لم تخل الاقتراحات المتعلقة بتعديل الدستور، التي أعلن عنها وزير الدولة مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى خلال ندوته الصحفية، أمس، من الشق الثقافي والهوياتي، ما يكرّس الحرص الذي أولته وتوليه الدولة الجزائرية لقطاع الثقافة والإبداع الفكري. والمتمعن في هذه التعديلات يلاحظ نوعين من المواد الدستورية، بعضها صريح يعنى بالثقافة بشكل مباشر، والبعض الآخر يتعلق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بهذا القطاع. وكانت البداية بتدعيم مكانة اللغة العربية والتأكيد عليها، حيث ينص التعديل في المادة 3 على أن “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة”، كما “يُحدث لدى رئيس الجمهورية مجلس أعلى للغة العربية”.. هذا المجلس يعمل “على ازدهار اللغة العربية وتعميم استعمالها في الميادين العلمية والتكنولوجية والتشجيع على الترجمة إليها لهذه الغاية”، ونجد في هذه الإضافة استجابة لمطالب المدافعين عن لغة الضاد وترقيتها، وتأكيدا على أحد مكونات البعد الهوياتي للجزائريين. هذا البعد الهوياتي تدعّم أيضا بتعديل خصّص لعمود آخر من أعمدته، وهو اللغة الأمازيغية، فلم تكتف المادة 3 مكرر باعتبار الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، بل سوف “يحدث مجمع جزائري للغة الأمازيغية يوضع لدى رئيس الجمهورية”، على أن “يستند المجمع إلى أشغال الخبراء، ويكلّف بتوفير الشروط اللازمة لترقية الأمازيغية قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد”. الثقافة حق مضمون للمواطن ولعل المادة 38 مكرر، المقترحة ضمن جملة التعديلات، تنصّ صراحة على أن “الحق في الثقافة مضمون للمواطن”، حيث “تحمي الدولة التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي وتعمل على الحفاظ عليه”. وقبل ذلك نجد المادة 38 قد أكدت على أن “حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة للمواطن”، وأن “حقوق المؤلف يحميها القانون”. كما “لا يجوز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ والإعلام إلا بمقتضى أمر قضائي”. والمثير للانتباه هو ربط الجانب الثقافي بالجانب العلمي والأكاديمي، حيث نجد في نفس المادة إضافة جديدة تفيد بأن “الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي مضمونة وتمارس في إطار القانون”، وفي هذا السياق “تعمل الدولة على ترقية البحث العلمي وتثمينه خدمة للتنمية المستدامة للأمة”. وهكذا فإن المادتين 38 و38 مكرر تدستران الحق في الثقافة وتحميان حرية الابتكار، وتجعلان من العمل الثقافي والإنتاج العلمي جناحين يحلّق بهما الإبداع الفكري في الجزائر. بالمقابل، نجد مادة لا ترتبط بشكل صريح بالقطاع الثقافي، ولكنها تؤثر عليه تأثيرها على جميع الميادين الأخرى: نشير هنا إلى المادة 37 المقترحة، التي تنص على أن “حرية الاستثمار والتجارة معترف بها، وتمارس في إطار القانون”، وتضيف بأن الدولة تعمل “على تحسين مناخ الأعمال، وتشجع على ازدهار المؤسسات دون تمييز خدمة للتنمية الاقتصادية الوطنية”. وهذا من شأنه أن يشجع أكثر الاستثمار في مختلف القطاعات، لا سيما القطاع الثقافي، ما يتماشى والخطاب الجديد وزارة الثقافة الذي يركز على فتح باب الاستثمار بحثا عن نجاعة وجدوى للتظاهرات الثقافية، وترشيدا للنفقات في قطاع تشرف الدولة على سيرورته بشكل شبه كلي. هذا الانعتاق في مختلف الممارسات، خصوصا الثقافية منها، كرسته فيما قبل المادة 31 التي سبق وأن نصت على ضرورة أن تزيل المؤسسات “العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية”. قد نجد كل هذه النقاط متكفلا بها في مختلف النصوص القانونية التي تسيرها، ولكن إدراجها في الدستور يدعمها أكثر ويعطيها عمقا راسخا في قلب الديناميكيات والآليات التي تسيّر الجمهورية، وتحتكم إليها المجموعة الوطنية.