اعتبر أستاذ العلوم السياسية حسام حمزة سياسات الدول الأوروبية وشركاتها التي تستنزف مقدرات القارة الإفريقية دون أن يستفيد منها الأفارقة سببا من أسباب تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشّرعية. وأكّد الأستاذ بأنّ الحلول الأمنية لن تقضي على جذور هذه الظّاهرة المتفاقمة ما لم ترافقها شراكات فعلية ومساعدات اقتصادية لدول الجنوب الفقيرة. تحدّث الأستاذ حسام حمزة في حواره مع "الشعب" عن المقاربة الجزائرية بخصوص الهجرة السريّة، وأشار إلى الجانب الانساني الذي يميّزها. تحدّث عن أشياء كثيرة نعرضها بالتّفصيل قبل أن يوضّح بأن الجزائر أصبحت في الفترة الأخيرة دولة استقرار بالنسبة للمهاجرين بعد أن كانت في وقت سابق مجرّد منطقة عبور. وفي هذا الحوار أجوبة لكل التّساؤلات المرتبطة بظاهرة الهجرة الشّرعية التي أضحت مشكلة دولية تتطلّب حلولا تراعي الجوانب الانسانية بالمقام الاول. ❊ الشعب: حادثة الغرق الرّهيبة لأزيد من 700 مهاجر غير شرعي قبل أسبوعين في المتوسط، أثارت من جديد قضية الهجرة السرية وحرّكت المجتمع الدولي قصد تطويقها، ما قولكم حول هذه المأساة؟ ❊❊ حسام حمزة: سواء كان العدد 700 أو أكثر أو أقل، فلا يسعنا القول إلاّ أنّها تراجيديا أخرى غير مسبوقة، تضاف إلى ما يشهده المتوسط من مآسي إنسانية ضحاياها هم الفارون نحو الحلم الأوربي على متن قوارب الموت التي يتاجر بها المجرمون وتجار البشر. يجب أن نشير هنا إلى أنّ هذه الواقعة المؤلمة التي حدثت غير بعيد عن شواطئ الجزيرة الإيطالية "لامبيدوزا" جاءت يومين فقط بعد حادثة مهولة أخرى سبقتها راح ضحيتها 400 مهاجر غير شرعي في مضيق صقلية، وبعد مأساة أخرى كانت قد حدثت في سبتمبر 2014 حين اكتشفت جثث 500 مهاجر قضوا غرقا غير بعيد عن سواحل مالطا. هذا التّسلسل في حلقات تراجيديا الهجرة غير الشّرعية، يؤكّد أنّ المتوسّط بات مع مرور الأعوام أخطر طريق بحري للمهاجرين واللاّجئين على الإطلاق. إنّنا أمام تعقّد وتفاقم متواصل لظاهرة الهجرة السرية ما يضع دول المصدر ودول الاستقبال أمام حتمية البحث عن الجذور الفعلية لهذه الظاهرة. 900 مهاجر قضوا غرقا ❊ تشير أرقام المنظّمة الدولية للهجرة إلى تضاعف أعداد ضحايا المتوسّط، الذي أصبح بالفعل مقبرة ل "الحراقة، ما أسباب هذه الزّيادة المطردة ومن المسؤول عنها؟ ❊❊ بالفعل، إذ تشير أرقام هذه المنظّمة إلى أنّه منذ بداية سنة 2015 شهد البحر الأبيض المتوسط غرق 900 مهاجر ولاجئ مقابل 47 غرقوا في الفترة نفسها من سنة 2014. في الواقع حصر جميع أسباب هذا الارتفاع أمر صعب في هذا المقام، لكن من الممكن تحديد الأسباب المباشرة التي أدّت إلى هذه الطّفرة في أعداد المهاجرين واللاّجئين في الفترة الأخيرة. الغالبية العظمى من المهاجرين السريين من الضفة الجنوبية للمتوسط نحو ضفته الشمالية هم أفارقة، إمّا فارون بسبب الخوف المستديم والغياب شبه المطلق للأمن على غرار الليبيين أو النيجيريين الفارين من جرائم جماعة بوكو حرام الإرهابية، أو هم أشخاص فروا لأنهم لم يعودوا يطيقون الفقر المدقع والمجاعة وغياب أدنى متطلبات الحياة الكريمة على غرار النيجريين والصوماليين، أو هم أشخاص فرّوا بسبب الدكتاتوريات التي تخنق