ظهرت أمامي صور، كانت بالنسبة لي مفاجأت كبرت بحجم المسألة، إنها الحقيقة على شاشة التلفزيون، شاحنات تخرج من المدينة الحزينة تتبع خيط الطريق الى مدن أوروبا رغم الحاجة الى أنواع مواد المعيشة والتي يعلم بها العام والخاص والتي كان يجب عليها أن تأخذ الطريق بالعكس الى سكان المدينة الحزينة المنتصرة.. هي والله في هذا الجو محمّلة بالورود التي تصدّرها غزة! في الأول لم تصدق عيناي ما تحمله الصور، ولكن بعد التمعن جيدا تيقنت أنها الورود، من أرض غزة الحالمة أيضا رغم الحزن والآسى.. هكذا تأتي هذه المناظر، ففي نفس الوقت الذي تظهر فيه مناظر الخراب والدمار نستقبل الصور الجميلة كذلك وليس غريبا عن شعب ذاق الويلات ولكنه محب للجمال والفن وهل هناك أكثر رمزا لهذا كله من الورد؟! بالنتيجة نعلم أنها أرض الأبطال والبندقية وهي أرض الشعر والكلمة الحساسة وفي الألبوم أسماء وصور لا تنمحي من الذاكرة أبدا لهذا كله... هي حيز ملأ القلب بالحب لأنه قبل كل شيء يختلف عن بقية المدن والأمكنة لأن الانسان فيها محاب ومفكر وانساني شاعر بالجمال الذي يراه العالم الطبيعي عاشق الورد ''ابن خفاجة'' في الورد نفسه... تبقى هذه الصور محفورة في الذاكرة لسبب بسيط وهو ظهورها في هذه المناسبة بالذات، أما في باقي الوقت، فإن خصوصية الأرض الفلسطينية تبقى في التصور الى الأبد الى جانب أنها أرض الانبياء والتأمل، هي أرض العطاء بمختلف أنواعه وستظل كذلك الى الأبد والتاريخ شاهد على ذلك. يتساءل المرء مرة ما جدوى أن ينتج الورد ويموت الانسان؟ بكل بساطة تكون الاجابة أن الأحاسيس وامتلاك روح الابداع الانساني لا تموت في نفس الانسان المتفهم الواعي بالحياة لأنه في الأخير الحياة تقدم على مثل هذا الشعور إذ من داخل هذا الانسان باعث على حب الحياة وحب الانسان بوسائط رمزية لا تفنى حتى عند المحارب والمدافع عن حقه بكل بطولة. هكذا بتصرف لائق ترسل غزة الورود الى العالم الخارجي في نفس الوقت تستقبل القنابل من طرف أناس همجيون لايفهمون رموز الحياة غير أنها تقف بكل شرف أمامهم وهي تحمل البندقية بيد والوردة التي ترسل الى من يستحقها بيد أخرى، هذه صور ظهرت أمامي على الشاشة في صورة واحدة جميلة، شاحنات محملة بالورود في طريقها الى خارج غزة، فالعملية لم تتوقف بتهاطل وسائل الدمار عليها...