قدم الدكتور ثيلاني احسن في ملتقى الترجمة والتنمية الثقافية في الجزائر، المنظم بسكيكدة، مداخلة أوضح خلالها تجربته في ترجمة الأدب المسرحي الذي يمتد سنواته الأولى من تعليمه، حيث كان من خريجي المدرسة الجزائرية المحظوظين بتلقيهم تكوينا مزدوج اللغة، وعلى الرغم من اعتزازه الشديد باللغة العربية لغة القرآن الكريم، فهو شغوف بتعلم اللغات الحية ولوع بمطالعة الآداب الأجنبية مترجمة وفي لغاتها الأصلية – الفرنسية والإنجليزية . وقال الدكتور في هذا المقام:«ما أكثر ما حفظت من أشعار ( بول إيليار ) و ( فيكتور هيجو ) وحكايات ( لا فونتين)، فلقد بدأت رحلتي مع الترجمة منذ أن كنت طالبا في الجامعة، حيث أذكر أن بحث التخرج الذي أنجزته في السنة الرابعة من دراستي في الليسانس، قد تمثل في ترجمة مسرحية ( قلعة بابل la tour de babel ) للكاتب الكبير ( فرناندو أرابال Fernando Arrabal) من اللغة الفرنسية إلى العربية بإشراف أستاذي د. الرشيد بوالشعير . وأكد الدكتور ان “تلك التجربة بالنسبة له مفيدة وممتعة في الوقت نفسه، تعلم من خلالها بعض أبجديات الترجمة، مثل استعمال قواميس اللغة، والبحث فيها عن معاني الكلمات العصية عن فهمي، ومثل تجنب الترجمة الحرفية، إذ يتعين على المترجم تكييف المعنى حسب سياقه ودلالته داخل النص وليس حسب منطوقه النسقي الظاهر”. وأضاف “لقد أفادتني تلك التجربة وشكلت لدي فيما بعد مرجعا مهما لمطالعاتي حتى رأيتني أغامر بخوض تجربة ترجمة الرواية البوليسية عندما اشتغلت صحفيا متعاونا مع جريدة ( الحياة الأسبوعية )، حيث أقبلت على ترجمة ثلاث روايات من الفرنسية إلى العربية، نشرت على حلقات في أسبوعية الحياة منذ 1992 إلى 1994، هي: ( فخ في تل أبيب ) و( الهجوم المضاد للعقيد ديب ) للكاتب عبد العزيز العمراني، ورواية ( لا فانتوم لتل أبيب ) ليوسف خادر “ يقول الدكتور ثليلاني: “أدركت من خلال تلك التجربة مجموعة من الملاحظات التي رسّخت بعض قناعاتي الثقافية فيما بعد، ومن بين تلك الملاحظات، أهمية الترجمة في حدود كونها رحلة لغوية ورافدا حضاريا جوهريا بالنسبة لأية أمة،ضرورة تعلم اللغات الأجنبية بالنسبة لأي مثقف، أهمية كثير من الإبداعات الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية، والتي يتعين على حركة الترجمة استعادتها وتيسير وضعها بين يدي القارئ المعرب، وكانت هذه المقدمة ضرورية لتوضيح فكرة أن تجربتي في ترجمة كتاب ( مختارات من المسرح الجزائري الجديد ) عام 2007 موضوع حديثي”. وواصل:« كانت تجربتي مسبوقة بمحاولات ترجمة عديدة أفادتني كثيرا في خوض هذه الجديدة هذه، والتي تعد بحق من أهم إنجازاتي التي وشّحت مساري الإبداعي والعلمي على مدى أكثر من ربع قرن”، “ولقد أقبلت على قراءة هذا الكتاب بمجرد حصولي عليه من إدارة المعهد العربي العالي للترجمة، قرأته بعيون المترجم وبقلب العاشق للمطالعة في الوقت نفسه، فوجدت في صفحاته نصوصا مسرحية جزائرية عابقة بنفحات إبداعية رائعة، لقد ضم الكتاب عشر مسرحيات لعشرة من الكتاب الجزائريين، الذين اختاروا استخدام اللغة الفرنسية أداة للتعبير، ويمكن ذكر هؤلاء الكتاب وعناوين نصوصهم المسرحية مع ملخص قصير عنها”. وأوضح الدكتور في نفس السياق” كانت رحلتي في ترجمة تلك المسرحيات العشر شاقة جدا، ولكنها ممتعة في الوقت نفسه اكتشفت من خلالها عظمة أدبنا الجزائري المهاجر، وإذا كانت تجربة الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية ،هي تجربة معروفة ولها أسبابها التاريخية والحضارية الموضوعية ،فإن اجتماع عشرة كتاب مسرحيين في مصنف واحد له خصوصياته الشكلية و المضمونية ، يشكل تجربة أدبية متميزة تستحق الملاحظة والمساءلة .وإن رهان هذه المختارات المسرحية على صفة ( المسرح الجزائري الجديد ) من شأنها أن تضع المهتمين والدارسين بمواجهة مشهد المسرح الجزائري قديمه وجديده، ماضيه وحاضره، واقعة وآفاقه، راهنه ورهانه “ مؤكدا على ان “ تقديم هذه المختارات المسرحية وترجمتها من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية يشكل مكسبا ثريا لثقافتنا الوطنية الجزائرية المتعددة في أشكالها والمتنوعة في أدواتها التعبيرية، إذ ما أحوج مثقفينا بتنوع منابرهم اللغوية إلى التعارف والتآلف وإطلاع الواحد منهم على ما يكتبه الآخر تمتينا لعرى التواصل ،وما أحوج أدبنا الوطني الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية إلى التحرر من غربة اللغة الأجنبية ليحلق في سماء اللغة العربية ويتواصل مع مختلف الكتابات العربية ويعلن عن حضوره في رصيد الأدب العربي عامة”. للتذكير الملتقى الوطني الأول حول الترجمة والتنمية الثقافية في الجزائربسكيكدة، يحتضنه قصر الثقافة والفنون على مدار اليومين، برئاسة علي بوزوالغ، بمشاركة أساتدة ومختصين من مختلف الولايات ومن تخصصات لغوية وغير لغوية، وقد استقطب الملتقى اهتمام أهل التخصصات الاخري لما للترجمة من اهمية في مختلف ميادين العلم والمعرفة. وحسب على بوزوالغ منظم الملتقى، أن قصر الثقافة يسعى من خلال تنظيم هدا الملتقى الى اعادة البريق لهدا التخصص الجميل الذي يعد إبداعا يحتاج الى الاحتكاك بين أهل الاختصاص واستثمار الترجمة في قطاع الثقافة وفي تراثنا الشعبي”، وبالاضافة الى المداخلات فانه ستنظم على هامش الملتقى العديد من الورشات، بمشاركة مجموعة كبيرة من الأساتدة بمداخلات تختتم بمناقشة.