أحلامهم دون أدنى أفق للأمل. كل هذه الأسباب، تضاف إليها الحرب الدموية التي تشهدها سوريا، والتي ولدت موجات ضخمة من النازحين واللاجئين أصبحوا يهاجرون إلى أوروبا عبر المتوسط نتيجة تضييق الخناق عليهم من ناحية الحدود الشّرقية للقارة الأوروبية. هذه الظروف والأسباب ساعدت عصابات تهريب البشر في ليبيا على تمديد نشاطها وتكثيفه بصورة غير مسبوقة من قبل. هذا عن الأسباب، أما إذا جئنا إلى تحديد المسؤولين فيمكننا القول باختصار أنّ كل من له يد في تحوّل القارة الإفريقية إلى بيئة طاردة للبشر، سواء كان مسؤولا محليا أو أجنبيا، هو مسؤول عن هذه المآسي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وواجب علينا هنا أن نذكر بأنّ حالة الفوضى المزمنة والمتعدية التي تشهدها ليبيا اليوم، والتي ساهمت لا محالة في تضاعف أعداد المهاجرين واللاجئين من هذا البلد هي في جزء منها محصلة للقصف الجوي ضد هذا البلد سنة 2011، والذي شاركت فيه الطّائرات الفرنسية والبريطانية بقوة. إجراءات ردعية هروبا من المسؤولية ❊ قرّرت أوروبا في اجتماعها الطّارئ مؤخّرا اتّخاذ إجراءات ردعية لوقف مسلسل الهجرة غير الشّرعية، ولم تستبعد قصف مراكز التّهريب وحتى الحسم العسكري في ليبيا، ما قولكم؟ ❊❊ هذه الإجراءات ليست جديدة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وإنما هي تكريس للسياسة الأمنية لمواجهة الهجرة التي بدأت أوروبا تعمل بها من قبل. معروف أنّه منذ استفحال هواجسه الأمنية بعد الهجمات 11 سبتمر، أصبحت مقاربة الاتحاد الأوربي تميل نحو تشديد القيود على تدفّقات الهجرة وحركة انتقال الأشخاص نحوه، وهو مسار بدأ في الأصل مع معاهدة أمستردام في ماي 1999، حيث لأول مرة خوّلت مفوضية الاتحاد صلاحية سنّ تشريعات فيما يتعلّق بالهجرة واللّجوء، ثم الإجراءات التي تمّ اتّخاذها منذ جانفي 2005 حين أصبحت كل دول الاتحاد مطالبة بالتعامل مع مسألتي الهجرة واللجوء وفق قانون موحّد تصبح تشريعاته نافذة في حال تمّ التّصويت عليها بالأغلبية المؤهّلة. وحتى في علاقاته مع دول الضفة الجنوبية للمتوسّط، ودول المغرب العربي على وجه التحديد، أصبح الاتحاد الأوروبي يلحّ على سياسات أمنية للهجرة وتحميل دول المصدر مسؤولية المهاجرين قبل أن يصلوا إلى أوروبا، وهذا ما تؤكّده نصوص اتفاقات الشّراكة الموقّعة مع دول الضفة الجنوبية في إطار مسار برشلونة بما فيها الاتفاق مع الجزائر، بيد أنّ الموضوعية تقتضي منّا القول أيضا أنّ مثل هذه الحلول الأمنية مبررة جزئيا، لأنّ أوروبا، وهي تواجه تدفقات هجراتية هائلة (247000 مهاجر غير شرعي دخل إلى أوروبا سنة 2014 مقابل 100000 سنة 2013 وفق إحصائيات وكالة فرونتكس "FRONTEX")، ومع احتمال تسلّل إرهابيين إلى حدودها ضمن قوافل المهاجرين، وجدت نفسها أمام حتمية مواجهة هذه الظّاهرة مواجهة حازمة لأنّ الأمر أصبح تهديدا لأمنها أكثر منه مسألة إنسانية. لماذا "الأوروسور"؟ ❊ رفضت المنظّمات الحقوقية والإنسانية المقاربة الأوروبية لمواجهة الهجرة السرية، وألقت باللّوم في تفاقم هذه الظّاهرة على سياسات الهجرة اللاّإنسانية التي تتبنّاها دول الضفة الشمالية لمنع "الحراقة" من بلوغ سواحلها، فما تعليقكم؟ ❊❊ مثلما أشرنا إليه سابقا، الأوروبيون أصبحوا ينظرون إلى الهجرة كتهديد يجنح إلى التفاقم ما لم يتم ردعه، لأنه مرتبط بظاهرة أخرى هي "انتشار الإسلام" في أوروبا التي تعد إحدى أكبر حالات الهوس التي يعيشها الغرب والعالم الأوروبي، لذا أصبحت أوروبا تميل نحو الحلول المباشرة الردعية والأمنية، كما يدل عليه على سبيل المثال دعم النظام الأوربي لمراقبة الحدود المعروف ب الأوروسور "EUROSUR" ب "مراكز وطنية للتنسيق" في كل دولة عضو في الاتحاد الأوربي بغرض تبادل المعلومات حول الهجرة غير الشرعية مع باقي الدول، فضلا عن التركيز على إجراءات الطرد وإعادة الرعايا إلى موطنهم الأصلي في تعاملها مع مسألة الهجرة. قد يكون موقف هذه المنظمات مبررا باعتبار الجنوح الأوروبي نحو الحل "الأمني" على حساب الحل "الإنساني والتنموي" هو تهرب من المسؤولية، وتعارض مع حق اللجوء المكفول قانونيا. فكما قلنا سابقا، سياسات الدول الأوروبية وشركاتها التي تستنزف مقدرات القارة الإفريقية دون أن يستفيد منها الأفارقة، هي بكل تأكيد سبب من أسباب تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية والنزوح، وإن الحلول الأمنية لن تقضي على جذور الظاهرة ما لم تواكبها شراكات فعلية ومساعدات اقتصادية لدول المصدر والممر تساهم في تنمية هذه الدول وتهيئة الظروف المناسبة للأفراد للبقاء وتكبح رغبتهم في الهجرة. ❊ ما هي قراءتكم للمقاربة الجزائرية بشأن الهجرة السرية وأسلوب تعاملها مع المهاجرين غير الشّرعيّين؟ ❊❊ تحاول الجزائر دائما إضفاء بعد إنساني على سياستها لمواجهة الهجرة غير السرية، سيما وأنّها أصبحت في الفترة الأخيرة دولة استقرار بالنسبة للمهاجرين بعد أن كانت في وقت سابق مجرّد منطقة عبور. من هذا المنطلق نجد الجزائر تتحفّظ على المقاربات القائمة على الحلول الردعية لأنّها تهدّد بتشجيع الانطواء "الهويتي" الذي سيقود لا محالة إلى مشكلاتٍ أمنية أخرى أكثر تعقيدًا منه. من هذا المنطلق، تصرّ الجزائر أولا على ضرورة معاملة المهاجرين السريين معاملة تحترم الكرامة الإنسانية، حتى وإن كان تواجدهم على أراضيها أو أراضي دول أخرى وجودا غير شرعي. ثانيا، تعتبر الجزائر أنه من المفيد أكثر العمل على تجفيف منابع الهجرة وشبكات المافيا التي ترعاها بدلاً من زيادة عدد الدوريّات واستعمال الوسائل المتطوّرة للسّيطرة على حركات الأشخاص في الحدود، لأنّ مثل هذه الحلول ليس لديها إلا تأثير محدود في معالجة مشكلة الهجرة غير الشرعية التي تعتبرها الجزائر ظاهرة متأصّلة في أعماق القارة الإفريقية، وأنها على علاقة وطيدة بالاختلالات الاقتصادية والتنموية على صعيد عالمي. ثالثا، تطالب الجزائر بالتعامل مع ظاهرة الهجرة بنوعيها بأكثر واقعيّةٍ وبراغماتيّةٍ بالاستناد إلى مقاربة تنمية هجرة تتأسّس على معالجة مسبّباتها الحقيقيّة (كالفقر، البطالة والتخلّف) عن طريق مساعدة الدول الإفريقية على تنمية نفسها ومرافقتها في مختلف مراحل الإنجاز، لأنّ ذلك سيكون أكثر فعاليةً في مواجهة المسبّبات الفعلية لهذه الظاهرة، مع عدم إهمال التعامل الإنساني اللائق مع المهاجرين. وعليه، ومن منظار جزائريّ، فإن سياسة مشتركة بعيدة عن أنانية الدول هي فقط القادرة على إيجاد حلول طويلة المدى للظاهرة.