مرصد وطني مختلط يتكفّل بتقييم فعالية السّياسات العمومية يعتبر زعيم بن ساسي، رئيس المجلس الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أنّ الظّرف المميّز بانهيار سعر المحروقات يستدعي تقديم بعض الاقتراحات الدقيقة، والتي تعدّ أولوية من أجل تجنيد كل الطاقات وتجاوز المرحلة الصعبة المتسمة بتراجع قدرات الدفع الخارجية، ومن ثمّة إعادة الاقتصاد الوطني إلى سكّة التوازن المالي والنمو، موضحا في هذا الإطار أنّ المجلس الوطني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يرى وجوب إعطاء المؤسسة الصغيرة والمتوسطة المكانة التي تعود إليها وتليق بها في الساحة الاقتصادية، بحيث من خلالها يمكن تحقيق أهداف النمو وبلوغ معدلات عالية. ويكون المنطلق بتقوية نسيج المؤسسات الحالية من أجل حماية أدوات الإنتاج، ومناصب العمل في الحد الأدنى لتوظيفها وديمومتها الاقتصادية. وفي هذا الإطار يقترح المجلس العمل على مسارات تقود إلى توسيع النسيج الصناعي من خلال استثمارات متنوعة قصد تغطية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية في آجالها، خاصة وأنّ بلادنا تتوفّر على قدرات كبيرة وموارد حقيقية يمكنها أن تدفع بالجزائر إلى كوكبة البلدان الناشئة. عن أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني في المستقبل، يوضح بن ساسي أنه يمكن تلخيصها في ضرورة تقليص التبعية للمحروقات بشكل معتبر وتكثيف مع تنويع الاستثمار والإنتاج الوطني في آن واحد، إلى جانب تهيئة المناطق والإقليم مع تثمين كافة الموارد المتوفرة مع الحرص على ضمان التوازنات المالية الكبرى والميزانية والنقدية، وكذا إحداث مناصب عمل بمستوى معدلات النمو الديمغرافي تماشيا مع حجم الطلب على الاندماج الاجتماعي والمهني للأجيال في أفق سنة 2020. الملاءمة مع المعايير الدّولية وكل هذه تعد رهانات أساسية بالنظر إلى المواعيد في المدى المتوسط المتعلقة بتفكيك النظام الجمركي بفعل اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والانضمام المرتقب إلى منظمة التجارة العالمية بكل صعوباتها ومتطلباتها على صعيد تنظيم ملاءمة الاقتصاد مع المعايير الدولية. وفي هذا الأفق فإنّ السياسات العامة ينبغي أن تتكاثف للدفع بمعدلات النمو وتنويع النسيج الإنتاجي، الذي تلعب فيه الصناعة من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دورا رياديا في كل القطاعات. ويكمن المحرك لهذا المسار في تحرير الطاقات من أجل إطلاق النمو وتنظيم الاستثمارات الإنتاجية، ويصبّ كل هذا في سياق تثمين الجهود الضخمة التي بذلتها الدولة في إنجاز مشاريع وبرامج البنية التحية منذ أكثر من عشرية. نقائص يمكن إزالتها بالبحث والتّنمية وفي تشخيصه للوضع الراهن لهذا القطاع، يشير محدثنا إلى أنّ النّسيج الحالي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يعاني من نقائص تتعلق بالقدرات الخاصة بالدعم، والخدمات الموجهة للمؤسسات التي تحتاج بالدرجة الأولى إلى التنمية في المجالات “المناجيريالية” والتقنية والتكنولوجية. ويمكن للجامعة أن تساهم في تحسين تنافسية المؤسسة الجزائرية، شريطة تنظيم وترقية علاقات التبادل في إطار علاقات تعاقدية، ولذلك ينبغي تخصيص المساعدات المادية والمعنوية والإعفاءات الضريبية والمزايا المالية لكل مؤسسة تنخرط في برامج البحث والتنمية، فتكون الجامعة بذلك مركز دعم للمؤسسة خاصة في ظل الرقمنة. ويضيف قائلا “أنّ مؤسّساتنا تعاني من تأخر في المجال الرقمي، الذي يمثل فرصة أكيدة لمقاربة جديدة لإعادة تأهيل المؤسسات ممّا يحقّق ربحا في التنافسية والمردودية، مع تنظيم جدي للعمل انطلاقا من التشبع بثقافة خلق الثروة وإحداث مناصب العمل. لذلك نقترح تحديد وتنفيذ برنامج وطني للرقمنة في المؤسسة الاقتصادية على غرار ما يجري في العالم، ويندرج مثل هذا المسعى في السياسة الاقتصادية للحكومة التي تهدف إلى تثمين الإنتاج الوطني قصد تقليص أعباء فاتورة الاستيراد وكذا الرفع من حجم تنويع الصادرات”. إشكالية المناطق الصّناعية والصّفقات العمومية ويستطرد مشيرا إلى أنه يمكن الذهاب في هذا المجال إلى