على امتداد ساحلنا الصحراوي الكبير من بشار غربا إلى تمنراست جنوبا وإلى إليزي والوادي شرقا وصولا إلى ورقلة فاتحة الشواهد والقصور، بوابة التاريخ.. متاحف على الهواء.. تختال من سحرها كأنها تحاول أن لا تصمت عن الكلام.. ماثلة كأنها صوامع.. تجابه مصيرها الأزلي.. معالم أثرية وشواهد ثقافية، تتنوع فسيفساءها، كدرر ثمينة.. اختارت أن تكون الطبيعة خير أنيس لها.. تاريخ حافل لأمجاد ساهمت الحضارات المتعاقبة في الجزائر على صقلها وجعلها موروثا.. يحمل صبغة المحلية وعالمية التميز والتفرد. مكنونات لا مثيل يضاهيها.. في مدن خلت، حكرا على شعوب مرت من هنا، الأمازيغ والطوارق وقبلهم قبائل خلت لم يكن لها في ذاكرتنا أية مخيلة استوطنت أرض الأهقار والطاسيلي وتوات وتاغيت وسدراتة وغيرها من المدن التاريخية التي مازالت إلى اليوم تقاوم زحف الرياح وقسوة الطبيعة ومكر الإنسان.. مدن تحمل عبق ماضينا العتيق، تحدث الأمكنة تحدث المارين عن الأدب والفنون والتاريخ والفكر. الحديث عن الثقافة السياحية يجرنا دوما للحديث عن هذا الزخم الإنساني الذي ترك بصمته شاهدة إلى الآن.. دون أن نسارع إلى رعايته واستنطاقه من خلال الحفريات واستعادة تاريخه وسنوات مجده.. إلى أن نتمكن من تسجيله في ذاكرة الأمة ثم نقوم بالترويج له عن طريق السياحة وحمايته من النهب والاستغلال والسرقة. إن التنوع الذي تصنعه الطاسيلي والأسيهار والأهقار وقصور توات وفقارات تمنطيط وبيوت تاغيت وبني عباس.. جميعها تراث لامادي يجب الاعتناء به وحمايته والتفكير في كيفية الترويج له، قصد بعث سياحة ثقافية من شأنها إضافة لبنة جديدة للتنمية المحلية والوطنية. إن ما تشهده المناطق من توافد منقطع النظير للسياح الأجانب من كل الأمصار، لدليل على مكانة هذه الشواهد في عالم أصبحت الثقافة السياحية فيه موردا أو مصدرا ماليا بامتياز، شأنها شأن المحروقات والصناعات الأخرى. إن الوقت قد حان في ظل سياسة ترشيد النفقات، الترويج لثقافتنا وتراثنا المادي واللامادي لخلق مصادر مالية في قطاعين متلازمين لا يمكن الفصل بينهما، ونكون بذلك قد ساهمنا في إحياء تراثنا والتعريف به ثم المحافظة عليه من النسيان والتهميش.