لا نعترف بوجود مسرح لدينا، ونقد في جامعتنا، وعلى مستوى صحافتنا إذا نحن غير موجدين، هناك من يقول تتكلمون على النقد والمسرح غير موجود فإذا كان هذا الفن غير موجود فماذا نفعل بتلك الأيادي الأولى الرائعة، التي أغدقت هذا الفن بجميل صنيعها مثل محي الدين بشطارزي، علالو، عز الدين مجوبي، عبد القادر علولة، كاتب ياسين ومصطفى كاتب كل هذه الأسماء وأتجرأ أن أقول ليس هناك مسرح وليس هناك نقد فهذه آفة، فطالما هناك إبداع هناك نقد، صحيح أن النقد في الجزائر لازال في مرحلة انطباعية، ولم يتفتح مثلما حدث في باقي الدول، لكن الشاذ لا يقاس عليه فما عايشته الجزائر ليس بالقليل وليس بالهين، ولذلك لا يمكننا أن نقارن بين المسرح في الجزائر والمسرح في المغرب أو دول أخرى. كونك أستاذة في قسم الفنون الدرامية كيف تقيمين واقع المسرح في الجزائر، وهل الجيل الجديد قادر على النهوض به مستقبلا؟ كلي إيمان بما هو آت إنشاء الله، وكما قلت فالجزائر مرت بفترة عصيبة وتلك الفترة جعلتنا نتأخر وندبر قليلا إلى الوراء، لكن هناك أمل فأنا أدرس في قسم الفنون الدرامية والطلبة منخرطون في جمعيات مسرحية وثقافية يقدمون أعمال حتى أنه خلال هذه السنة كانت تقام ورشات ويقدم خلالها الطلبة أعمال إخراجية أين كان يمتزج الأستاذ بالطالب وكانت هذه الفرجة من أروع ما شهدته جامعة وهران وقسم الفنون الدرامية، وهذا دليل كاف على وجود مسرح لكن يحتاج إلى الوقوف أكثر وأكثر لكنه موجود ويتنفس وهو قابل للتغيير والتحسن، وكما الرسول صلى الله عليه وسلم قال ''بشروا ولا تنفروا وأنا أستبشر خيرا'' وطالما هناك أساتذة واقفون وطلبة يتشربون هذه الدروس ويقبلون عليها بنهم ويسعون إلى تقديم أعمال تطبيقية، فأنا مستبشرة خيرا ولست من الدين يلبسون نظارات سوداء ويقولون لا وجود لكذا ولا وجود لكذا، وأنا مؤمنة بهذا الجيل وأتمنى أن لا يخيب ظني وأراه عاملا ويدب ويعمل رغم كل الصعوبات وهذا يستحق منا نحن الكبار أن نشجعه وأن لا نقزمه ونقول له ليس هناك مسرح وليس هناك نقد فأقول لهم نحن ننتمي إلى قسم الفنون الدرامية فلماذا لا تطمحون أن تكونوا نقادا؟، لماذا لا تكونون أنفسكم من الآن ونحن معكم نمدوا لكم الأيادي لكي تكونوا نقادا؟ لماذا تنظرون عند أنفكم فلتنظروا إلى أبعد من ذلك. في نظرك ماهي الأسباب التي أدت إلى تقهقر النقد المسرحي؟ تقهقر النقد في الجزائر راجع إلى عدة أسباب نذكر منها وكما سبق وأن قلت العشرية السوداء التي أثرت على جميع الميادين خاصة المسرح، وكذلك تفاجأ الطلبة المتخرجين من معهد الفنون الدرامية بمصائب الحياة وعدم توفر الشغل فيتركون النقد وأهل النقد ويذهبون إلى الاسترزاق وهذا شيء طبيعي. في المحاضرة قلت أن الطالب الجزائري ينظر إلى النقد كأنه شبح فما هي الأسباب التي دفعتك إلى قول هذا؟ نحن في الواقع لم نعلم الأطفال أن يعبروا عن أرائهم فبمجرد أن تطرحي سؤالا أو تقولي للطفل ماذا يعالج النص؟ وما رأيك فيه؟ يحجم التلميذ عن الجواب وكأنه غير موجود مغيب وراء ستار، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الأطفال يكرهون النقد ويتخوفون منه لأنه من الصعب جدا أن نقارب نصا وفق المناهج الحديثة إذا لم نلم بأدواتها ونعرف روادهم ونظرياتهم ووجهات الاختلاف فيما بينهم، لأنتقي الأدوات التي تناسب هذا النص وأسقطها على هذا النص أو ذاك، فهم يتخوفون من ذلك لأن في النقد سيظهر إبداعهم لأن النقد إبداع، أما في الجانب النظري فنعتمد على الأقوال والتكرار، وهذا لا ينفي أننا في النقد نعتمد على أقوال الآخرين، فلن يجد الناقد ما يقول ويثري أقواله وأحكامه إلا بالاستناد على أقوال الآخرين ونظرياتهم، لكن وفق النص الذي أريد دراسته وليس بمعزل عنه، فلا أعطي للجانب النظري نصيبا أكبر من الجانب التطبيقي ونمسك العصا من الوسط، وأيضا المسؤولية ملقاة على عاتق الأساتذة لا ننكر ذلك المفروض أن نبسط للطلبة هذه المفاهيم ونتشربوا نحن الأساتذة من المناهج النقدية الحديثة ونعمل على تبسيطها للطالب حتى يستطيع أن يلامس النص دون حذر أو خوف، وإذا لم نقم بهذا وطلابنا سامحهم الله لا يجتهدون فكم مرة عرضنا على الطلبة ساعات إضافية، لترسي معلومة معينة يقابلونه بالرفض وبالنسبة لي فكلنا مسؤولون أساتذة وطلبة ولا ننسى الذهنية المتحجرة صوب الفن وأهل الفن، خاصة فيما يخص المسرح فالأولياء لا يسمحون لأبنائهم ممارسة المسرح، مبررين ذلك بأنه عندها يكمل الأبناء تخصصهم هذا ماذا سيفعلون به لأن الجانب المادي يفرض نفسه هذا من جهة ومن جهة أخرى ليس هناك تحفيز، كما أنه بالنقد البناء نتقدم ونغطي الثغرات والفجوات التي بإمكانها أن تظهر في أعمالنا، فإذا لم نسلك هذا الطريق فما هو الحل لذلك، لابد أن نكاثف الجهود إذا أردنا أن تتغير هذه الذهنية، وأنا أرى أيضا أن هناك بوادر لابأس بها ويظهر ذلك من خلال برمجة المسرح ضمن المنظومة التربوية وبرمجة نص لأستاذ وباحث من جامعة سيدي بلعباس وهو الأستاذ دريس قرقوة وإن كان هذا قليل، وأيضا فعلى أهل الفن أن يراعوا أخلاقياتهم وسيرتهم لأن المتلقي ليس غبيا يراقب هذه الحركات وهذه السكنات، وهذا ما يدفعه إلى جلب أبنائه والابتعاد عن هذا الفن لأنه يدخل في ذلك الوجهة الدينية والأخلاقية. ماهي الحلول التي تقترحها الأستاذة جميلة زقاي حتى يكون النقد المسرحي الجزائري في المستوى المطلوب؟ بداية أقترح كبديل الاهتمام بالجانب التطبيقي، فكفانا تكرار النظريات الجوفاء البعيدة عن نصوصنا، وأنادي بنقد العروض المسرحية وفق ما يقوم به النقاد في الدول العربية ولسنا أقل منهم شأنا، ولدينا الإمكانيات للقيام بذلك ومع ذلك نجد هذا الجانب مهمش، وإذا أردنا أن يكون النقد في حضن دافئ إذا صح التعبير فعلينا أن نؤسس له منذ الصغر فيجب أن نعلم الطفل كيف يبدي برأيه وقد شرعت منظومة أبو بكر بن بوزيد في ترسيخ هذا المبدأ أي ذاتية الطالب لابد أن تكون حاضرة، وإذا ما جسدنا هذه النظرية من الصغر ستكبر مع الطفل والذي سيصبح أبا وبالتالي فهي الطريقة الوحيدة لتغيير هذه الذهنية والسير قدما بالمسرح والنقد إلى الأمام إنشاء الله. كلمة أخيرة؟ أشكر كل الطاقم الصحفي الناشط والشاب الذي حرس كل الحرس على أن يلم بفعاليات اليوم الدراسي حول النقد المسرحي في الجزائر، وأثني لمنظميه بالشكر والتقدير لأنهم سمحوا لنا أن نلتقي ونتبادل الأفكار، وبشرانا بهذا الطاقم الصحفي ونطالبه بالمزيد من الاهتمام بأبي الفنون والنقد المسرحي .