نمط تسيير خاص للمناطق الصناعية على أساس دفتر للشروط، واعتماد نظام الامتياز للتفرغ الدولة إلى محيط المنطقة الصناعية تاركة مسؤولية التسيير والاستغلال والصيانة لصاحب الامتياز، الذي يتم اختياره من طرف المؤسسات المتواجدة في المنطقة وفقا لدفتر شروط دقيق. ومن شأن هذا التسيير الخاص للمناطق الصناعية أن يشجّع بروز مهنة “مهيئ صناعي” لتكميل جهود الدولة في إنجاز المناطق الصناعية العصرية والوظيفية قادرة على احتضان مؤسسات صغيرة ومتوسطة جديدة. وبخصوص الصفقات العمومية التي تشكل على غرار ما يجري في بلدان عديدة أداة استثنائية لهيكلة الاقتصاد بالنظر لحجم انتشارها، فإنّ التنظيم الحالي لا يدمج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كما ينبغي وبشكل كاف، حيث أنّ الفرص التي تطرحها الصفقات العمومية تهني بشكل أساسي المجمعات الكبرى الوطنية والأجنبية. لذلك ينبغي العمل على تدعيم الآلية الحالية من أجل تسهيل أكثر لدخول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى سوق الصفقات العمومية قصد الدفع بالتنمية المحلية والجهوية باتجاه اندماج أفضل والسماح لهذه المؤسسات بالنمو بطريقة مستدامة. وعلاوة على الحصص المخصّصة لها، ينبغي مراعاة قدراتها التمويلية وتيسير أكثر لإمكانية تجميعها في ظل شروط جذابة لانجاز الصفقة العمومية. توسيع النّسيج المؤسّساتي وتحسين محيط الاستثمار وبخصوص رؤيته للمستقبل، يعتبر أنه من المفيد التركيز على خيار المقاولاتية والمؤسسة الحديثة الناشئة ذات النجاعة في النمو statrt- up)) التي يتزايد مجالها في أغلب اقتصاديات البلدان المتطورة وحتى الناشئة، غير أنّها لا تزال عندنا في البداية وهي محدودة الانتشار، علما أنّها توفر فرص عمل للشباب خاصة حملة الشهادات الجامعية. فالمقاولايتة هي نشاط ناجع لإنتاج الثروة والشغل من خلال الرهان على إحداث مؤسسات جديدة وخلاقة للقيمة المضافة كونها الخزّان لإنتاج الثروة ولكونها حديثة في السوق الجزائرية ينبغي مرافقتها خاصة على المستوى المحلي بتوفير العقار والتمويلات ضمن السياسة الوطنية للاستثمار، فالولايات تعتبر شريكا فاعلا ولائما في توسيع مساحة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ويتطلّب هذا المسعى الحرص على تنمية المنظومة التعليمية والتكوين المهني، ونشر الإعلام لاقتصادي تجاه الشباب خاصة باستغلال مراكز الشباب لتوصيل الرسالة. ومن الضروري أيضا تدعيم الحوار بين الولايات والمؤسسات المالية والتنسيق بين كافة المتدخلين في العملية والتكثيف من اللقاءات مع أصحاب المشاريع محليا. ويقود كل هذا إلى العمل من أجل تعميق برامج تحسين محيط الاستثمار، وذلك بتدعيم الهياكل المكلفة بالاستثمار كون إحداث الشباك الوحيد عبر كل الولايات دون أن يرافق بلامركزية اتخاذ القرار لم يحقق الهدف، ويمكن لإقحام الهيئات المحلية بترقية إجراءات العمل وتقليص آجالها. ويتمخض عن هذا العمل على صعيد إنشاء الأقطاب الإقليمية الصناعية وفقا للتخصص الاقتصادي مثل اعتماد قطب الصناعة الغذائية ببجاية والالكترونيك والكهرومنزلي بسيدي بعباس وبرج بوعريريج والميكانيكا بقسنطينة وهكذا دواليك، بحيث يكون العمل انطلاقا من الميزات الإقليمية لكل منطقة من حيث وفرة المواد الأولية أو النشاطات القائمة التي يمكن البناء عليها لإطلاق الفضاءات الجديدة وتأطيرها، وضمنها يجب بعث مسار لإنجاز سلسلة المقاولة من الباطن (sous traitance) باعتماد ميثاق يحدد الشروط والمعايير الفنية والمهنية لكسب قيمة الجودة في وقت وجيز. وفي ضوء كل هذا، يقول رئيس المجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أنّ الوقت حان لرسم الصورة الميدانية لانتشار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر التراب الوطني، ولأجل ديمومتها وتنميتها يدعو إلى إنشاء مرصد وطني مختلط عمومي وخاص يتابعها عن كثب، بحيث يتكفل بتقييم فعالية السياسات الاقتصادية العمومية بكل جوانبها وضبطها مع الواقع من خلال رسم لوحة قيادة تضع كافة المؤشرات في متناول السلطات العمومية حتى تتمكّن من اتّخاذ القرار الصّائب في الوقت المطلوب.